كان يقول أنه لا يصدق أن أمه ستموت , كان يحبها كثيرا , بيضاء انصع من صوف الخروفين الذين تعود بهما كل مساء من الحقل المجاور,عيناها واسعتان بلون العسل لها وجة إمرأة جميلة وجسد متين وشكيمة رجل لدرجة انها تستطيع أن تسحب كيس القمح جراً من المضافة وتدحرجة على الارض ثم تسندة على الجدار وبهبة واحدة دون نفس ترفعة الى مكان الخابية القديمة ثم تاتي بالحمار وبدفعة خفيفة يسقط متوازنا على ظهرة وتاخذة الى المطحنة وحين كانت تمسك يده ويسيران في ازقة القرية الضيقة كان يشعر أنه حر ,امين , كل منازل القرية له يستطيع ان يطرق اي باب فالكل يعرفة وكلهم يترابطون بدرجة من القرابة , وكانت اسعد اللحظات عنده حينما ينعطف من ناحية الشرق ويسير في طريق ضيقة غير مستوية تنغرز فيها أحجار لم يحركها أحد منذ بدء التكوين ثم تترائى له القنطرة الحجرية ويسرع الى منزل جده أبو سلمان ويناديه ويعرف أنة هناك في الأعلى في المضافة الحجرية , لجده رائحة خاصة لاتفارقة مزيج من العرق والصابون والقهوة المرة يحسها حين يحضنه ولا بد ان يسأله جده السؤال اليومي ضاحكاً وبحضور جدته : قل لي من تشبه جدتك ؟ يقول وفي قرارة نفسة يعرف انها نكتة أبدية تُضحك دائما لأنه هو فقط من يحكيها وهو من اختار كلماتها ؟
ينظر الى جدتة فتعطيه الأذن بابتسامة وتقول قل يا إبن سلمان لقد سامحتك:
— جدتي تشبة التنين الأنثى في فيلم (شيرك )يقهقه الجد ويسأل استكمالا كيف ؟ — يقول عيناها كبيرتان جاحظتان وبلون اخضر فاتح ورموشها خشنة طويلة مستقيمة وشفتاها واسعتان شاحبتان وأسنانها كبيرة . يضحك الكل كما لو كانوا يسمعون النكتة لأول مرة , ينفلت من حضن جده وينزل الدرجات الحجرية قافزاً يساعد في ملئ الفسقية والأحواض المستطيلة بالمياة بانتظار عودة الأغنام والماعز من المرعى
قالت الجده بلهجة السؤال :
– وكأنك يا أبا سلمان أصبحت تفرط في تدليله منذ سفر والده ؟لا تقلق فكل يوم يتصل بهم ويرونه على اجهزة الموبايلات , السفر تغير كثيرا ولم تعد الأمور صعبة كما أيامنا وحالما تستقر اموره سياخذهم الى عنده و ربما تسنى لهم ان يعيشوا حياة افضل من هذه
قال الجد :
– منذ سفر والده يعصر قلبي الحزن كلما رايته أشعر كما لو أنه صار يتيماً لا قدر الله ودائما بالي مشغول عليهم في سكناهم بالدير لا ادري ما الذي أجبرَ سلمان على البناء بعيداً عنا !
قالت الجدة :
– لا تقلق بشأنهم مثلما كبرنا سيكبرون وسيغدو- أسامة – شابا كاملا ألا ترى جمال وجهه واستقامة قامته وشعرة الأشقر الطويل والذي يسبلة للخلف ابتسمت الجدة وهي تعلق : سلالة جميلة لجد جميل ضحك ابو سلمان وشعر بالزهو وعرف انها مجاملة مسلية لحظية .
قبل الحادثة بأيام لاحظ عصام وزوجته وهو صاحب دكان متاخمة لحارة البدو من الناحية الشمالية لقرية- المغارة – ان عددهم قد نقص ولم تعد الاطفال تاتي اليه وشاهد سيارات شاحنة تنقل الاغنام ويخرج معها عائلات تعتلي الفرش والاثاث وصارت حارتهم شبة مطفئة قال لابن عمة –أنيس- معبراً عن قلقة وانيس هذا صاحب راي ومطلع على احداث السياسة في هذا الظرف الصعب , يصنف مع المثقفين رغم انة لم يتعلم الى صفوف عليا ويعرف احداثاً تاريخية كثيرة دفعته زوجتة وهي من عائلة معروفة وجميلة أن يعمل بجدية و عزيمة ليبقيها في مستوى حياة لائق يليق بها وبعائلتها ونجح في أعمالة بعد غربة طويلة وصارمن أصحاب المال وصار بحكم ماله وعائلة زوجته من المقربين ومن خاصة أصدقاء شيخ البلد وهم بمثابة مجلس تشاوري صغير يأخذون برأي بعضهم البعض وشيخ القرية هذا شاب لم يتجاوز الخامسة والعشرين من العمر ورث الشيخة التقليدية عن جدة لوفاة والده مبكراً وورث معها دارا قديمة حجرية تتوسط ساحة القرية لم يغير فيها شيئاً حفاظاً على التاريخ العائلي وإظهاراً لعراقتها وقدمها , وأبقى على المضافة بسقفها المرفوع من القصب وأرضها الحجرية وجدرانها المتماوجة الخشنة معلقة عليها صور قديمة لزعماء وطنيين ببراويظ زجاجية مع والد جده عندما كان عضوا بالبرلمان وسلاحا قديماً وسيفاً . واستكمالاً لمظاهر الشيخة التقليلدية العشائرية صار يرتدي قلابية بيضاء وحطاطة وعقال وترك شاربا رفيعا ً على شكل خط مستقيم , يُذكِر منظرة برؤساء الجمعيات الفلاحية حين يخطبون على شاشة التلفزيون
قال شيخ البلد يخلط المزح مع الجد كعادته :
— الى جهنم ماذا فعلنا لهم , طول عمرنا اهل واصدقاء لنا مثل ما لهم وعليهم أقل مما علينا , ساعدناهم ببناء الجامع واهديناهم صوراً وفرشاً وصارت بيوتهم اعلى من بيوتنا واخذوا حارة كاملة وتملكوا ارضها ومعظم شبابهم ونساءهم تعمل في اراضينا ثم قال بعد فترة صمت متفكراً: هذة الاحداث قوضت الثقة رغما عنا ولعدم وجود غطاء كامل للجميع فقد أمّن كل واحد غطاءه بنفسه وانضوى كالقطيع تحت جناح جماعته نحن لا نؤذي احداً ولا ندعو احداً كما تعلمون الى معتقدنا ولا يهمنا لوكان يعبد البقرة الزرقاء هذة الارض اعطتنا إياها الطبيعة قاسية ظالمة بركانية وجاء الأولون وكشفوا وجهها واشبعوهاعرقاً وكدحاً ورضينا بشحها وتقلب مواسمها لانملك غيرها ’ سنموت وندفن هنا في المكان الذي ولدنا فيه صحيح اننا قليلو العدد لكن راح زمان الكثرة والتهويش , تستطيع قلة صغيرة الان ان توقف جيشا كاملا ,القوة الان للسلاح والمال والدعم الخارجي وقد ولت الى غير رجعة منازلات السيف والترس ولا تنسوا أن لنا جالية كبيرة في المهجر ستدعمنا ماديا ان حدث شيء لا قدر الله قال أنيس: من بعد اذنك يا شيخ ابو منصور لقد فكرت في هذا الشيء واقترح ان نرسل لهم رسالةتضع عليها خاتمك نطلب منهم الفزعة رد الشيخ :
— لا زلنا لا نعرف ماذا نريد ونحن نفترض الفرضيات لم يبدر لغاية الان شيءسيء منهم وان كانوا يرحلون الان فسيعودون غداً , إن هي الا مرحلة صعبة على الجميع يتفادى الناس فيها الإصطدام , صدقني نحن لا نستغني عن بعضنا نحن نكمل بعضنا ومن يشلح ردائه يبرد ليس لنا ولهم الا الحياة المشتركة . أين هو ابو البدويات لماذا لا يتكلم ؟؟ ..قطعت كلمات شيخ البلد المازحة الصمت الذي ران على الجميع وانتشلتهم من قرار التفكيروالتهيئات واعادتهم الى الحديث الذي يحبه الجميع !! حديث النسوان ! ونظروا الى ابي غسان وابو غسان هذا قضى حياته شرطياً وعندما أعيَل وكثرت الافواه في منزلة تعلم حرفة التصوير الضوئي ووفتح له على احد الادراج الصاعدة الى الطابق الثاني في بناء — عزّام – غرفة صغيرة سماها استوديو وكثرت زبائنه من البدويات الشابات خاصةً بعد ان يُجَمل صورهن ويحيطهن بازهار ملونة وخلفيات طبيعية ويعطيهن مساحيقا واقلاما ملونة تبرز الشفاه والخدود فكان الاستوديو بالنسبة لهن فسحة ومسافة بين الجد واللهو يطرحن شعورهن ويظهرن نحورهن , يستعرضن عامدات جمال الصبا الفائر ,و تسمح إحداهن بحركة يلمس فيها ابو غسان خديها أو يعدل من جلستها ويضغط كتفيها واحياناً تعبر يده عن -غير قصد- فتحف بالنهود القافزة , وعاش ابو غسان مراهقته الثانية يرى ما لا يراه غيره وعاد نسغ غني يجري في عروقه فتغير لون شعره وقصرت أكمام قميصه و صار شابا كبيرا قال ابو غسان :
— انتم تعلمون اني ارجع كل يوم من عملي الى القرية متأخرا وانتظر على مفرق ناحية – الزراعة – لتمر سيارة عابرة ومنذ يومين كنت انتظر فتمهلتْ امامي سيارة بيك اب بيضاء وتوقفتْ, ناداني صاحبها بإسمي وكان الشيخ ابو فاضل شيخ البدو . وبأعتباري -حبيب البدو كما تعلمون – عرض ان يقلني الى القرية وركبت بجانبه كانت السيارة جديدة وعليها نمره بارقام مؤقتة ولكوني شرطي خبير لم يستغرق الامر مني كثيراً لأعرف ان الارقام مزورة والنمرة غير حقيقية وضعت تمويهاً لشرطة السير. عموما لا احد يسأل أبا فاضل ولا يطالبه بأوراق لأنه معروف عند الدولة والامن وأنا شخصيا اظن ان ابو فاضل يلعب على الجميع وينقل الرسائل بينهم .
قال الشيخ :
– اعقل بالله يا رجل ابو فاضل رجل وطني يعتمد عليه و كما تعلمون منذ يومين كنت في اجتماع أمني في المحافظة وكان الى جانبي هو وإمام الجامع وأشاد الكل بمناقبه ووطنيته وقدرته على ضبط الامور في هذة المرحلة الصعبة , قال أنيس بصوت خفيض ومسموع : الخوف يصنع العجائب كان لا يستطيع الدخول الى قسم الشرطة الى وتسبقة تنكات السمن والدبس , صار الان زعيما متبخترا يطرق باب رئيس شعبة الامن في اي وقت ويستقبلة المحافظ وامين الفرع !.. أكمل ابو غسان انتم تذكرون الحادثة التي صارت مع رؤوف (ابو عزت ) وهو رجل كبير صادق الكلام حينما كان ذاهبا الى قرية – الدمام- وعرج الى القصر الروماني القديم القريب من الدير ليقضي حاجة ودخل إحدى الغرف الجانبية ووجد أعداداً من شكائر السكروالرز والبرغل وأكياس بلاستيك كبيرة معبأة بعلب الدواء فخاف وارتاب ان يكون المكان مراقباً وان يكون احد قد عرفه فقد يقتلونه لكونه صار شاهدًا ويظنون أنه قد يبلغ الأمن فخرج متعجلا حذراً الى أن ابتعد و أشرف على تلة عالية وكمن دون حراك ليرى ماذا سيحدث ’ وراى بعينيه كيف جاء أشخاص ملثمون يجرون دواباً حمّلوا الشكائر والأكياس على ظهور الدواب واتجهوا باتجاه الغرب هذا الرجل يتعامل مع الكل ويقبض من الكل ولا يغير صنعتة القديمة بالتهريب وتجارة السلاح وأحقادهم القديمة تخرج دون إرادتهم تدل عليها أفعالهم وإنقلاب ولاءاتهم
قال الشيخ :
–الكلام دون برهان لا يعتبر بأي حال من الاحوال إلا تخميناً , ظروف هذة المرحلة وخلق الفوضى يقلب الإمور وقد لا ينجو منها أحد , نحن مع الدولة هي الضامن لنا مهما صار
تدخل واحد من أل -خويص – وهو من فقراء القرية مدرس إبتدائي معروف بانتماءه السابق للحزب الشيوعي وقال:
– الدولة هي الدولة أداة قمع دائمة لا تحابي احدا ولا تكرة احدا , تكره من يقف ضدها فقط , مصالح الطبقة الحاكمة فوق مصالح الجميع . تهتم الدولة بان تبقي الامور متوازنة , انعدام التوازن يخضعها للضغوط والإبتزاز ويحد من سلطتها واستطاعة مسؤوليها ويفقدها هيبتها المفترضة . انتم تعرفون النظام الامني عندنا واود فقط ان اذكركم بلأحداث التي جرت منذ عشر سنوات قال مقاطعاً نفسه كأنما يتذكر ! عشر سنوات !! هل تصدقون كانها حدثت بلأمس . جاءت اصوات تقول : هذه الأحداث لا تنسى
– كلكم تذكرون عندما خرج في مسيرة عفوية مجموعه من الطلبة واهالي من بلدة -الرحبة – احتجاجاً على مقتل شاب نبيل من عائلة معروفة واتجهوا صوب منازل البدو دون سلاح وحدث شغب واحتجاجات وحرق بيوت واطلاق نار قُتِل على إثره كذلك العديد من الشباب من عندنا وأحضرت الدولة في الايام التالية فرقة من العاصمة أطلقت النار على المتظاهرين علما أانهم كانوا يحملون صورة الرئيس ولا يهتفون ضدها وقد كانت عادلة فأنصفت الجميع واطلقت كذلك النار على جماعة من البدو كانوا متمترسين فوق المنازل في – تلة الظَهَرة- وقُتِل منهم عدد قليل مقارنةً بمن قُتل منا وفهم الجميع الدرس بأن الحلول للمشاكل القوية لاتأتي من أمين الفرع أو من المحافظ , تاتي من فوق من أين لا احد يدري وانها اي الدولة ترتعب من الحركات الشعبية الجماهيرية وتقمعها ببربرية دون اعتبار لأية طوائف او ولاءات . بعدها تركت لهم (حرية ) تشكيل لجنة لإحصاء القتلى وتعويضهم ماديا وأعادة طلاء منازل البدو المحترقة
– قال شيخ البلد وقد اختلف لون وجهه :
— ايوة علقنا بمحاضرات آل خويص يا أخي قد ودع الحزب الشيوعي منذ زمن طويل ونفذ وقوده وتوقفت مركباتة وانت لا زلت كما انت ! تابع خويص – حين نذكر النظام الامني يتحسس الجميع وكأن بكم خوف غير ظاهر, مستبطن , تعودتم علية واستغله خصومكم , لا تصح الدولة إلا بالحرية ولا تأمن إلا بالأمان
قال الشيخ بهدوء وبكلام متباعد وكأنة يمسك بيده حجة مفحمة :
– كما اذكر فقد قتل ستالين من الروس أكثر من .. – أكمل انيس : 20 مليون وقد يصلون بالرقم الى 50 مليون بين منفي ومقتول عمدا
قال خويص :
– ستالين انتقل بروسيا من مجتمع زراعي الى مجتمع صناعي متقدم وانتصر يوم الواقعة الكبيرة -الحرب العالمية الثانية – عموما انا ضد الديكتاتوريات سواء سياسية دينية اقتصادية منزلية انا ضد كل من يحتكر القرارويدعي الفهم ويفكر عن الجماعة, العقل عندي يتحرك وينتقل مثلة مثل أي شيء مادي بدءاًمن الذرة الى الكرة الأرضية ومن يبقى مرتديا ملابس الأمس يظهر غريباً ومن لا يتغير يتحول الى تمثال .
-قال الشيخ: — أليسَ للروحانيات دور ؟ هل كله مادة في مادة ؟؟
* – انا مقتنع ان الدين مرحلة ( مادية ) من مراحل تطور العقل لكن أعقبتها مراحل ! قدم حلولاً على طريقتة ووصف الكون والطبيعة و أجاب عن سؤال لا زال الإنسان يسأله كلما خلا بنفسه .. من انا؟ ولماذا جئت؟ لكن لماذا لا يزال البعض يقف عند تلك المرحلة ! نظر الجميع الى بعضهم وأشاروا يإشارات كمن لا يعرفون جواباً قال الشيخ :
– قل لنا انت .اجب عن سؤالك بنفسك
*- اعتقد ان الاديان منذ القديم قدخلقت من أتباعها قبيلة كبيرة , جعلت منهم جيشا محاربا وحمتهم من الجوع ونقص الغذاء والماء ورسمت لهم طقوسا تعبدية خاصة لإشعارهم بالخصوصية والتميز , تغيرت طريقتها دينا تلو دين لأن الدين الجديد لم يكن ينظر الى الدين القديم كما يصور الدارسون الكاذبون اليوم وبالكلام الفلسفي الكبير استكمالا للرسالة السابقة !! بقدر ما كان ينظر ان هناك قبيلة جديدة قد ظهرت لتهدد مصالحه لذلك حاربت الاديان ( القبائل الكبيرة ) بعضها بعضاً – ولا يزال الولاء الديني بما يسانده من ولاء عائلي و إجتماعي هو المسيطر في بلادنا هذه أسعفته وزادت من أهميته هذة الأنظمة الفاشلة المتلبسة بستار العلمانية والمدنية
– والكتب والرسل والانبياء !!
*- يستطيع العقل ان يجعل من الأحجارمزاراً ومن المصروعين والشاذيين انبياء ً لو اراد
–قال الشيخ :
— لا الة الا الله يا اخي نَح عن كاهلك ولو جزءاً من المسؤولية والتفكير واصعد على ظهر سحابة عالية وشاهد جمال الكون وتنوعه وقل هناك خالق ومدبر ؟!!
* – انا لاتهمني ولا تعنيني الرومانسيات, الكون مترابط بقوانين تشكلت بالتجارب وبقاء الأصح حتى القوانين نفسها ان غيرت شروطها تتغير اي ان التطور لا زال يعمل وسيبقى يعمل وسياتي اليوم الذي تستطيع فيه المرأة ان تنجب قرداً لو أرادت ؟ وبالمناسبة ساصعد غدا مع أم الاولاد على ظهر البغل ندورعلى المنطق القريبة بحثا عن الفطر والهندباء و .. نريد ان نأكل
–قال الجميع لا حول ولا قوة إلا باللة
وقال الشيخ لا فائدة من مناقشة شيوعي متقدد,
انفض اللقاء ووقفوا يغادرون و ينهون ليلة أتعبتهم متمنين ليلة سعيدة لبعضهم البعض وللحاج خويص كما صار اسمه نكاية به
توزع الساهرون في ازقة القرية وسار أنيس يرافقة أبوغسان قال أنيس : ما كانت تخيفنا قبلا هي الوحوش أما اليوم فأحدنا يخاف من كل شيء, من نافذة موصدة أو منزل مهجور أو زاوية مظلمة أهملنا المزرعه الصغيرة خلف التل شمال البلد واوكلناها للبدو يجنون ثمارها ويبيعون مياه البئر ويعطونا القليل ,ليس لي ولا لأولادي رغبة بالعمل نحن فقط ننتظر ولا أدري ماذا ؟ نزرع أراضي القمح التاريخية ولا ندري ان كنا سنحصد أم لا , في الليل تصبح هذة الأراضي ملكا لغيرنا وتمتليء بالأقدام ينامون فيها ويسرقونها الى من تشتكي ؟ لا احد نتهمة ولا أحد نراه
-قال ابوغسان :
– لو أطلقت يداي عليهم لأبدتهم جميعاً هؤلاء لم تتغير طريقة حياتهم وتقكيرهم كثيراً لا زالت كما هي منذ أيام الجزيرة ثم جاء من تا بع المهمة وجعل لهم أحكاما وشرعة يقرؤنها كل يوم ويقولون بصلاحيتها لكل زمان ومكان ، يعني اليوم كما الأمس كما الغد , على العكس مما يقوله الشيوعي السابق – خويص – عن صراع الأضداد والتطور الحتمي… ضحك الإثنان وقال الشرطي السابق بلهجة من حسم أمرَه : لا دواء للقدم المتعفنة !
— الشرطة لا تجيد إلا القوة لكن هناك قوة أخرى أقوى لا تسفك الدماء هي قوة التحضر و قوة القانون حين يثق الكل بالقانون ويعطى الجميع الفرص نفسها , ضعف الإنسان وقوته نفسها يأتيان من الإختلاف . أترى لو كانت أصابع يديك متشابهه الطول لقلت وظائفها ولو كانت على غير بناء , كل أصبع في اتجاة مغاير لفقدت الحركات اتساقها , وليس لمجموعة صغيرة شاذة أن تؤثر على الجميع وإن اختلط القمح بالزؤان فلا نتلف كل المحصول.
– قال ابو غسان :
-انتم المثقفون لا تجيدون غير الكلام والوصف , انت تملك اكبر مكتبة خاصة في البلد قل لي من استعار منك كتابا منذ !! لنقل خمس سنوات .. أنا متأكد أن لا أحد , وأولادك كما تعرفهم لم يتجاوزوا المرحلة الثانوية ويجوبون القرية بالسيارات ليل نهار ولا عمل لديهم ولا يعرف عنهم سعة الثقافة والعلم , أولا تصدق ما قاله الشاعرأبو تمام؟ : السيف أصدق إنباءً من الكتب …. القوة هي كل شيء بدءاً من القوة البدنية البدائية الى القوة العلمية , ألا يقولون بنشرات الأنباء صراع القوى والقوى جمع قوة
– قال انيس :– يبدو أن لمدرسة البدويات علماً خاصاً ضحك الإثنان وافترقا
رغم ان الساعة لم تكن تتجاوز التاسعة مساء وهناك ضوء صيفي يكشف ملامح الأشياء إلا أن القرية كانت شبه نائمة لا تسمع أصواتا ولا تحس أنفاساً ولا ترى خيالا يلمح في شباك أو وراء ستارة صارت القرية تنام باكراً, أعيدت البوابات الكبيرة وزيتت مفاصلها الصدئة وأصلحت ارتاجها وقلت الزيارات وخبا وميض القرى البعيدة . وصارت السماء قبة سوداء وكأن الدنيا سارت الى الخلف . لا شيء إلا سُحُنَات الإنتظار وقلة الكلام والشك بكل شيء ومظاهر الحاجة وضيق اليد والتي بدأت تظهر على الناس بدءاً من الملابس الى قائمة الطعام , وأخرجت من مخابئها أواني وأدوات قديمة وأعيد لها الأعتبار, وخبأت الناس الحبوب وبقايا الحطب وروث الحيوانات . ,لا شيء أقوى من الأنسان حين يستشعر الخطر, يعود الى بدائيته في حربه مع الموت , يستغل كل شيء ويجد عقله ألاف الحلول لإستمرار الحياة .
في صباح يوم الخميس سمع صوت عيارات نارية متعددة دام لثواني في المنطقة القريبة من قرية –الدمام – وتناقلت الناس خبراً بأن مجموعة من البدو ضربت حاجزاً بين قرية – الدمام – وقرية- المغارة – وان أحد ميكروات النقل قد تعرض لإطلاق النار, أصيب بالحادثة خمسة من الموظفين وسيدة كانوا متجهين الى اعمالهم في المدينة . كانت إصاباتهم بمعظمها في الساقين وأعلا الفخذين جرى اسعافهم الى المشفى الوطني ولم يمتْ أحدٌ , تحدث الجميع بالهاتف النقال مع الشيخ ابو فاضل بدءاً من شيخ البلد أبو منصور الى امين الفرع الى رئيس شعبة الأمن الى عضوعضو مجلس شعب تاريخي التصق على مقعده من فترة طويلة بسبب أهميتة العائلية ورجوه جميعاً أن يحكم العقل ويتدخل ويعمل على انهاء المشكلة وهي في بدايتها وذكروه – كما تجري العبارات في هذه الساعات – بالاهلية والمحبة والعلاقات القديمة بين الدروز والبدو و كان رد الشيخ أبو فاضل – والذي لم يعد يُرى في البلدة منذ فترة طويلة – بأن الموضوع قد خرج من يده وليس له إمرة عليهم وهم على ما يبدو من خارج عشيرته ولهم حماية تراقب من بعيد من جبهة النصرة
تقاطر عدد من السيارات إثر انتشار نبأ الميكرو تحمل شبابا جاؤوا مغامرين بنقص سلاحهم وبساطته وقلة خبرتهم وأغلبهم من الشباب المتدين صغير السن و متطوعون شجعان التموا من القرى القريبة واخرون جاؤوا من المدينة أغلبهم من المتدينين كذلك الأمر ويبدو ان حماس المتدينين يعود لاعتقادهم بدوام عمارهذة الأرض وتعهد أولياء الدين بحمايتها وضمان السلام فيها ويرددون دائماً انها باقية أمنة الى أخر الزمن بحيث يتمنى الإنسان لو يحظى بملكية ما عليها ولومكانا صغيراّ يعادل مكان مرقد العنزة !!, جرى تبادل لإطلاق النار في المنطقة بين – قرية الدمام – وقرية المغارة – قتل على إثرة خمسة من شيوخ الدين الشباب المتحمسين وحُلً الحاجزواختفى ضاربوه , وبعد دقائق حدث إطلاق لقذائف الهاون على مواقع وأماكن الفزيعه المتجمعين وأضيف أربعة قتلى جدد من الشباب المدافعين ولم يُعرف عدد القتلى من الجانب الأخر
لم تتدخل الدولة إلا متأخرة ً جاءت سيارة رُكب عليها رشاش ذات طلقات كبيرة العيار من مركز الشرطة القريب وصارت تضرب عشوائيا ما تعتقد أنة تَحَرُك في الوعرالبعيد باتجاه الغرب
يوم الجمعة قبل ان يستيقظ من بقي في الدير اذ ان معظم ساكنيه قد بقوا في الدمام وباتوا ليلتهم في منازل الاهل هناك ويسمى دير الدمام لقربه من قرية الدمام المجاورة له تسكنه بضع عائلات ابتعدت عن القرية واقامت لها شبه مستوطنة صغيرة قريبة من أملاكها الزراعية وجميعهم من الفقراء المنفيين بالكاد يأكلون وينتظرون فرصة سفر …..دخلت مجموعة من جبهة النصرة الدير قدرت بنحو خمسين رجلاً صامتين كاللصوص فلم يصادفوا احداً وكانت المنازل خاوية ويبدو انهم احسوا حركة ما في احد المنازل فاحاطوه ودق احدهم الباب طالباً منهم ان يفتحوا وهدد باطلاق النار
لم يقبل أسامه ان تفتح امه الباب خشي أن تهان أو يتجرأ أحد عليها ورأى في تلك اللحظة وجه والده وسمع صوته وهو يقول له قبل ان يسافر : يا أسامة انت رجل الدار منذ الأن اعتني بأمك واخوتك , فتح أسامة باب مضافة المنزل ليبعدهم عن غرفة أمه وأخوته وسَدَّه بذراعية المفرودتين في اشارة الى الحماية و منع الدخول وقال بصوت فيه نبرة حزم وبحروف واضحة : :لا احد في المنزل , انا واخوتي الصغار فقط وابي مسافر الى دبي.!! أتته طلقات كثيرة ووقع على الأرض و قبل ان ينام رأى مجموعة من الناس كالنمل الاسود الصغير ترقى التلة البعيدة للوصول الى المزار الديني في قمتها وفتح احد شبابيك مضافة جدة قبيل الغروب ولفحته رياح حارة قادمة من الكروم الرمادية البعيدة المسورة على غير انتظام وشغلت الفضاء أمام عينية قبل ان تختفي الشمس رفوف من طيور السنونو تجمعت تتحرك وتعلو وتهبط كأنها في لعبة مطاردة .قال سانام الان فالرصاصات لم تصبني بالتاكيد وكانت فقط تخويفاً وساستيقظ غدا مبكراً, سيكون العجين قد اختمر وسأحمل مع أمي أواني الخبز وسنشعل النار معاً وستعطيتني قطعة من أول رغيف ساخن كعادتها
القصة مهداة الى الطفل التي قتلته جبهة النصرة في ريف السويداء