إي جيه ديون : الشرق الاوسط
نحن على وشك الدخول في جدل كبير بشأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة في شكل صراع التصديق على اختيار تشاك هيغل لمنصب وزير الدفاع، وما يصاحب ذلك من جدل حول المدة التي يتعين على القوات الأميركية البقاء خلالها في أفغانستان. وفي الواقع، يتعين على الرئيس أوباما أن يستغل هذه الفرصة للدفاع عن رؤيته الأكثر شمولا فيما يتعلق بكيفية الحفاظ على القوة الأميركية واستخدامها، وحتى لو لم يتأت ذلك لرئيس عملي لا يفضل اتخاذ مجموعة قرارات في وقت واحد.
وخلف هذا الصدام يوجد صدام آخر حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستعاني من تدهور على المدى الطويل أم لا. في الحقيقة، نحن لا نعاني من أي تدهور، ولا يتعين علينا أن نشعر بالقلق والذعر من أي حديث حول هذا التدهور، ويبدو أنه بات لزاما علينا أن نتحدث حول هذه المخاوف كل بضعة عقود.
وكانت لدينا هذه المخاوف أيضا عام 1960، عندما تعهد الرئيس الأميركي آنذاك جون كيندي «بإعادة الدولة إلى الحركة مرة أخرى»، وفي عام 1980 أيضا عقب حرب فيتنام وغزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان واحتجاز الرهائن الأميركيين في إيران. وقد تعهد ريغان بأن «يجعل أميركا أمة عظيمة مرة أخرى».
وفي عام 2008، عندما صعد التنين الصيني ودخلت الولايات المتحدة في مستنقع الحرب في العراق، وواجهت مشكلات اقتصادية كبرى، جاء أوباما ليروج لـ«الأمل» و«التغيير الذي يمكننا أن نؤمن به». لقد ركز أوباما على كلمة «نؤمن» في حملته الانتخابية عام 2012، كما استخدم ميت رومني نفس الكلمة في شعاره في حملته الانتخابية «لنؤمن بأميركا». وفي الحقيقة، نحن في حاجة ماسة إلى أن نؤمن بأنفسنا أولا.
ويرى أشد منتقدي أوباما أنه قد بدأ يقبل بتراجع الدور الأميركي، وهم مقتنعون بأنه يسعى للانسحاب من العالم وتقليص ميزانية وزارة الدفاع الأميركية لإفساح المجال أمام مزيد من الإنفاق المحلي. ويتم اتهام أوباما أحيانا بأنه يميل إلى الخيار الذي تتبعه دول أوروبا الغربية، وهو تخفيض النفقات على الجوانب العسكرية والإنفاق بصورة أكبر على الرفاهية. ويتم النظر إلى هيغل، الذي دائما ما ينتقد غرور البنتاغون وتورط الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، على أنه الأداة التي يستخدمها أوباما للقيام بهذا التحول.
دعونا ننظر أولا إلى الحقائق الجزئية الواردة في النقد الذي يخطئ فهم نوايا أوباما بطريقة أو بأخرى. دائما ما يرى أوباما أن التدخل في العراق كان خطأ كبيرا، كما أن معظم الأميركيين سعداء بانسحاب قواتنا من هناك، ولكن أوباما يرى أن الحرب في أفغانستان تختلف تمام الاختلاف نتيجة أسباب سياسية وموضوعية، فهو يرى، شأنه في ذلك شأن كثير من الديمقراطيين، أن الحرب في أفغانستان كانت طبيعية ومبررة نتيجة أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، على نحو لم يكن موجودا في الحرب على العراق. ولكن الوقت والظروف على الأرض قد أقنعته بأن هناك حدودا لما يكمن للولايات المتحدة القيام به هناك، ولذا يحاول سحب قواتنا من هناك بطريقة حذرة وسريعة. وقد أعرب أوباما عن رفضه القيام بعمل واسع النطاق في سوريا، واضعا في الاعتبار العواقب التي قد تترتب على ذلك، لا سيما أن تكاليف الحرب والفائدة منها غير واضحة تماما، سواء بالنسبة لأوباما نفسه أو بالنسبة لمستشاريه.
وفي تلك الأثناء، يقوم أوباما بإعادة توجيه سياساتنا الخارجية باتجاه قارة آسيا التي تشهد نموا كبيرا، والتركيز على إعادة بناء الاقتصاد الأميركي. (يتعين علينا أيضا إعطاء مزيد من الاهتمام لأميركا اللاتينية، ولكن تلك قصة أخرى).
إن تعيين هيغل في منصب وزير الدفاع وجون كيري في منصب وزير الخارجية قد يكون له فائدة إضافية في تعزيز علاقتنا بأوروبا، لأن التاريخ الشخصي لكل منهما، كما قال الصحافي فيليب ستيفينز في صحيفة «فاينانشيال تايمز»، الأسبوع الماضي، يظهر أن «اهتمامهما بالتحالف الأطلسي يجري في دمائهما».
ومع ذلك، لا يوجد أي شيء في ذلك يدل على التراجع أو الانعزالية، ولكنه نهج متأصل في الواقعية بشأن المصادر الحقيقية للقوة الأميركية والحاجة الملحة للعمل المحلي والاقتصادي في وقت واحد. إنها وجهة النظر الواردة في العنوان الذي تم اختياره بعناية لكتاب سيتم نشره قريبا لريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، وهو: «السياسة الخارجية تبدأ من الداخل: حالة ترتيب البيت الأميركي».
يذكر أن هاس هو عضو بالحزب الجمهوري ويختلف مع أوباما في كثير من الرؤى، ولكن هذا يعكس حالة الإجماع المتنامية بشأن ما يجب أن تكون عليه أولوياتنا الآن. إن الحفاظ على النفوذ الأميركي بالخارج يعتمد أولا على إعادة النمو الاقتصادي والحراك للأمام والاستقرار المالي وتعزيز التكافل الاجتماعي في الداخل. وسوف يتطلب ذلك ميزانية دفاع أقل نوعا ما لبعض الوقت، ولكن فكرة أن أوباما سوف يقلل هذه الميزانية بشكل عشوائي يعد شيئا سخيفا في حقيقة الأمر.
إن الذين يرون أن الولايات المتحدة في طريقها للتدهور مخطئون، لأنهم يقللون من قدرة الاقتصاد الأميركي على استعادة قوته وحيويته مرة أخرى، ومن الجاذبية التي تتمتع بها ثقافتنا، وكذلك الجاذبية المستمرة لفكرة الديمقراطية، والصعوبات التي تواجه منافسينا، ولا سيما الصين.
ويتمثل العائق الوحيد الذي يقف أمامنا في السياسة الداخلية الفاسدة، ولكي نتجاوز خلافاتنا يتعين على أوباما أن يقوم بحشد الدعم للتوافق الذي ننتظر أن تشهده البلاد قريبا، وهذا هو السبب في أنه لا يتعين عليه أن يخاف من أي نقاش واسع حول أهدافنا في العالم، ولكن يتعين عليه أن يرحب بهذا النقاش ويكون جزءا منه.
* خدمة «واشنطن بوست»