خليل علي حيدر
لا أحد يعرف، أو ربما يود أن يعرف، كيف ستكون خريطة سوريا أو ملامح مجتمعها.. عندما تنتهي محنتها الرهيبة ذات يوم! من سيصمد في طاحونة الدم والدمار الدائرة منذ ست سنوات.. ومن سيسحق فيها بلا رحمة؟ كل السوريين يدفعون اليوم ثمن المطالبة بحريتهم وكرامتهم، وكلهم كانوا يدركون منذ اليوم الأول والمسيرة الأولى، ثمن العنف الذي تم جر المعارضة إليه، بعد تمزيق صوتهم المتظلم المسالم بالمدافع والقنابل. دمّر العنف والتهجير والجوع والفقر حدود الرجولة والأنوثة والطفولة والشيخوخة، ولم يترك حجراً على حجر في كل زوايا الأسرة والمجتمع والمرأة والرجل، بعد أن سقطت الرايات والمعاني والقيم، وبعد أن أصبحت حاجات الإنسان الأولية من أكل وشرب وعلاج مستحيلة، وأصبحت حتى أبسط مستلزمات الفتاة عبئاً مالياً على والديها!
فنحن نسمع عن استغلال السوريات في المهاجر، ولكن حتى زيجات السوريات من السوريين، تقول تقارير الصحافة.. لا تخلو من كوارث.
يقول تحقيق عن مآسي اللاجئين السوريين والمقيمين، نشرته «القبس» في الكويت: «يعمد الأهالي إلى تزويج بناتهم في عمر مبكر من شبان سوريين لأهداف مختلفة، أولها حمايتهن من أي اعتداء أو تحرش. يقول والد إحدى الفتيات «تزوجت ابنتي في الـ14 من شاب سوري نازح يكبرها بأعوام قليلة. لو كنت في سوريا، لكانت ابنتي ستذهب إلى المدرسة، ولكن هنا لا تستقبل مدرسة النازحين من هم فوق الـ15، ولا معنى لوجودها في البيت». العامل الاقتصادي كدفع مهر زهيد لأهل العروس دافع آخر للزيجات المبكرة «زوجت ابنتي في الـ14 لأني لا أملك ثمن فوط صحية»، «30-08-2016».
فتأمل مشاعر أب كهذا!
نساء مسنات يحاولن رغم هزال أبدانهن الاهتمام بالأطفال، واللافت، تضيف الصحيفة، أن النساء والفتيات شبه غائبات عن المخيم، لأنهن يخرجن صباحاً إلى الأراضي الزراعية، ويعدن عند مغيب الشمس.
يقول زوج إحدى العاملات في مخيم لبناني عن الأجر الذي يتقاضينه نحو 8 آلاف ليرة في اليوم، أي خمسة دولارات ويشرح لنا أن نظام الإقامة والكفالة الذي فرضته الدولة اللبنانية قبل سنتين، قيّد حركة الرجال وألزمهم المكوث في أماكنهم، خوفاً من الاعتقال والسجن. ماذا عن المتابعة الدولية؟
«إحدى العاملات مع منظمة دولية تعنى بالنازحين تقارن بين أوضاع النازحين في 2012 وبين أوضاعهم الحالية، فتقول إنه في الأعوام السابقة كانت مشاكل السوريين تقتصر على عدم توافر الاحتياجات الأساسية من مأكل ومسكن وطبابة وتأمين مدارس لأولادهم، لكن أوضاعهم الراهنة تشهد تأزماً يقارب الانفجار. وهكذا ترك للمجتمعات الأهلية التعامل مع اللاجئين على هواها. مدة إقامتهم استطالت حتى بات اللبنانيون ممن رحبوا بهم في بداية الثورة السورية وشكلوا بيئة حاضنة لهم يتذمرون من وجودهم، فالمخيمات السورية في أغلبيتها أقيمت في بلدات وقرى تفتقر إلى مقومات الحياة الأساسية، ويتماثل سكانها في فقرهم وبؤسهم مع النازحين، إضافة إلى تعقيدات أوراق الإقامة والكفالة».
لم يجد القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود معراوي، حلاً لظاهرة «العنوسة» جراء ارتفاع نسبة الإناث السوريات مقابل الذكور إلى أكثر من 65% بسبب الحرب، سوى تشجيع الرجال على الزواج الثاني.. لكن من أين يأتون بالمال لتغطية نفقات الزيجات الجديدة؟ ثم إن الكثير من الشباب سجناء لا قتلى. وهناك كذلك، يقول السوريون: «من يرمي أولاده في الشارع لعدم قدرته على إطعامهم».
ويضيف: «عثر قبل شهر على طفل يبلغ أربع سنوات من ذوي الاحتياجات الخاصة في منطقة البرامكة بدمشق، وفي جيبه ورقة كتب عليها: هذا طفل تخلى عنه والده». «الحياة: 09-02-2017» حتى بعض الرجال القادرين في البداية قد يتعثرون فيما بعد، كما نشرت نفس الصحيفة: «تقول فاتن، وكانت زوجة ثالثة لرجل يكبرها بثلاثين عاماً، إنها قبلت هذا الزواج بعد نزوحها مع عائلتها من جنوب دمشق، ولم ينقض على زواجها عام واحد حتى طلقها، رغم أنها لم تضع أي شروط، ورغم أنها لم تكن سعيدة قط بزواجها، لكنها قبلت به بغية «الستر»، لكن الذي حصل أن زوجها اضطر إلى بيع المنزل الذي خصصه لها، لتأمين نفقات تهريب أبنائه خارج البلاد تخلصاً من الخدمة العسكرية. ورفضت زوجتاه الأولى والثانية بشكل قاطع أن تسكن الزوجة الثالثة مع إحداهما، وليس بمقدور الزوج استئجار سكن لها، فكان الطلاق».
وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر إعلانات من قبيل «زواج حلال بين سوريات ومصريين في مصر» و«سوريات يردن الزواج في مصر» وتنتشر زيجات السوريات من مصريين في المدن الريفية والساحلية الشمالية، بينما تكاد تنعدم في محافظات الصعيد والجنوب، وثمة 1800 حالة زواج من واقع سجلات توثيق عقود الأجانب خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وتقول بعض الصحف إنه منذ يوليو 2013 فرضت مصر على السوريين في مصر، الحصول على تأشيرة وموافقة أمنية قبل دخول البلاد، ويقدر عددهم بنحو 300 ألف كثيرون منهم يعملون ويؤسسون مشاريع صغيرة ناجحة وهم محل ثقة كبيرة لدى المصريين ويحظون بالاحترام». وساهم هذا التضييق في لجوء عدد من السوريات إلى الزواج من مصريين، بينما تود أخريات الرحيل إلى أوروبا».
وفي الأردن تعاظمت مشكلة زواج القاصرات، وبلغت نسبة زواجهن 35% من إجمالي حالات زواج السوريين في الأردن وفق إحصاءات 2015.
*نقلا عن صحيفة “الاتحاد”.