سليمان يوسف يوسف
قلة هم الذين يعلمون بأن “الثورة الروسية” البلشفية عام 1917، كانت السبب في انسحاب الجيش الروسي من ساحات معارك الحرب العالمية الأولى وترك حليف روسيا الصغير “الآشوريون”، يواجهون الموت والابادة الجماعية على ايدي أعدائهم (العثمانيون والفرس والأكراد). الروس، بقصد أو من دون قصد، بانسحابهم من الحرب وترك الآشوريين يواجهون عمليات الانتقام والابادة والتهجير القسري من مناطقهم التاريخية، دفنوا الحلم الآشوري بـ”دولة آشورية”، ولو على جزء من وطنهم التاريخي (بلاد ما بين النهرين). وفق الوعود الروسية “اقليم هكاري” الآشوري، كان المرشح ليكون نواة الدولة الآشورية. ” إقليم هكاري” محتل من قبل الدولة التركية، وقد أصبح ذات غالبية كردية. بعد مائة عام على ذاك الحدث التاريخي المأساوي، قيصر روسيا الجديد(بوتين) يفتح “الذاكرة التاريخية” الأليمة للآشوريين، بسعيه للعب بالورقة (الآشورية – المسيحية) و فرض نفسه وصياً على المسيحيين وحامياً لهم، عبر بوابة (الحرب السورية)، التي اعتبرها بطريرك الكنيسة الروسية (كيريل) “حرب مقدسة ستحمي المسيحيين “، فيما اعتبرها كل من (بوتين) و وزير خارجيته(لافروف) “حرب للقضاء على الإرهاب وحماية الأقليات المستضعفة “.
موسكو، ومن موقعها الوصي على الدولة السورية (حكومة وشعباً)، تستعد لعقد ما سمته بـ” مؤتمر الشعوب السورية” في 18 تشرين الثاني الجاري في مدينة ( سوتشي ) الروسية. “سوتشي” ستكون محطة جديدة، الى جانب محطة (جنيف و اسيتانة و حميميم)، في مسار البحث عن حلول سياسية للمعضلة السورية. سعياً لتوسيع المشاركة في مؤتمر سوتشي، دعت الوزارة الخارجية الروسية حتى الآن أكثر من 30 كيان سياسي سوري من مختلف القوميات والمكونات، في مقدمتهم حزب النظام( البعث الحاكم)، بالإضافة دعوة ممثلين عن مختلف الطوائف والمذاهب الدينية في سوريا. لإظهار موسكو حرصها على مشاركة الآشوريين والارمن وعموم مسيحيي منطقة الجزيرة، التقى جنرالات روس، في مدينة القامشلي، بهيئات ومنظمات كنيسة وسياسية ومجتمعية آشورية(سريانية كلدانية) وارمنية، لحثها وتحفيزها على المشاركة في المؤتمر. الوفد الروسي، اعتبر المؤتمر فرصة مهمة للآشوريين والمسيحيين لطرح جميع قضاياهم والمطالبة بحقوقهم. رغم الاحباط والاستياء (الآشوري- المسيحي) من الدور الروسي في الأزمة السورية، قررت العديد من الفعاليات الاجتماعية والهيئات السريانية الآشورية والمؤسسات الدينية المسيحية السورية، الموالية للرئيس بشار الأسد، الاستجابة لطلب موسكو بالمشاركة في “مؤتمر سوتشي”، على أمل طرح قضية الآشوريين والمسيحيين السوريين على المؤتمرين، وأخذ دورهم الوطني في تقرير مصير ومستقبل بلادهم. بيد أن النظام العروبي الاستبدادي، الرافض للاعتراف بالتعددية القومية، التي يتصف بها المجتمع السوري، لا يريد للآشوريين أن يأخذوا دورهم الوطني، كمكون سوري اصيل، الى جانب بقية المكونات والاقوام السورية، في بناء سوريا الجديدة. النظام السوري غير مطمئن للموقف الآشوري في حوارات وسجالات سوتشي، لهذا سارعت دوائره الأمنية، بالتنسيق مع الوصي الروسي، الى اصطناع (حزب آشوري) باسم “تجمع يسار الوسط الديمقراطي من الآشوريين – حزب متاكاس”، صنع خصيصا لـ”مهزلة سوتشي” وملحقاتها، بهدف التشويش على (القضية الآشورية) وتفخيخ المشهد السياسي الآشوري وإثارة الفوضى والخلافات داخل البيت الآشوري. هذا الحزب الآشوري المصطنع، هو مجرد “يافطة آشورية”، لم يسمع به أحد، قبل أن يُدرج على قائمة الكيانات السياسية، التي دعتها الخارجية الروسية للمشاركة في “مؤتمر الشعوب السورية” في سوتشي. اطلاق الروس مقولة ” الشعوب السورية” و طرح ” سوريا الاتحادية” ما بعد الحرب، عززت مخاوف المسيحيين من الاجندة الروسية لسوريا الجديدة “. المسيحيون السوريون، بغالبيتهم الساحقة، متحدرون من اصول (سريانية آشورية – آرامية)، سكان سوريا الأوائل، وهذا يفسر تواجدهم وانتشارهم في مختلف المناطق السورية. سوريا “الاتحادية” ستجعل من المسيحيين مجرد اقليات صغيرة مهمشة متناثرة في الاقاليم الفدرالية، ناهيك عن أن “الفدرالية” على اسس عرقية – طائفية،ستكون خطوة متقدمة على طريق تقسيم سوريا، لهذه الاسباب وغيرها، المسيحيون يرفضون خيار” الفدرالية ” لسوريا الجديدة. ثمة قضية أخرى بالغة الأهمية والحساسية، هزت مسيحيي سوريا والمشرق. أنها قضية “مطارنة حلب” المخطوفين منذ اكثر من اربع سنوات( يوحنا ابراهيم و بولس اليازجي). بوتين، الممسك بملف الأزمة السورية، ساهم، من خلال طيرانه الحربي، في تحرير “حلب الشرقية” من مسلحي المعارضة، فيما هو لم يحرك ساكناً للكشف عن مصير مطارنة وكهنة حلب المخطوفين. صمت وسكوت بوتين عن قضية المطارنة، ضاعف من شكوك المسيحيين بالدور الروسي في الأزمة السورية، لجهة حماية (الوجود المسيحي)، وحال دون أن يلعب (بوتين) بالورقة المسيحية كما يرغب. قد ينجح الروس في انهاء الحرب وتوحيد الجغرافيا السورية وإبقاء بشار على راس السلطة بدمشق، لكن هذا لا يعني بالضرورة قدرتهم على انجاز (سلام وطني) حقيقي بين السوريين وتوحيد المجتمع السوري. بالنظر للبعد (الطائفي/المذهبي/العرقي) للصراع السوري والجرح الوطني العميق الذي احدثه هذا الصراع، يبقى الملف (السياسي والمجتمعي) اكثر تعقيدا من ملف الحرب. انحياز الروس الى جانب نظام بشار الأسد، زعزع ثقة خصوم النظام بهم وجعلهم طرف في الصراع وغير مؤهلين للعب دور الوسيط والنجاح في إنهاء الأزمة السورية.
باحث سوري مهتم بقضايا الاقليات.
المصدر ايلاف