كاتب ومفكر عراقي
(نظام الملالي الحاكم في إيران لا يستحق الرحمة والشفقة، الذي يشفق على الطاغية كالذي يشفق على ذئب مسعور يفترس الأغنام).
هناك فرق كبير بين القيادة العادية والقيادة التأريخية، أو ما يطلق عليه بالإنتماء المجرد والانتماء التأريخي، حيث تتعلق القيادة العادية بمساحة جغرافية محددة يعيش فيها عدد من الناس ينتمون إلى جنس أو عرق أو دين أو قومية واحدة، ويكون انتمائهم للأرض التي يعيشون فيها بحكم ظروف تأريخية وجغرافية وإجتماعية محددة أو من خلال أو التوارث باعتبار أن آبائهم وأجدادهم انتموا لتلك الأرض. أما القيادة التأريخية فهي تتجاوز الحدود الجغرافية والقومية والدينية والعرقية والوراثية، إنها تحلق فوق هذه الأسيجة وغيرها وتسمو إلى مصاف المشاعر الإنسانية والروحية الحقيقية التي تربط القائد بالعالم وليس ببقعة محدودة، بحيث يتحقق نوع من التجانس والإنصهار بينهما بشكل لا يمكن فك لحيمه.
القيادة التأريخية هي مشاعر مشتركة وأحاسيس سامية متناغمة الإيقاع تتبلور عن كينونة ثورية سرعان ما يتجسد في فعل ثوري عارم ضد قوى الطغيان والإستبداد. إنها قوة فاعلة تطور نفسها بنفسها وتتسامى تدريجيا فتطغي على القائد نفسه فتحوله إلى ذلك السوبرمان الذي تحدث عنه الفيلسوف الألماني نيتشة وغيره من الفلاسفة والمفكرين. تتجلى القيادة التأريخية في إبهى وأكمل صورها عندما يتعرض الوطن إلى المحن والمخاطر المهددة لمصيره، سواء الخارجية منها كالإستعمار وإنتهاك السيادة والحروب، أو الداخلية كالأزمات الاقتصادية والإجتماعية والسياسية، سيما سياسة القمع والإضطهاد التي تمارسها الحكومات الدكتاتورية التي تكبل الشعب بصفود فولاذية وتحكم الشعب بالقوة رغم أنفه. حيث يشعر القائد التأريخي أن محنة الوطن والشعب هي محنته الشخصية سواء كانت آثارها السيئة قد انعكست عليه بشكل مباشر أم لم تنعكس، وسواء كان يعيش داخل الوطن أو خارجه.
القيادة التأريخية وليدة رجالها وزمانها ومكانها، ترفض الحدود بكل أشكالها وأنواعها، ولا تتقيد بالدين والمذهب والقومية والجنس واللون، مع إنها تحترم جميع هذه القيم وتتفيأ في ظلالها، ولكنها دورها أكبر من أن يتحدد بعامل واحد من العوامل السابقة، وهذا أهم ما يميزها عن القيادة العادية، فطابعها عام وشامل وإنساني.
الوطن بحاجة ماسة إلى القائد الصميمي، سيما في زمن المخاطر والإنزلاق إلى الهاوية، صحيح إن الظروف الزمانية والمكانية هي التي تصنع القائدة العاديين، ولكن الظروف القاهرة فقط هي التي تصنع القائد التأريخي. باب التأريخ قلما يدخله القادة العاديون مهما قدموا من إنجازات لشعوبهم، لأن هذا واجبهم ولا يشكرون على إدائه. ولكنه يفتح ذراعيه مرحبا بالقادة الصميميين لأنهم هم الذين يصنعونه ويطرزون به إنجازاتهم وإنتصاراتهم، ويتركون بصمات ثابتة على صفحاته الخالدة لا تمحى على مر الدهور.
ولكن من هو القائد التأريخي وما هي مواصفاته؟
عندما تفكر بغيرك وتنكر ذاتك فأنت بالتأكيد قائد تأريخي. عندما تزرع بيدك ليأكل غيرك فأنت حتما قائد تأريخي. عندما تضحي بنفسك قبل غيرك وتجود بكل ما تملك من أجل الوطن والشعب فأنت قائد بالتأكيد قائد تأريخي. عندما يتأصل جذرك عميقا في قلوب الناس وتشعر بقوة شعبية مضافة تحول مشاعرك إلى إرادة صلبة وعزيمة ثابتة لا تعرف الملل والكلل فأنت بالتأكيد قائد تأريخي. عندما يصاب شعبك بمصاب وتسهر على راحته بحنين المرضعة على الفطيم، فإنت بحق قائد تأريخي. عندما ينتابك الجوع وتقدم لقمتك برحابة صدر لمن يتضور جوعا أشد منك، فأنت بلا جدال قائد تأريخي. وعندما يهدك التعب والوجع ولا تفارقك إبتسامتك الهادئة، فأنت بالطبع قائد تأريخي. عندما يكون طعم الشهادة في فمك لا يختلف عن طعم الحياة، فأنت حتما قائد صميمي. الشعب في إنتظارك وعلى يدك الخلاص الحتمي.
قد تتمخض الأمم الحبلى بالمصائب والكوارث عن آلاف من القادة العاديين ولكنها مقابل هذا الآلاف قد تلد قائد صميمي واحد فقط. إنظر الى تأريخ الأمم وستجد ان القادة الصميميين قد لا يتجاوزون اصابع اليد الواحد او اليدين. لو سألت أحد ما عن تسمية عدد من الثوريين التأريخيين في الزمن الماضي القريب سيخطر على باله لنكولن وجيفارا وغاندي وماوتسي وتونغ وكيم ايل سونغ وسكارنو وعبد الناصر سوف يعجز عن ذكر الكثير. مقابل العدد الهائل من القادة العظام لم يفرز التأريخ إلا عدد ضئيل من النساء الثوريات. وتبرز على الساحة الدولية حاليا السيدة مريم رجوي كأبرز وجه نسائي ثوري بلا منازع. والنجاحات المتلاحقة التي تحققها سلميا أبرز دليل وشاهد على ما نقول.
السيدة رجوي تقارع أعتى نظام دموي في العالم، نظام قمعي إرهابي توسعي لا يقتصر أذاه على شعبه فحسب، وإنما تجاوزه فصدر العنف والإرهاب الى الدول المجاورة أولا، ووسع رقعته لتمتد الى قارات العالم ثانيا. نظام إرهابي زلزل أرضية الأمن والسلام في المنطقة وزرع الألغام الطائفية وأسلاك الحقد الشائكة في كل أرجائها. وها هي كل شعوب المنطقة تدفع فاتورة إرهابه وتهوره وعنجهيته التي تحدت وما تزال الشرعية الدولية، ومرغتها بالتراب.
نظام متغطرس ومتعجرف تحدى العالم بأسره وهو لا يمتلك سلاحا نوويا، فماذا سيفعل لو إمتلكه؟ ومن سيكون ضحيته؟ هذا ما تؤكد عليه السيدة الرجوي دائما في خطاباتها! لقد إنتهز نظام الملالي ضعف الشرعية الدولية وتلاعب بها كما تتلاعب القطة بالفأر. كل ما جرى من مناقشات وجلسات ومقترحات ومداولات ومفاوضات، كان غرض نظام الملالي منها كسب الوقت لإكمال مشروعه النووي، ولا أحد يجهل أصول اللعبة وكيف تسير.
حذرت السيدة رجوي مرارا وتكرارا من عدم التهاون مع هذا النظام القمعي وضرورة إيقاف برنامجة النووي، فليس من المنطق أن تسلم سلاحا لمجنون وتطلب منه حماية البشر وتأمين سلامتهم! الشعب الإيراني يعاني الأمرين بسبب عنف ودموية النظام الحاكم الذي فتك بشعبه وأهدر ثروته في برنامجه النووي وتمويل حركات العنف والإرهاب في العالم بدعوى تصدير الثورة.
أي ثورة تلك التي يصدرونها للعالم، هل هي إنهار الدماء الجارية في العراق وسوريا و لبنان واليمن؟ وهل نجحت الثورة في داخل إيران ليصدروها كنموذج صالح تقتدي بها الشعوب؟ إنها ثورة مسروقة من ثوارها الحقيقيين الذين كانوا من أوائل ضحايا النظام الدموي.
إنظر الى الشعب الإيراني وما يعاني منه من فقر وجوع وقمع وجهل وفساد مالي وأخلاقي! إنظر الى حال الإعدامات اليومية التي تجري على قد وساق. الدولة التي تتبوأ المرتبة الأولى في الإعدامات تصلح أن تكون نموذجا لأسوأ نظام في العالم فقط.
والنظام الذي يحكم دولة من أغنى دول العالم، ويعاني شعبها من الفقر والجوع والجهل والبطالة لا يصلح أن يكون نمودجا يقتدى به.
النظام الذي لا يسمح لأحد أن يتدخل في شؤونه الداخلية ويتدخل بشؤون بقية الدولة هو نظام خارج عن الشرعية الدولية ولا يمكن الإقتداء به.
النظام الذي يمثل جنسا واحد وطائفة واحدة، ويضطهد بقية الأقليات من شعبه ويحرمهم من أبسط حقوقهم هو نظام أخرق لا يعتد به.
الشعب الإيراني المبتلى بنظام الملالي والغارق في مستنقع العنف والقمع والظلم، يتطلع الى السيدة رجوي لتمد له طوق النجاة، فهي القائدة التأريخية التي أختارها الشعب، وعلى كل الشرفاء في العالم ان يدعموا إرادة الشعب الإيراني هذه.
لابد من دفن نظام الملالي ومحو آثاره السيئة التي خلفها ورائه. وفي ظل وجود البديل التأريخي المتثل بالسيدة رجوي، يمكن تحقيق هدف الشعب الإيراني ودول المنطقة والعالم بإسره وتبشيرهم بإيران الجديدة الخالية من العمامات النووية.
طوبى لك إيتها القائدة التأريخية، وطوبى للأبطال من مجاهدي خلق، وطوبى للصابرين في سجن الحرية (ليبرتي)! طوبى لكم جميعا، فقد دخلتم التأريخ من أوسع أبوابه، فهنيئا لكم ولكل الشعوب الحرة والقوى الخيرة المحبة للسلام.
علي الكاش