المفكر الاسلامي المجدد محمد شحرور
استفاق العرب و”المسلمون” منذ برهة، ليجدوا أنفسهم في مواجهة خطر محدق بهم، في عقر دارهم وخارجها، لا يقتصر على تهديدهم كمجتمعات ودول، إنما يرتكب باسمهم الجرائم بحق شعوب العالم، وتراكضوا ليحاربوه بشتى الوسائل، دونما تعمق في مكامن الخلل، الذي يتطلب المعالجة وإلا سيطل برأسه كلما أتيحت له الفرصة، ورغم أن اعترافنا بوجود المشكلة يضع قدماً على طريق الحل، إلا أن الكثيرين يأبون الاعتراف بها، فالموضوع برمته بالنسبة لهم لا يعدو كونه “مؤامرة على الإسلام”، باعتبار أن مجتمعاتنا متدينة باعتدال، ولم يعرف عنها دعوتها لعداء الآخر، والعيش المشترك مع الملل الأخرى هو السمة الغالبة.
ولكن لب المشكلة يكمن هنا، في “المجتمعات المتدينة”، فما وجدنا عليه آباءنا هو ما نحن عليه منذ ألف وأربعمائة عام، وعلاقتنا مع الله تحكمها الشعائر الجماعية، وتقييمنا كأفراد يتأتى من خلال التدين الجماعي حتماً، فالإنسان يقيّم من خلال الشعائر، فيصبح من يقيم الصلاة في المسجد هو بالضرورة صادقاً أميناً مؤدباً، وبالتالي يستطيع أن يشهد زوراً بكل أريحية، وتصبح الفتاة “المحجبة” هي العفيفة، بينما السافرة قابلة لأن توصف بأقذر الصفات، حتى لو كانت عالمة ذرة، أما من يصم رمضان فهو التقي الزاهد، بينما المفطر “دمه دم الخنازير”، وبالتالي أصبح المجتمع منافقاً، نفاقاً اجتماعياً كاملاَ، تهمه مرضاة من حوله لا مرضاة الله، ومن ثم انحسرت القيم الإنسانية وأصبحت في الحضيض، وازدهرت الفضائيات التي ترسخ هذا “الاعتدال” الذي يجعل من الشعائر أساساً لتقييم الأفراد، ويحكم على صلاح المجتمع من خلال عدد السيارات التي تصطف أمام المساجد عند موعد صلاة الجمعة، بينما تتقهر الأخلاق ويتناسب وجودها عكسياً مع عدد مقيمي الصلاة، والأنكى من ذلك هو تقييم المجتمعات الأخرى على اعتبار أن النساء فيها عاريات، مع غض النظر عن الإنسانية التي تتمتع بها شعوبها، وعن انخفاض معدلات الجرائم فيها إلى أدنى المعدلات.
وفي المجتمعات المتدينة يصبح العقل الجمعي متسلطاً قهرياً، يقهر كل من هو أمامه، والانعكاس الوحيد لهذه المجتمعات يظهر حين تسنح الفرصة من خلال التعبير السياسي، فتظهر الأحكام حينها تلقائياً: حكم الردة، حكم من تخرج سافرة، حكم التعامل مع الكفار، حكم الإفطار في نهار رمضان، وهكذا، وأي مجتمع متدين يمتلك السلطة سينفذ ما نفذته داعش والنصرة وغيرها.
وما رسخ المجتمع المتدين هو فكرة الدعاء الجماعي، الذي يعبر عن مدى يأس المجتمع، فنحن ندعو على أعدائنا منذ عشرات السنين، والله تعالى لم يستجب، وهم ينتصرون ونحن ننهزم، ونواسي أنفسنا بأنه {يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (البقرة 15)، وندعو الله أن يعافي مرضانا، أي نريده أن يغير قوانين الكون ويلغي الأمراض جميعها عن “المسلمين” فقط، بينما يخترع “الكفار” الأدوية التي نتعالج بها، ولم نستوعب بعد أن الدعاء لا يكون إلا فردياً ، والله يستجيب للداع إذا دعاه ويرأف بحاله في وضع معين {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (البقرة 186)، والله تعالى يساعد الأفراد لا الجماعات، أما المكافآت والعقوبات الجماعية فهي إما الرفاهية أو الدمار.
ولعل أكثر ما ناسب الحكام على مر العصور هو فكرة الدعاء الجماعي، فتحولت طلبات الناس إلى الله بدل الحاكم، وارتاح الأخير إذ انشغلوا عنه، وللقارىء أن يتخيل لو أن كل من يقفون وراء الإمام يدعون الله أن يرزقهم ويشفيهم، خرجوا وطلبوا معاً من الحاكم أن يرفع رواتبهم، أو يحسن الظروف الصحية في بلدهم، لذلك رأت السلطات أن الطلب من الله أكثر ملائمة.
ومن يقول عن هذه الأمة أنها غير مبدعة فقد جانب الصواب، إذ لديها في أدبياتها صنعة متكاملة من الأدعية، فلكل مشكلة دعاء معين، ولكل يوم كذلك، وحالنا من سيء إلى أسوء، ونتساءل بكل بلاهة “لماذا لا يستجيب الله لدعائنا؟”.
ثمة قول مشهور طالما تداوله الناس، مترجم إلى العربية، هو “أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً” ورغم أنه لا يصح في حالات كثيرة، إلا أنه يصح تماماً في ما آلت إليه مجتمعاتنا، لعلنا نصل ذات يوم لتصحيح علاقتنا مع الله كخطوة أولى.
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.بقلم مفكر حر
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟بقلم مفكر حر
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيرانبقلم صباح ابراهيم
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلةبقلم مفكر حر
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
-
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيران
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلة
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
-
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيران
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلة
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
-
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيران
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلة
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
-
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيران
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلة
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
-
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيران
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلة
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
-
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيران
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلة
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
-
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيران
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلة
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟
-
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيران
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلة
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟