فيصل عباس: العربية
كان الأحد الماضي يوماً تاريخياً بحقّ في المملكة العربية السعودية، حيث عقد مجلس الشورى الجديد أولى جلساته بحضور ثلاثين عضوة معيّنة في سابقة هي الأولى من نوعها.
فبفضل المرسوم الملكي الذي أصدره الملك عبدالله بن عبدالعزيز في أول هذا العام بات مكان المرأة محفوظاً للأبد، شأنها شأن الرجل، في إسداء النصح للحكومة في العديد من الأمور ذات الأهمية، وتحوّل مجلس الشورى من نادٍ خاص للرجال إلى مجلس يمثل النصف الآخر من المجتمع كذلك.
وبينما رحّب معظم السعوديين بهذا الإنجاز التاريخي، قوبل تنفيذ القرار بقدر من الامتعاض من قبل البعض، وقد ظهر هذا في تغريداتهم على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” والذي قاموا من خلاله بتوجيه إهانات جارحة للسيدات المُعّينات حديثاً في مجلس الشورى.
كان مؤلماً رؤية أشخاص يصفون نخبة من أكثر الأكاديميات والمهنيات السعوديات تميزاً وإنجازاً بـ”الساقطات” و”حثالة المجتمع”. فمثل هذه الألفاظ سيئة بما يكفي حين تصدر عن شخص غير متعلّم أو عديم التربية، لكنها تصبح في غاية السوء حين تصدر عن مشايخ وعلماء دين يفترض أن دورهم هو نشر قيم التسامح والاحترام والرحمة.
حثالة المجتمع
أحد مستخدمي “تويتر” الذي لجأ لهذا النوع من الإساءة هو الدكتور أحمد آل عبدالقادر، وهو من منسوبي وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، فقد كتب مغرداً: “زعموا استغفال المفتي بعرض الساقطات لإضفاء الشرعية عليهن، لستُّ بالخبِّ ولا الخبُّ يخدعني، إلى متى الاستغفال وهدم حصون الفضيلة”.
أثارت كلمات آل عبدالقادر ردود أفعال غاضبة ردَّ عليها قائلاً إن مَنْ هبُّوا للدفاع عن عضوات مجلس الشورى لم يفعلوا نفس الشيء حين تمّت الإساءة لله – عز وجل – ورسوله محمد (صلى الله عليه وسلم).
وقبل ذلك، هاجم الشيخ ناصر العمر، وهو عالم دين سعودي مثير للجدل بدوره، قرار تعيين سيدات في مجلس الشورى مغرداً: “المقدمات الفاسدة تؤدي إلى نتائج فاسدة”، كما ومحذراً على “تويتر” مما سمّاه “التغريب”.
أما الدكتور صالح الصقير، وهو محاضر سابق بجامعة الملك سعود، فكتب في تغريدة متسائلاً: “سفيهات مجلس الشورى يمثلن المجتمع؟ لا والله. بل هنَّ حثالة المجتمع وسقط المتاع، إلا من رحم ربي”.
ولم يكن هذا التصريح الوحيد المثير للجدل الذي أصدره الصقير، وهو ليس رجل دين بل طبيب اشتهر بآرائه المتشددة، فقد طالب في العام الماضي بالفصل التام بين الطلبة والطالبات في كليات الطب.
قذف المحصنات
في الصيف الماضي وافقت لاعبة الجودو وجدان شهرخاني والعداءة سارة عطار على أن تصبحا أول فتاتين سعودتين تشاركان في دورة الألعاب الأولمبية.
وكانت موافقة هاتين الفتاتين التي تم الوصول إليها في آخر لحظة سبباً في إنقاذ المملكة العربية السعودية من أن يتم استبعادها نهائياً من الأولمبياد، حيث أصرت اللجنة الأولمبية الدولية على أن يكون التمثيل النسائي شرطاً لكافة الدول المشاركة.
وعلى الرغم من افتقار وجدان وسارة للخبرة التي تمكنهما من الفوز في إطار منافسة دولية إلا أنهما وافقتا على المشاركة تلبية لنداء الوطن.
إلا أن المفاجأة كانت هي أنه بدلاً من أن تنهال رسائل المدح والشكر للرياضيتين السعوديتين، كان للفتاتين نصيبهما من التصريحات المهينة بشكل لا يختلف كثيراً عما حدث مع عضوات مجلس الشورى في الأسبوع الماضي.
وفي ذلك الوقت تعهّد والد وجدان، وهو أيضاً مدربها في لعبة الجودو، بمقاضاة كلِّ من شكك في أخلاق ابنته ذات الستة عشر عاماً.
وكلاعبة جودو محترفة، فمن المرجح أن الطريق حافل بالمنازلات التي على وجدان أن تفوز بها، إلا أن مثل هذه الدعوى القضائية ستكون بلا شك “أم المعارك” بالنسبة لها ولسائر النساء السعوديات اللاتي يشرفن بلادهن بإنجازاتهن.
وفيما لا يتوقع المرء أن يتصرف جميع الأفراد في مجتمع ما بنفس الطريقة أو أن يدعم الجميع بالضرورة إنجازات المرأة السعودية، لكن هذا لا يبيح التشويه العلني والإهانات التي شهدناها.
ومما لا شك فيه أن خوض المعركة ضد التشهير سيتطلب صبراً ومثابرة، حيث إنها ستتطلب إجراءات أكثر وضوحاً وتطبيقاً أكثر حزماً، ربما تحت إشراف لجنة متخصصة.
وبما أن المرأة بات لها مكان وصوت في مجلس الشورى، فيجب على العضوات الجديدات دراسة الأمر وتقديم الاقتراحات الملائمة للحكومة كي يتم تجريم التشهير ومعاقبة فاعليه.
ومما لا شك فيه أن ما سيساعدهن هو أن أحكام الشريعة واضحة وصارمة في ما يخص “قذف المحصنات”، وكذلك في المساواة بين الجميع في ما يخصّ تطبيق تلك الأحكام التي لا تميّز بين عالم دين وغيره.