شهدت بداية شهر مايو (أيار) تصعيداً في الانسياب التوجهي لمواقف إيران. ومع أن التصريحات النارية على لسان المسؤولين الإيرانيين ليست بمستغربة، إنما كثرتها وتنوع جبهاتها هو الجديد، وكأن إيران، كما يقولون تكاد تخرج من جلدها.
في السادس من هذا الشهر، هدد الأميرال علي فدوي قائد البحرية في «الحرس الثوري» باستهداف البوارج الأميركية «في حالة» نشوب حرب مع الولايات المتحدة (يذكر أنه أمس الأربعاء بدأت المفاوضات بين إيران والغرب في محاولة للتوصل إلى اتفاق نهائي حول برنامجها النووي).
في اليوم نفسه وصلت سفينتان عسكريتان إيرانيتان إلى بورت سودان للتزود بالوقود كما قال الناطق باسم الجيش السوداني الصوارمي خالد سعد، الذي دعا السودانيين لزيارة السفينتين. وتعرف إيران أن علاقات السودان العربية متوترة، وأن دول الخليج مدركة لطموحات إيران الإقليمية.
من ناحية أخرى، ليس مستغرباً أن يُصدم اللبنانيون بتصريحات الجنرال يحيى رحيم صفوي المستشار العسكري للمرشد الأعلى والقائد السابق لـ«الحرس الثوري» بأن حدود بلاده الحقيقية ليست كما هي عليه الآن، بل تنتهي عند شواطئ البحر الأبيض المتوسط عبر الجنوب اللبناني (الرابع من الشهر الحالي).
المستغرب من هذا الاستغراب أنها ليست المرة الأولى التي تصدر عن المسؤولين الإيرانيين مثل هذه التصريحات؛ ففي الأول من فبراير (شباط) من هذا العام قال حجة الإسلام علي سعيدي ممثل المرشد الأعلى لدى «الحرس الثوري» الإيراني إن «قبضة إيران تصل إلى أبعد من حدودها الجغرافية (…) حاليا تمددت حدودنا حتى شواطئ البحر المتوسط». وقال أثناء الاحتفالات بالذكرى الـ35 لعودة آية الله الخميني: «على إيران أن تكون حذرة ولا تفقد قوة تمدد حدودها، كي لا يعود العدو ويقف مباشرة على حدودنا الطبيعية» وهو يقصد العراق. وأضاف: «إن نفوذ إيران المتمدد وقبضتها حولاها إلى لاعب إقليمي رئيسي».
وإذا عدنا أكثر إلى الوراء إلى الرابع من أغسطس (آب) 2010، فقد شدد حجة الإسلام سعيدي على معنى الدعم الذي تقدمه إيران لـ«اللبنانيين ومجموعات المقاومة الإسلامية الفلسطينية»، فلبنان وفلسطين بنظره هما «خط المواجهة الأول» لبلاده. قال: «اليوم يعتبر لبنان وفلسطين خطوط الدفاع الأولى لصد أي هجوم محتمل على إيران».
وفي الرابع من مايو 2013 استهزأ الجنرال حسين سلامي نائب قائد «الحرس الثوري» من «تهديدات الأعداء ضد الجمهورية الإسلامية» لأن بلاده وصلت حدودها الأمنية إلى شرق المتوسط. قال: «لقد أوصلنا حدودنا الأمنية إلى شرق المتوسط وكل محاولات الأعداء فشلت في وقف تحركاتنا».
حتى الآن لا نعرف إلى أين وصلت الدولة اللبنانية في تحقيقها لمعرفة أبعاد تصريحات صفوي. الأمر المثير أن إيران واصلت طريق تهديداتها غير عابئة بما صدر عن بعض الأصوات اللبنانية الغارقة في مفاعيل ما صار يطلق عليه اليوم في لبنان «الانقسام العمودي»، لتبرير كل فشل!
رئيس الجمهورية ميشال سليمان أراد استدعاء سفير إيران غضنفر ركن أبادي، ورغب في تحميله رسالة إلى قيادتها لتوضيح موقفها من كلام صفوي وما إذا كان يعبّر عن الموقف الإيراني الرسمي!
وعندما رغب في توجيه انتقاد واضح لكلام صفوي حول تخطيه الحدود، تمنى عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يبتعد عن تسمية صفوي ما دامت إيران لم توضح موقفها!
بالطبع إيران لم ولن توضح موقفها، رغم كل تحركات غضنفر أبادي وتصريحاته.
وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل قال في جلسة مجلس الوزراء يوم التاسع من الشهر الحالي إنه طلب من سفير لبنان لدى إيران فادي حجلي معلومات حول تصريحات صفوي، فكان رد السفير اللبناني في إيران أنه استوضح وأن كلمة «جنوب لبنان» ليست واردة في تصريحات صفوي.
من خدع من؟ هل السفير اللبناني في طهران خدع وزير الخارجية في بيروت؟ أم أن القيادة الإيرانية خدعت السفير اللبناني؟ أم أن السفير إياه جاءته كلمة السر من مرجع ما في لبنان بألا يتحرك؟ لأنه حسب ما نقل موقع «فارس» باللغة الإنجليزية في الثالث من الشهر الحالي جاء التالي حرفياً: المساعد العسكري للقائد: خط دفاع إيران في جنوب لبنان. وأضاف: قال كبير المساعدين العسكريين للقائد الجنرال يحيى رحيم صفوي إن نفوذ وتأثير إيران يمتد إلى سواحل البحر المتوسط وخط دفاعها بات الآن في «جنوب لبنان» (…) إن خط دفاعنا الأول لم يعد في شلمشه، جنوب إيران، بل إن هذا الخط هو الآن في «جنوب لبنان» مع إسرائيل (…) إن الغربيين قلقون إزاء انتشار نفوذ إيران وقوتها من الخليج إلى المتوسط.
بعد تصريحات صفوي عن جنوب لبنان، بثت قناة «الميادين» فيلماً عن مناورات «كسر الصمت» لسرايا القدس الجناح العسكري للجهاد الإسلامي في غزة «استعداداً للمعركة مع الاحتلال الإسرائيلي». بمعنى أن إيران رسمت «حدودها» الجديدة البعيدة عنها وتشمل العراق، وسوريا ولبنان وغزة بانتظار أن تتمدد لاحقاً.
وإذا كانت تصريحات صفوي جاءت لتكشف عن عدم احترام لا لسيادة لبنان ولا لسياسييه الرسميين، فقد تبعتها في السادس من الشهر الحالي تصريحات أحد قادة «الحرس الثوري» الإيراني الجنرال حسين همذاني لتكشف عمق استعمال إيران للساحة السورية، غير عابئة بمصير الشعب السوري أو مدى التدمير الذي يلحق بسوريا. أيضا نقلت وكالة «فارس» الإيرانية تصريحات همذاني ثم حذفت الخبر كله من موقعها الإلكتروني، قال همذاني إن سوريا خرجت نهائياً من دائرة السقوط: «في كل منطقة من المحافظات الإيرانية هناك مقرات لدعم سوريا كي يدرك الشعب السوري أن الأمة الإيرانية إلى جانبه. كل منطقة في إيران مكلفة بمساعدة منطقة ما في سوريا (أي بمثابة توأمة المدن) ».
قال همذاني: «في السنوات الأخيرة صارت سوريا منطقة جيوسياسية تقرر توازن القوى في المنطقة. أوجدت روسيا وإيران والصين مجموعة أصدقاء سوريا وأوجدت تركيا وأميركا وأوروبا المجموعة المواجهة بهدف تأمين أمن إسرائيل ولدفع إيران إلى الهامش».
وأضاف همذاني: «إن إنجازات سوريا خلال الـ30 سنة الماضية كانت إنشاء (حزب الله) وتشكيل قوى الممانعة، ومن دون هذه العناصر لأصبحت المنطقة غنيمة سهلة للأميركيين». وقال: «اليوم تقاتل إيران في سوريا لضمان مصالحها المختلفة وبشار الأسد يقاتل باسم إيران. لقد ساهمت إيران بخبراتها في سوريا، ودربت قواتها النظامية، وأنشأت قوى الدفاع الوطني في 14 منطقة من سوريا، وهناك 42 مجموعة و128 فرقة مكونة من 170 ألف شاب من السنة والشيعة تم تنظيمها في الباسيج (السوري) الوطني، وهؤلاء حافظوا على الأمن في شتى المناطق». وقال همذاني: «عندما عبرت أميركا عن رغبتها بضرب دمشق قال رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو: تعالوا وأضعفوا (حزب الله) وبهذا تقطعون يد إيران»، لكن، كما قال همذاني: «إن إيران أنشأت (حزب الله) في سوريا، وهناك الآن 130 ألفا من الباسيج الإيراني ينتظرون التوجه إلى سوريا». ثم أضاف: «إن الجيش السوري ظل وفياً للأسد، وتقول الاستفتاءات إنه سيفوز بنسبة 64 في المائة في الانتخابات الرئاسية المقبلة».
تصريحات همذاني الواضحة تثبت أن على القيادة الإيرانية أن تعلن الأهداف لتبرر تجنيد 130 ألفاً من الباسيج إلى سوريا، وعليها أن تقنع الشعب الإيراني بأن يتحمل التضحيات لأن مصير إيران يعتمد على مصير سوريا، «إننا نحارب في سوريا من أجل إيران».
لذلك، في كل منطقة يحارب فيها الجيش السوري يمكن القول إن إيران موجودة وكذلك الأمر بالنسبة إلى مقاتلي «حزب الله»، من هنا «تمنيات» إيران في الوصول إلى المتوسط ومنه إلى الخليج. لكن انتصارات الأسد الأخيرة تؤكد حالة تقسيم سوريا، النظام يسيطر على غرب البلاد والثوار يسيطرون على الشمال والشرق.
التصريحات الإيرانية الصاخبة يليها مباشرة تحريك إيران للموالين لها، أو قد تدفعهم الآيديولوجيا للتحرك التلقائي، إذ في الخامس من الشهر الحالي وفي مناسبة محلية لها علاقة بالاتحادات البلدية في محافظة بعلبك والهرمل، توجه السيد إبراهيم أمين السيد رئيس المجلس السياسي في «حزب الله» إلى اللبنانيين من مسلمين ومسيحيين بالقول: «أدعوكم إلى أن تحملوا سلاحاً وتذهبوا مع الحزب إلى سوريا»، وأضاف: «إن الأزمة السورية قاربت على نهايتها. ستشهدون منطقة في الشرق الأوسط: إيران أمها وأبوها، وسوريا قلبها، ولبنان سيفها».
ومساء الجمعة التاسع من الشهر الحالي، ولدى شرحه أهمية سقوط حمص، قال تلفزيون «المنار»: «أتم بشار الأسد وحلفاؤه مع سقوط حمص مد خط طهران – البحر المتوسط».
كل ما تقدم يكشف نيات إيران تجاه لبنان وبقية الدول العربية. أما تصريحات آية الله هاشمي رفسنجاني حتى وإن كان يعنيها فهي تمثله وحده، وكل ما يستطيع فعله حالياً هو مواصلة الضغط الذي يمارسه!
نقلا عن الشرق الاوسط