الأسيوطي : أحقا انك من أصل هكسوسي !؟
الهكسوسي : نعم أنا مصري , هكسوسي الأصل .
الأسيوطي : غريبة ! أولم يتم طرد الهكسوس . من مصر !؟
الهكسوسي : انت رجل عاقل وفاهم .. كيف تقول ذلك !؟
الأسيوطي :يعني كذبوا علينا في التاريخ !؟
الهكسوسي : كلا .. لم يكذبوا علينا .
الأسيوطي : اذاً كيف تقول انك مصري من أصل هكسوسي , وتعرف انهم قد طردوا الهكسوس من مصر !؟
الهكسوسي :أقول لك يا سيدي ..
الأسيوطي : تفضل :
الهكسوسي : انت عارف كم مكث الهكسوس بمصر كمحتلين ؟
الأسيوطي : نعم . مائة سنة ..
الهكسوسي : حسناً . أي احتلال يمكث كل تلك المدة . لابد وأن يترك له فلول .. بالبلاد , لأن عدة أجيال من المحتل . جاءوا , وذهبوا . ولابد وأن منهم . من أحب الحياة بالبلاد. وبقي فيها . سواء تزوج منها أو جاء بأسرته اليها وبقي فيها ولم يغادرها وانصهر مع وفي شعبها ..
الأسيوطي : إيه .. نعم نعم .. كلام منطقي . الآن أنا فهمت .
الهكسوسي : فهمت يا سيدي ؟
الأسيوطي : نعم . ولكن ألا تحكي لي كيف عرفت انك من أحفاد الهكسوس . بينما مضي علي خروج أجدادك من مصر . آلافا من السنين – 3500 سنة !؟
الهكسوسي : هذا تاريخ شفهي يتداوله ويتناقله الأباء والأجداد والأحفاد .. واستمر هكذا حتي وصلني . وعلمت به .
الأسيوطي : ماذا قال لك جدك او ابوك عن ذلك , ماذا حكي لك عن ذاك التاريخ السحيق في القدم ؟
الهكسوسي : قال لي جدي . ان جد نا الأول الذي جاء لمصر مع جند الهكسوسي , أحب مصر . وقرر ألا يغادرها بعد ذلك . بل يستمر في العيش بها . فأتي بأسرته – كان وقتها حديث الزواج من جدتنا الهكسوسية – . كانت بعدها عروس . لم يمض علي عُرسها سوي شهرين . واذا بجيش الحملة الهكسوسية يطلبه لغزو مصر . فلبي النداء .
الأسيوطي : وماذا بعد .
الهكسوسي : جاءت جدتي الهكسوسية . لمصر . اشتري داراً بالريف. بأحد النجوع .واحبت هي , مثله تماماً , العيش في مصر . وأقسما علي ألا هدم مغادرتها أبداً مهما كان الأمر . وبقدر ما أحبوا مصر , وأحبوا جميع اهل القرية المصرية الصغيرة . أحبهم أهلها أيضا . وارتاحوا لحسن عشرتهم ..
الأسيوطي : وماذا بعد ؟
الهكسوسي : جدنا الاول . الهكسوسي هذا . أنجب من عروسته – جدتنا الهكسوسية – الأولي في مصر . وكبر أولادهم , وأنجبوا , ومنهما نبتت عدة أجيال
الأسيوطي : حسناً وماذا بعد ؟
الهكسوسي : طوال كل تلك المدة . كانت تلك الأجيال من العائلة الهكسوسية لجدنا الأول . قد نشأوا علي حب مصر وأهل القرية . لم يعد أحد يعتبروهم غرباء . وكأنهم أخوة وأخوات لأهل تلك القرية . الا انهم يعرفون – هم وأهل القرية – انهم ليسوا مصريين أصلاًء , وانما من سلالة المحتل الهكسوسي .
الأسيوطي : حسنا .. وماذا حدث عندما جاء ميعاد طرد الهكسوس من مصر . علي يد أحمس الأول . الفرعون المصري البطل ؟
الهكسوسي : الذي حدث أن العائلة – أجدادي وجداتي الذين عاصروا تلك الأحداث . شعروا بالخوف . من أن يشملهم الطرد لخارج مصر . التي أحبوها . وولدوا وشبوا وكبروا وتزوجوا وأنجبوا فوق ترابها . ولم يجربوا وطناً آخر سواها .. خافوا من الطرد لخارجها مع جيش الهكسوس . خاصة وان أهل قريتهم – الفراعنة – يعرفون بأصلهم الذي يعود للمستعمر الهكسوسي , وكانوا يسمونهم ” جماعة الهكسوسي ” , وبيت الهكسوسي ” وفلان الهكسوسي .
الأسيوطي : نعم نعم , كما نقول نحن الآن ” المنياوي ” والدمياطي والطنطاوي ” والتركي ” ..أكمل
الهكسوسي : شعر أهل القرية بأحاسيس الخوف , التي تتملكهم . والحزن الذي اعتري وجوههم .
الأسيوطي : ماذا حدث ؟
الهكسوسي : اجتمع كبار القوم بتلك القرية وتشاروا . وأجمعوا بأن جماعة أبو الهكاسيس – كما كانوا أحياناً يسمونهم ً- ناس طيبون محبون للقرية ولأهلها . والقرية بأكملها تحبهم . ولم تجد من أحد منهم ثمة سؤ . وهم يحبون مصر . ولم يعرفوا لهم وطناً سواها .
الاسيوطي : فماذا فعلوا ؟
الهكسوسي : ذهبوا – لفيف من كبار وجهاء ووجيهات القرية . الي ديوان العائلة . فاستقبلوهم . بترحاب كبير . وهم متوجسون .
بدأ كبيرهم بالكلام . موجها حديثه لكبير عائلة الهكسوس . وهو يُنقّل نظراته لباقي الموجودين من رجال العائلة رجالاً ونساءً : يا أبا الهكاسيس . مرحباً
جدي ابو الهكاسيس : مرحباً بكم أخوتنا , أحبائنا الغاليين الأعزاء … فقال كبير القرية :
كبير القرية : احنا عارفين . ان الدولة الآن في حرب مع الهكسوس وتطردهم خارج مصر . لانهم محتلين .
( بدأ الخوف والقلق . يطفوا علي وجوه أجدادي وجداتي ) ولكن كبير القرية واصل كلامه : الا انكم تعيشون معنا منذ زمن . وكلكم مولودين بيننا . ومنكم أخوة وأخوات لنا في الرضاعة . وحبايبنا وجيراننا. ولم نر من أحد منكم الا كل حب وأخوية وجيرة حسنة .
ومن هنا . جئنا نحن أعيان القرية لنقول لكم : يجب ألا يكون عندكم أي قلق . ولن يستطيع أحد أن يمسكم بسؤ . انتم جزء من قريتنا . فلا تخافوا شيئا ..
( الهكسوسي . يستطرد كلامه ) : هنا بدا الشعور بالراحة والبشر . علي الوجوه الهكسوسية .وشكروهم كثيراً , وقال كبيرهم . لزعماء القرية :. هكذا هو عشمنا فيكم وفي أخويتكم وجيرتكم وحبكم . وها أنتم لم تخيبوا أملنا , وأكدت علي كلامه جدتنا كبيرة نساء العائلة الهكسوسية . وهي معروفة للقرية وكانت موضع احترام من الجميع , وأمرت شابات العائلة – الهكسوسيات – باحضار مشروب شعبي للضيوف , . لحين اعداد طعام الغذاء
الهكسوسي : ( ينهي سرد الحكاية ) : وها أنا واحد من أحفاد هؤلاء ..
الأسيوطي : يعني أنت هكسوسي الأصل . ولست مصرياً أصيلاً ..!
الهكسوسي : أنا مصري ابن مصري ابن مصري .. حتي أكثر من مائة جد .. ولكن الأصل هكسوسي .
الاسيوطي : ( بفخر واعتزاز ) ولكنني لي الشرف , انني مصري أصيل , حفيد الفراعنة . أصل البلد , أصل مصر .
الهكسوسي : (بعدما نظر اليه متفحصاً وجهه , انفجر ضاحكاً , باندهاش ممزوجا ببعض من السخرية )
الأسيوطي : ( بشيء من الضيق ) : لماذا تضحك ؟ لماذا تضحك ؟ أريد أن اعرف لماذا تضحك . لازم تقول لي لماذا ضحكت ؟
الهكسوسي : حسناً سأقول لك لماذا ضحكت . ولكنني أريد أن أسألك أولاً ..
الأسيوطي :لا ..قبل أن تسألني . أريد أن أعرف لماذا ضحكت !؟
الهكسوسي : سأقول لك يا سيدي ساقول لك . فقط أجبني عن سؤال :
الأسيوطي : تفضل :
الهكسوسي : انت تقيم الآن في أمريكا .. أليس كذلك ؟
الأسيوطي : نعم
الهكسوسي : ماذا لو قال لك أحد السكان الأصليين – من الهنود الحمر – . – وكرر لك كثيراً انه أصل أمريكا . لأنه من سكانها الأصليين ؟
الأسيوطي : سأقول له . انني أمريكي مثله . فأنا أحمل الجنسية الأمريكية –
الهكسوسي : ولو ظل يكرر لك ما يقوله . من أنك أنت وافد من خارج أمريكا . وهو من ة االسكان الأصليين . ؟
– الأسيوطي : سوف أشكوه للسلطات
الهكسوسي : لماذا تشكوه ؟
الأسيوطي : لانني أمريكي مثله . أحمل الجنسية, وليس له أن يعيرني ويجرحني بقوله هذا . من وقت لآخر .
الهكسوسي : منذ كم من السنين . تحمل أنت الجنسية الأمريكية ؟
الأسيوطي : ( باعتزاز ) منذ عشرين عاماً .
الهكسوسي : فقط !؟ منذ عشرين عاماً فقط !؟
الأسيوطي ( يزوم ويزوغ برأسه يميناً وشمالاً ) انني أحمل الجنسية الامريكية , أنا مواطن مثله ..
الهكسوسي : وأنا ماذا أفعل معك , وأنا احمل الجنسية المصرية عن أجدادي الهكسوس ! ليس من عشرين سنة فقط . بل منذ 3600 سنة – منذ عام 1600 قبل الميلاد .. . وأنت لا تكف عن تجريحي
بقولك المتكرر , أنك من احفاد الفراعنة . أصل مصر !؟
الأسيوطي (راح يضحك . وقد شعر بالحرج ) بصراحة عندك حق ..( برهة من الصمت ) لكن لماذا ضحكت في البداية . وعدتني بأنك ستقول السبب
الهكسوسي : السبب يا سيدي . انك لا تنظر في المرآة . أو انك لا تعرف أن الفراعنة – الذين تزعم انك حفيدهم . لم تكن عيونهم خضراء . ولا فيهم واحد أشقر , مثلك
( ضحكا سوياً ..) .
( كان صديقهما ” القليوبي ” صامتاً طوال ذاك الحوار , مكتفياً بالاستماع ثم تكلم ..
القليوبي : – موجها حديثه للهكسوسي – وهل كانت عائلتك هي العائلة الوحيدة كفلول للهكسوس عند طردهم من مصر ؟ ما المانع من وجود قري ومدن مصرية أخري كانت تحتضن هكسوسا آخرين بقوا في مصر . بعدما عاشوا وسط شعبها واحبوه , فتمصروا , وذابوا في مصر ؟
الاسيوطي : هذا وارد . انها مائة سنة احتلال . ليست بالزمن القليل ..
الهكسوسي : مائة سنة هكسوسية , تركت فلولاً .. مائة سنة فقط .. فماذا عن 350 سنة احتلال اغريقي !؟ كم تركت من فلول . أحبوا مصر وذابوا فيها بعدما عشقوها . وتمصروا وبقوا وانقطعت صلاتهم باليونان بلد أجدادهم . ولم يعد لذريتهم وطن منذ 2350 سنة سوي مصر !؟
القليوبي : الاغريق ظلوا محتلين لمصر 350 سنة فقط ! .. فماذا عن الرومان الذين احتلوها لحوالي 600 سنة !؟ كم تركوا من الفلول , وكم عددهم الآن ؟.
الأسيوطي : صحيح .. وماذا عن فلول المماليك والاتراك والجركس !؟
القليوبي : وماذا عن فلول الفرنسيين . ان عبد الله مينو – آخر قائد لحملة نابليون . علي مصر . تزوج من مصرية واعتنق الاسلام .هذا عرفناه من التاريخ .لأنه جنرال . فكم من جنوده فعلوا ذلك , وأبوا مغادرة مصر عندما غادر جنود الحملة ؟
الهكسوسي : كان هناك 10 آلاف جندي من جنود لويس التاسع – ملك فرنسا .. الذي فشلت حملته لغزو مصر .1249 م . وتم أسرهم عام 1250. وعجزت زوجة لويس , عن دفع فدية لهم . فبقوا بمصر وتمصروا .
القليوبي ( يتمتم بصوت مسموع ) : انا ممكن أكون واحد منهم ..
الهكسوسي : فكم عدد أحفادهم الآن ؟ يمكننا معرفتهم من لون بشرتهم , انهم يحملون الجنسية المصرية . منذ 763 عاماً , فكيف نشكك في مصريتهم . أو نعيرهم بأنهم ليسوا من احفاد الفراعنة !؟
الأسيوطي : ( يضحك بخجل ) صحيح . كلامكم صحيح ..
– الهكسوسي : أنا لا أريد أن اقول لك اكثر من ذلك . لكي لا اغضبك ؟
– الأسيوطي : بل قل .. لاتخف . عندي شجاعة احتمال كلمة الحق . ان كنت ستقول حقاً .
– الهكسوسي : أقول ولا تزعل ؟
– الأسيوطي : قل .. بدون زعل .
الهكسوسي : لو أوقفناك بجانب محمد مرسي . أو بجانب محمد بديع . وأحضرنا ممثلاً عن كل دولة من دول العالم . وسألناهم : من منكم يمكن أن يكون من أحفاد الفراعنة . أصل مصر . فلن يشير واحد نحوك . بل سيشيرون نحو محمد مرسي أو محمد بديع ..
– الأسيوطي : وعدتك بألا أزعل . ولكنني للأمانة ..أشعر بالكسوف ..
– القليوبي : لا تشعر بالكسوف
– الأسيوطي : كيف لا أشعر بالكسوف !؟
القليوبي : لأن محمد مرسي , ومحمد بديع . لو ذهبا لهدم الأهرام – وما أهون ذلك عليهما . وما أحبه لقلبيهما – فأنا متأكد من أنه لن يهون عليك ابداّ.. يا من شكلك وعيونك الخضراء يقولان أن أصلك أوربي لا فرعوني . ولن يهون ذلك أبداً علي المصري الهكسوسي الأصل . وكل منكما سيذهب ليقف في وجه مرسي , و بديع . ولو متما دفاعاً عن الأهرامات ..! فمن هو المصري . ومن هو الأصيل . !؟ حفيدا الفراعنة ” مرسي وبديع ” اللذان يشبهان الفراعنة !؟ أم أنت يا سليل الأوربيين الرومان , وانت يا حفيد الهكسوس , الأكثر منهما مصرية . والأجدر بأن تعتز بكما مصر , وتعتبركما قطعة من كبدها , وجزءا من قلبها وعقلها . ( ملتفتاً نحو الهكسوسي . موجها كلامه له ) حتي ولو اعترفت – أو ادعيت – بأنك مصري من أحفاد الهكسوس !؟