محمد البدري
لا اعتقد ان يعارضني احدا من اليساريين اصحاب منهج وحدة النقائض في صياغة اسم الدولة الاعظم بالشكل الذي اتي بالعنوان. فالولايات المتحدة تحمل في ارثها التاريخي مجمل التطورات العالمية منذ فجر التاريخ رغم قصر عمرها منذ ولادتها كدولة مستقلة بعد حرب الاستقلال. ولن نكون مغالين إذا ما اضفنا انها استوعبت الارث المعرفي لمجمل البشرية ليس فقط حفاظا عليه في المتاحف والمكتبات إنما ايضا ضمن الماكينة السياسية لمؤسساتها الاكاديمية والعلمية التي تخدم سياساتها داخليا وخارجيا.
وبغض النظر عن مدي ثقافة رجل الشارع في مدنها الكبيرة والصغيرة فانه وطبقا لقاعدة تقسيم العمل لا يهتم مواطنها الا بما هو مصلحي ويصب في حصيلته او في حسابه البنكي ويترك ما عدا ذلك لمن له مهمة وظيفية اعلي مسؤول هو عنها بتقاضية عليها توليها أجرا من مؤسسة راس المال الضخمة التي لا توظف الا من يعظم ويصب في مصلحتها. ولتحقيق هذا الهدف نشأت وعبر صيرورة التطور الي مرحلة الراسمالية منظومة حقوقية يتساوي فيها الجميع ضمانا للاحساس بالامان داخل مؤسسة الاستغلال الراسمالي لقوة العمل إبقاءا عليها وضمانا لاستمرارها.
لا يري اليساريين، وخاصة المتشدددين منهم كالاستاذ الفاضل فؤاد النمري مثل هذا الاجراء الا كخدعة لبقاء الظلم الاجتماعي قائما وهو ما عبر عنه في كتابه علي موقعه بقوله عن الحق ووصفه له بانه مفهوم برجوازي باطل. لكنهم ولو طبقوا قليلا من قوانين الجدل لاكتشفوا ان كل المكتسبات قانونية أو اجتماعية ستصب في النهاية وبعد استهلاك طاقة الراسمال وطاقة نمطه الانتاجي في استحقاقات التحولات الي نمط جديد يرتقي فوق القسمة الغير عادلة للملكية وللحق علي السواء لكن بناءا علي ما تكتسبه الطبقات من قدرات انتاجية وليس بالسطو علي ما لا يستطيعوا هضمه وابتلاعه للارتفاء بالانتاج والعائد الي مستويات اعظم مما تحققة الراسمالية الحالية. لهذا فان نقد الراسمالية في هذه المرحلة منوط بفهم الياتها المتجاوزة لمفهوم العمل الذي يعرفه الجميع كما يعرفون آبائهم.
فالنظم السياسية العسكرية التي قفزت فوق التاريخ وحطت رحلها بامتلاك مقدرات الانتاج باجراءات كالتأميم مثلا انتهت كلها الي طبقة من اللصوص والفاسدين عبر هو عنهم باسم البرجوازية الوضيعة في كتاباته الغزيرة علي موقع الحوار المتمدن. الان يجري استكمال سيناريو وقف نمو هذه المجتمعات باستخدام الدين مثلما استخدمت القومية العربية علي مدي نصف قرن كامل. وهنا تكمن مشكلة العرب الملتحفين دوما بالاسلام. فهذه الهوية وتلك الايديولوجية الدينية تحمل في باطنها عقما لفرز طبقات اجتماعية تكون قادرة إما علي انتاج معرفة بسبب الانسداد الاسلامي أو تطويرا لاليات الانتاج القائمة حديثا مثلما كان الامر قديما منذ استولي العرب علي تلك الاراضي الشاسعة واداورها بكونها محلبا لادرار اللبن.
ومع تطور العالم شرقا وغربا وانتقالة من الجهل للمعرفة ومن البدائية للرقي ظلت المنطقة بما فيها من ثروات مخفية في باطنها تنتظر من يستطيع اكتشافها والاستفادة منها وهو ما جري بعد الحرب العالمية الاولي بسبب الانتشار الامريكي والذي تعاظم بعد الحرب الثانية ولم يعد هناك من مكان في العالم الا وبه بصمة من الانتاج الامريكي معرفيا وسلعيا. وهنا تكمن المفارقة المدهشة في التحالف بين اكثر الدول تقدما في التقسيم السياسي والاجتماعي للعمل وبين منطقة تزخر بثروات ضخمة في حاجة لمن يستخرجها واصحابها لا يعرفون سوي الشفاء ببول الابل بشربه والتناكح باربعة والصلاة لخمس واضاعة شهر كامل من السنة باسم الصوم واعتبار ان تعداد المجتمع حسابيا هو 50% من تعداده الحقيقي حفاظا علي شرفه المحتكر علي من له عضو ذكري.
بهذه الشروط بين أمريكا والوهابية اي بين طرفي معادلة استثمار النفط في بلاد العرب والمسلمين نشأت علاقة شاذة تعهد الناكح فيها برعاية المنكوح والحفاظ علي حكم آل سعود بكل طاقاته. ولم تمانع الولايات المتحدة الناكحة في ان ينتشر الفكر الوهابي في اي موقع به اناس مسلمون طالما انهم علي قناعة منهم بان الدين نشأ في اراضي السعوديين وبالتالي فاهلها ادري باسرار هذا الدين العظيم وطالما ان التخلف والجهل سيسود من جراء هذا العمل الدعوي. هكذا انتشر الدعاة بالزي السعودي وباتت مفاهيم رعي الابل واحتقار المرأة وتغييب العقول وتحقير الانسانية وابتذال العلم مما لا يخجل منه الدعاة أو المتلقين للدعوة وبجانبها سب امريكا في وقت واحد باعتبارها دولة علمانية كافرة. فالغطاء الامريكي بسب اعظم دولة حديثة كفيل بستر العورة الاسلامية. والاهم ان الثروة مع ابتذال توزيعها كافية لاقناع ان البركة لا تاتي الا من هؤلاء الجهلة الدعاة فتزداد اعداد الحجاج والمعتمرين وتسيل الدموع وتخضب اللحي في باحة البيت العتيق ويقابلها فتح زجاجات الشمبانيا في البيت الابيض. ورغم ذلك تنفلت من بعض العقول في لحظة خاطفة من الصدق مع الذات لمحات قلية من القادرين علي الامساك بها واستحضار العقل في مناخ معتم من الغيبوبة. فغياب العقل وستر عورة الفهم كفيلة بالا يفهم أحد شيئا مما يقال او يجري طالما الامور تتم مسرحتها في ساحات مقدسة وفي اراضي مباركة. ففي ساحة الحرم الشريف ارغي الشيخ وازبد وخضبت لحيته بالدموع أثنا قنوت الشيخ الفضيل في شهر رمضان الكريم بعد صلاة التراويح. تهجد الرجل وتهجدت معه افئدة المستمعين وبكي في دعائه وبكي معه كثرين من المصلين فقراء واغنياء، غرباء وسعوديين. وبعد خروجه من ساحة الحرم شاهده أحد المصريين الذين ضحوا بكثير من اموالهم لقاء عمرة رمضان ورآه يمتطي سيارة مرسيدس فارهة بسائقها ورجل امنها المرافق في سيارة اخري مماثلة. فسأل: هيا العربية دي بتاعت الشيخ؟
قالوا: نعم
فرد سريعا دون تردد او تفكير وقال: آمّال كان بيعيّط ليه ؟
البكاء وتخضيب اللحي وانهمار دموع التقوي والورع تملا كتب التراث الاسلامي فالصورة المنقولة توحي بفقر وفاقة اهل الاسلام قديما وظلت الصورة يكتبها الفقهاء والمؤرخين حفاظا علي سلطة الحاكم رغم تبدل حالهم وحدهم دون باقي الرعية من جراء نهب اموال الرعية. وهو ذاته ما ترعاه الولايات المتحدة الامريكية حاليا. فشيخ واحد كفيل باخضاع المصلين طالما هم مؤمنين.
فتاريخ الاسلام يمتلئ بتجارب تخلط الدين والسياسة لصالح الخليفة وجوقة اصحاب اللحي المخضبة. ، حديثا وبزعامة امريكا يجري استخدام الدين من اجل مصالح الرأسمالية العالمية. ولهذا السبب بالذات يجري نشر الدعوة الاسلامية حيثما وجد من يمكن استنزاف ثروته، أو لابقائة خارج الطبقات التي ستعي وضعها فتثور عليه وعلي فساد أهلها. وللتمويه ولعمل الشرك الخداعية كما في المعارك العسكرية اتفقت الوهابية والرئيس الامريكي علي وضع اسم الصليبية علي الحملة الامريكية قبل غزو العراق ردا علي جريمة الوهابية علي برجي التجارة في نيويورك. ولان بوش لا يستعين بالوهابية والجهلاء كمؤسسة معرفية علمية أكاديمية لاتخاذ قراراته السياسية فان الفكرة قدمتها له المؤسسات الاكاديمية وصناع المعرفة. بهذا اصبح الدين وخاصة في صورته الاكثر تخلفا في خدمة العدوان خاصة لانه يحمل عدوانا مضمرا مغلفا برحمة كاذبة هي التي بسببها يتم الخداع بتخضيب اللحي. تجري التعبئة وتحفيز الكراهية من هذا التحليل في موضعين متكاملين مثلما يجري تجميع طائرات الاير باص في اكثر من موقع جغرافي، اولهما في مكة المكرمة والثاني في واشنطن دي سي. ولهذا يمكن كيف خرج شعار ان حج الفقراء يكون لمكة وحج حكام العرب وعلي راسهم حكام آل سعود الي البيت الابيض.