النبى محمد فى حوار مع ال (سى إن إن ) أين عاش قوم نوح ؟

أحمد صبحى منصور
قال المذيع : ألا يزال هناك جديد نعرفه عن قوم نوح من خلال الجدل الذى دار بينه وبينهم ؟
قال النبى محمد عليه السلام : لقد لبث نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاما يدعو قومه ، أى إستمر الجدل بينه وبينهم أجيالا متعاقبة مدة 950 سنة . وأورد رب العزة لمحات من هذا الجدال ، ومنه نقول وجهات نظر عن مجتمع قوم نوح .
قال المذيع : نبدأ بمغزى الجدل .
قال النبى محمد عليه السلام : الجدل يعنى حالة متقدمة من الثقافة والمعرفة كانت فى قوم نوح ، خصوصا مع استمرار هذا الجدل أجيالا . نحن هنا نتحدث عن مجتمع متقدم ثقافيا وفكريا يجادل وله رأى . وفى النهاية تعبوا من الجدل فقالوا لنوح عليهه السلام : ( قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (32) ( هود )
قال المذيع : ولكن قومك كانوا يجادونك ايضا .!
قال النبى محمد عليه السلام : هذا صحيح . قريش كانوا تجارا تجوب قوافلهم بين اليمن والشام ، أى كانوا على إطّلاع على حضارة الشرق والغرب . وقد أشار رب العزة الى مجىء قريش يجادلوننى ، قال جل وعلا : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (25) الانعام ) وذكر رب العزة بعض جدالهم المفترى ووصفهم بالخصومة فى الجدل ، قال جل وعلا : ( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) الزخرف ). هذا بعد قوم نوح بقرون لا يعلمها إلا الله جل وعلا .
قال المذيع : ما هو تصورك للمستوى الثقافى لقوم نوح ؟
قال النبى محمد عليه السلام : المستوى الثقافى هو نتيجة لمجتمع ( رأسمالى ) بتعبيركم فيه أقلية مستكبرة تحتكر الثروة والسلطة وهم ( الملأ ) فى التعبير القرآنى عن قوم نوح وغيرهم .
قال المذيع : ماهو الدليل ؟
قال النبى محمد عليه السلام :هم مجتمع رأسمالى من ( المال ) وبهذا المال كان أساس الجاه والسلطة بنفس ما يحدث اليوم .
قال المذيع : كيف ؟
قال النبى محمد عليه السلام : لأن المال هو أساس السلطة والجاه فإن نوحا ذكّرهم بأن الله جل وعلا هو الذى يمددهم بالأموال وأيضا بالبنين الذين يستثمرون هذه الأموال ، فقال لهم عن رب العزة جل وعلا ( وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ )(12 ) نوح ) ، وفى النهاية يأس منهم لأنهم كفروا بنعمة الأموال والأولاد ، بل زادتهم الأموال والأولاد خسارا فقال عنهم وهو يدعو عليهم بالهلاك : ( قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً (21) نوح ). نحن هنا أمام مجتمع رأسمالى بتعبير عصركم .
قال المذيع :ولكن المال كان معروفا فى عصور تالية .!
قال النبى محمد عليه السلام : نعم . بل ذكر رب العزة أهم عملتين متداولتين : الدرهم والدينار . فى قصة يوسف قال جل وعلا عن العُملة المصرية الفضية قليلة القيمة ــ وقتها : ( وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنْ الزَّاهِدِينَ (20) يوسف )، هذا عن اصحاب القافلة التى إشترت يوسف ، أما الدينار ( العُملة الذهبية ) فقد جاءت الاشارة اليه فى سياق الحديث عن أهل الكتاب فى عصر نزول القرآن الكريم ، قال جل وعلا عنهم : ( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ) (75) آل عمران ) . وجاءت الإشارة عن الذهب والفضة معا اساسا للعُملة فى قوله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) التوبة ) .
قال المذيع : ما هو الفارق إذن ؟
قال النبى محمد عليه السلام : الفارق أن قوم نوح أسبق مجتمع بشرى ، والعرب لم يقوموا بسكّ عملتى الدرهم الفضى والدينار الذهبى ، بينما تعامل قوم نوح بالأموال ، هم الذين إخترعوها ولم يستوردوها من الغير ، لأنهم لم يوجد وقتها غيرهم .
قال المذيع : المال لا يوجد بمعزل عن نشاط إقتصادى زراعى وصناعى وتجارى وعمرانى وسياحى . المال هو القوة المحركة لكل الأنشطة الاقتصادية فى مفهومنا الحديث عن المجتمع المزدهر إقتصاديا . فهل ترى إن قوم نوح كانوا كذلك فى هذا الوقت السحيق ؟
قال النبى محمد عليه السلام : نعم .
قال المذيع : كانت لديهم زراعة ؟
قال النبى محمد عليه السلام : نعم . فقد قال لهم نوح عليه السلام : ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً (10) يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً (12) نوح ) . نفهم من هذا إنهم كانوا يعيشون فى بيئة نهرية زراعية . والزراعة اساس الاستقرار والازدهار ، كانت لهم أنهار وكانت تهطل عليهم الأمطار ، وكانت لهم جنات من المزارع والحقول . وبالتالى كانت المحاصيل الزراعية يتم بيعها وشراؤها بالمال .
قال المذيع : كانت لديهم صناعة؟
قال النبى محمد عليه السلام : نعم .
قال المذيع : أى صناعة كانت لقوم نوح ؟ لا أقصد الاستهزاء ، ولكن المعرفة .!
قال النبى محمد عليه السلام : تذكر أن القرآن الكريم ليس كتابا فى تاريخ الأمم السابقة ، ولكن القصص فيه للعبرة ، وعلى هامش العبرة فى القصص القرآنى تأتى المعلومات التاريخية ، ومنها نعلم أن قوم نوح كانوا يعرفون ( الثياب ) . قال نوح يشكوهم لربه جل وعلا 🙁 وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً (7) نوح ) . وبالمناسبة فهذا بالضبط ما كانت قريش تفعله ، قال جل وعلا عنهم : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5) هود ) (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ ) (5) ) فصلت )
قال المذيع : أرجو التوضيح .
قال النبى محمد عليه السلام : الملأ من قوم نوح كانوا فى عنادهم وإعراضهم عن سماع الحق يضعون ثيابهم على وجوههم حتى لايروا نوحا ، ويسدون آذانهم حتى لا يسمعوه . وهو نفس ما كانت تفعله قريش معى .
قال المذيع :ما هى صلة هذا بالتصنيع عند قوم نوح ؟
قال النبى محمد عليه السلام : كيف كان قوم نوح يحصلون على الثياب ؟
قال المذيع : تقصد أنهم كانوا يعرفون صناعة الغزل والنسيج ؟
قال النبى محمد عليه السلام : أكثر من هذا . الثياب فى المصطلح القرآنى هى اللباس الخارجى ، وهذا هو المفهوم من أن كانوا يغطون وجوههم بثابهم ، أى حين كانوا يفعلون هذا فقد كانت لهم ملابس داخلية ، أى كانت لديهم صناعة نوعين من الملابس داخلية وخارجية ، للرجال طبعا والنساء . بالتالى كانوا يزرعون محاصيل الكتان والقطن لتصنيع الملابس . لم يلبسوا جلودا ، ولم يكونوا عُراة .
قال المذيع : هذا معقول . ماذا أيضا ؟
قال النبى محمد عليه السلام : صناعة السفن . قال جل وعلا لنوح عليه السلام : ( وَاصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) هود ) . هذا دليل على وجود صناعة للسفن فى قوم نوح .
قال المذيع : لماذا كان يسخر قومه منه وهو يصنع السفينة ؟
قال النبى محمد عليه السلام : ربما لأنهم وجدوه بعد 950 عاما من الدعوة يبدا فى عمل جديد هو صناعة سفينة ، وهو لم يكن يصنع سفينة عادية مما إعتاد قومه صناعتها ، بل سفينة عملاقة تتسع لكل زوجين من الطيور والحيوانات الأليفة والأنعام والحيوانات المتوحشة ، أى لا بد من تقسيمها الى أقسام وأقفاص وتزويدها بوسائل الحياة . عمل هائل قام به نوح وهو يصنع تلك السفينة فتعرض لسخرية قومه من غرابة ما يفعل .
قال المذيع : أى كانت لديهم زراعة وصناعة وبالتالى كانت لديهم تجارة ، وتداول الأموال بين الصناعة والزراعة والبيع والشراء . ماذا عن العمران والسياحة ؟ هل نتصور وجودهما فى قوم نوح ؟ أنا لا أسخر ، بل أطلب المعرفة .
قال النبى محمد عليه السلام : نعم . وتميز بهذا قوم نوح عن عصركم .
قال المذيع : معقول ؟ وكيف ؟
قال النبى محمد عليه السلام : تذكر حقيقتين : إن قوم نوح كانوا المجتمع البشرى الوحيد فى الأرض الواسعة ، وأن أعمارهم كانت طويلة جدا بالمقارنة لما جاء بعدهم من أُمم وشعوب وقبائل .
قال المذيع : ما صلة هذا بالسياحة والتعمير ؟
قال النبى محمد عليه السلام : كأنت أمامهم الأرض بكرا تتطلب من يكتشفها ويسير فى جنباتها ، وكانوا يعيشون طويلا . أى لديهم مساحة مكانية كبيرة للتحرك ومساحة زمنية طويلة للتنقل ، وبهما معا تحركوا فى الأرض ذهابا وإيابا يكتشفون ويرجعون الى ديارهم وتنتشر ذراريهم هنا وهناك طوال عدة قرون ، يرى فيها الشخص منهم أحفاد أحفاد أحفاد أحفاده .!! ثم لا تنس صناعة السفن ، أى تجولوا فى البر والبحر . وهذا الرحيل والترحال زادهم معرفة ، وزادهم مكرا .
قال المذيع : كيف نفهم هذا من القرآن ؟
قال النبى محمد عليه السلام : قول نوح لهم : ( مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً (14) نوح ) . خاطبهم بما يعرفون . هم رأوا خلقهم أطوارا ، أى إن أحدهم فى منتصف العمر ـ حين يكون عمره خمسمائة عام مثلا ــ يرى أباه وأجداده أحياء يرزقون ، كما يرى أحفاد أحفاد أحفاد أحفاده .. يرى أطوارا من الاجداد ومن الأحفاد . وهذا ربما لم يتكرر بعدهم . ونوح عليه السلام فى مدة دعوته لهم والتى قاربت الألف عام رأى أجيالا منهم ، يأتى جيل يكون اشد كفرا ممّن سبقه فكان ضمن دعوته عليهم قوله : ( وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً (27) نوح ) . تأمل قوله (وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً ).!!
قال المذيع : هذا عن طول أعمارهم . من الممكن أن يقضوا أعمارهم الطويلة فى مكانهم دون حركة . ما هو الدليل على سياحتهم وتنقلهم ؟
قال النبى محمد عليه السلام : قول نوح لهم : ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ بِسَاطاً (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً (20) نوح ). هذا تصوير رائع لتعودهم على إكتشاف جنبات الأرض من برها وبحرها ، كانت لهم كالبساط ( السحرى ) .
قال المذيع : السياحة تعنى ليس مجرد إكتشاف الأماكن ، بل العودة للوطن . هل عرف قوم نوح السياحة بهذا المفهوم ؟
قال النبى محمد عليه السلام : نعم . تخيل الشعب الأول من بنى آدم ، وهم ينتشرون فيها ، الأب ينتقل الى مكان فيترك فيه ذرية له ، وينتقل الى غيره فيترك ذرية أخرى ، وذريته تزوره وهو يزورهم ، وهو أيضا يزور أجداده وهم يزورونه . هى سياحة من نوع فريد ، وشبكة من الذرية تتنقل وتنتشر . هكذا كان قوم نوح .
قال المذيع :أين دليلك من القرآن ؟
قال النبى محمد عليه السلام : قول نوح فى دعائه عليهم : ( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً (26) نوح ).
قال المذيع : لا أفهم الصلة هنا بموضوع السياحة والتنقل .
قال النبى محمد عليه السلام : وصف الفرد من قوم نوح بأنه ( ديّار ) ، أى من الدار أو البيت ، أى هو صاحب ديار كثيرة ، وهو يتنقل بينها . والكلام هنا عن عموم كوكب الأرض ، أى ديارهم موزعة فى مساحة كبيرة من الأرض . ومن طبيعتهم التنقل والتزاور ، ولقد كان المؤمنون من أتباع نوح يزورونه فى بيته ، ولقد دعا لهم بالغفران ودعا على غيرهم بالهلاك ، فقال : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً (28) نوح )، وفى تزاور الكافرين وتنقلاتهم كانوا يمكرون مكرا كبيرا ، قال نوح : ( قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً (21) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (22) نوح ) . وبهذا المكر عاش ضلالهم متنقلا بين الأجداد والأحفاد بحيث إستحال الأمل فيهم أو حسبما قال نوح : ( وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً (27) ( نوح ). وهو ما قاله رب العزة جل وعلا لنوح عليه السلام : (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ ) (36) هود )
قال المذيع : بهذا تكتمل عناصر المجتمع المتحضر فى قوم نوح . لم يبق إلا معرفتهم بالكتابة .
قال النبى محمد عليه السلام : لا يمكن أن تتصور إزدهارا تجاريا وصناعيا وزراعيا بدون معرفة بالكتابة والحساب .
قال المذيع : هل لديك دليل من القرآن ؟
قال النبى محمد عليه السلام : نعم . نوح أنزل الله جل وعلا عليه كتابا سماويا ، قال لى ربى جل و علا : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ ) (163) النساء )، أى هو نفس الوحى بالكتاب لكل الرسل ، بل هى أسس التشريع لنوح ومن جاء بعده ، قال جل وعلا : ( شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) الشورى ) . ونوح كان يدعو قومه ويذكّرهم بآيات الكتاب الذى نزل عليه ، قال لى ربى جل وعلا : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) يونس ). تأمل عبارة (وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ ) أآ كانت هناك آيات فى الكتاب الذى أنزله الله جل وعلا عليه ، وكان يذكّر بها قومه .
قال المذيع : السؤال الأخير فى هذا الموضوع .. أين عاش قوم نوح ؟
قال النبى محمد عليه السلام : الله جل وعلا هو الأعلم بالحق اليقين . أما وجهة نظرى فربما عاشوا فى المنطقة الوسطى من العالم ، ومنها كانوا ينتشرون قبل أن يقضى عليهم الطوفان . ربما كانوا على ساحل البحر وفى منطقة نهرية .
قال المذيع : لعلك تُلمح الى مصر أو الشام ، حيث الأنهار والساحل .
قال النبى محمد عليه السلام : هو مجرد تخمين فقط . فالأرض مرّت عليها عصور تغيرت فيها جغرافيتها ومناخها ، ولا تنس تأثير الطوفان الذى أغرق الكرة الأرضية . لم تعد الأرض الآن مثلما كانت عليه فى عصر نوح .

This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.