هناك محطات في تاريخ الظواهر لا بدّ من معرفتها والتأمل فيها، والبحث في أدوارها في فهم الراهن. ومن هذه الظواهر مثلًا ظاهرة الجيش السوري.
لن أخوض في تاريخ هذا الجيش، فهذا أمرٌ متاح للجميع في مراجع كثيرة، بل أحببت أن يعرف الجيل الحاضر الذي يشهد، بكل دهشة واستغراب، ما يفعله الجيش العقائدي في أبناء البلد، بعضَ المعالم الأساسية بارتباط النخبة العسكريتارية بالسلطة في سورية؛ ليتابع البحث والتأمل.
بقايا العثمانيين: كان أول تأسيس للجيش في أثناء قيام المملكة السورية العربية، عام 1920، من بقايا الجيش العثماني من ضباط أهل بلاد الشام، ولقد تضمن “إنذار غورو” حلّ الجيش، وقَبِل فيصل حلّ الجيش، ودخل دمشق وقضى على أول جيش وطني للبلاد.
الانتدابيون: وهم قلة، كانوا جزءًا من جيش المشرق الفرنسي.
الاستقلاليون: وهو الجيش الذي تكون بعد الاستقلال، وقام ضباطه بعدد من الانقلابات العسكرية، نتيجة الولاءات الخارجية، لكنهم كانوا يعيدون الحياة النيابية إلى سابق عهدها.
الوحدويون: وهم مجموعة من الضباط المؤمنين بالوحدة مع مصر، ضد أولئك المؤمنين بالوحدة مع العراق؛ نتج عن ذلك فرض الجناح الوحدوي المصري وحدة مصر وسورية في 22 شباط/ فبراير عام 1958، ونشوء الولاء لجمال عبد الناصر، مع تسريح جزء من المعارضين، وقيام الإقليم الشمالي ذي الحاكمية الاستبدادية، وتحطيم التجربة الديمقراطية.
الأيلوليون: وهم مجموعة من الضباط المدنيين الذين قاموا بانقلاب عسكري في 28 أيلول/ سبتمبر عام 1961؛ أدى إلى انفصال سورية عن مصر، وأعادوا الجمهورية السورية دولة ديمقراطية برلمانية، باسم الجمهورية العربية السورية، بين عامي 1961 و1963، وسُرّح عدد كبير من الضباط البعثيين والناصريين.
الآذاريون: خليط من الضباط القوميين المدنيين والقرويين المنتمين إلى البعث والتيار الناصري والمستقلين الذين قاوموا، بانقلاب عسكري، في 8 آذار/ مارس عام 1963، وقضوا على النظام الديمقراطي البرلماني، وألغوا الدستور وشكّلوا مجلس قيادة الثورة، وسُرّح جميع الضباط الذين أنجزوا الانفصال والمتعاطفين معهم.
التموزيون: حلقة من الضباط الآذاريين الناصريين، قاموا بانقلاب عسكري فاشل لطرد البعثيين من السلطة، في 18 تموز/ يوليو عام 1963، وقد فشلوا، وبفشلهم استأثر الضباط البعثيون بالسلطة، متكئين على سلطة الحزب الواحد، وذلك من الفترة من عام 1963 وحتى عام 1966، وهنا بدأت بوادر ظهور الحس الطائفي في الجيش، وسرّحوا جميع الضباط الناصريين.
الشباطيون: خليط من الضباط البعثيين الآذاريين القرويين في الغالب، ومن ورائهم القيادة القطرية لحزب البعث، وهم من طوائف شتى، قاموا بانقلاب عسكري على زملائهم من الضباط البعثيين الموالين للقيادة القومية، في 23 شباط/ فبراير عام 1966، وسرّحوا جميع الضباط الموالين للقيادة القومية، وبعد مضي عام على هذا الانقلاب، حدثت هزيمة حزيران/ يونيو واحتلت “إسرائيل” منطقةَ الجولان.
التشرينيون: مجموعة من الضباط القرويين الشباطيين الأضيق انتماءً، قاموا بانقلاب عسكري في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970، بزعامة وزير دفاع هزيمة حزيران/ يونيو، وجرى تسريح المواليين للقيادة القطرية الشباطية، وفصّلوا دستورًا ودولة على قدهم، واشتركوا في عام 1973 مع مصر في الهجوم على “إسرائيل” في 6 تشرين الأول/ أكتوبر، وعقدوا بنتيجتها اتفاق فصل قوات وإنهاء حرب ما زال ساريًا حتى الآن، مع احتفاظ “إسرائيل” بالجولان وضمها بقرار من الكنيست، ونتيجة ذلك سيطرت العسكرتارية الحاكمة على الحياة، وصارت السلطة والجيش والدولة شيئًا واحدًا؛ فزالت الدولة وعمّ الخراب جميع البلاد وتجذرت العصبية الطائفية، وظهرت نتائجها السلبية على المجتمع والحياة، بعد الثورة السلمية ضد العسكرتارية الحاكمة.
الجيش الحر: وهم مجموعة من الضباط السنّة قليلة العدد، بالقياس إلى عدد ضباط الجيش العام، وهؤلاء رفضوا القمع الدموي لثورة الشعب السوري السلمية؛ فانشقوا عن الجيش الحاكم.
إن فهم هذه المحطات في تاريخ العسكرتارية السورية ضروري للتفكير في مستقبل الجيش الوطني المنشود