الموقف المشين من دماء العراقيين

aboezraeelعلي الكاش
مفكر وكاتب عراقي
غالبا ما يتبجح شيعة السلطة بوصفهم المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني بأنه صمام أمن العراق مع إن العراق لم يشهد الأمن والأمان منذ الغزو الأمريكي لحد الآن بوجود أو عدم وجود السيستاني، ويرددون مقولة السيستاني بأن لا تقولوا أهل السنة أخواننا بل هم أنفسنا. وريما يقصد السيستاني سنة السلطة وليس أهل السنة عموما! لأنه لو كانوا (أننسنا) وليس (اخواننا) كما ذكر لما أصدر فتوى تحرم زواج الشيعية من السني والعكس خشية الضلال. ربما البعض يعتقد إن السيستاني كان صمام الأمان خلال الحرب الأهلية علم 2006 والوقائع تنفي هذا الزعم فالمرجع كان أحد الذين أشعلوا فتيل الحرب بالإضافة إلى بقية أتباع ولايه الفقيه من عبد العزيز الحكيم ومقتدى الصدر، وإبراهيم الجعفري وحازم الأعرجي وجلال الصغير وهادي العامري وباقري صولاغ وغيرهم.
يمكن الجزم بأن دماء ضحايا الحرب الأهلية برقبة شيعة السلطة من جهة وجحوش سنة الحكم من جهة أخرى، ولو كانت دماء العراقيين سنة وشيعة عزيزة عليهم لتأنوا لغاية إنتهاء التحقيق لمعرفة الجناة الحقيقيين، ويأخذ شرع القضاء وليس شرع الغاب طريقة لمحاكمة الجناة، دزت الحاجة لإستباحة دماء الشعب العراقي بأجمعه، ولكنه أمر دبر بليل حالك في دهاليز ولاية الفقيه كما تبين فيما بعد.
عندما أرتكبت حكومة جودي المالكي مجزرة صولة الفرسان ضد التيار الصدري، وتلتها الغارة الجبانة في منطقة الزركة وراح ضحيتها المئات من أهلنا الشيعة، وتلتها الغارة اللئيمة الحقودة على أتباع السيد الحسن الصرخي قرب مقر المرجع الأعلى، حيث قُتل وأعتقل المئات منهم لأنهم ليسوا من دعاة ولاية الفقيه، وليسوا من دعاة سفك دماء العراقيين، لكي يكحل الخامنئي عيونه بدمائهم الزكية. لذا رفض آية الله الصرخي فتوى الجهاد الكفائي ففنح نار المرجعية بموقفه هذا على أتباعه.
ولم نسمع من المرجع الأعلى أي صوت لا نقول إستنكار معاذ الله! لأن هذه المذابح لا يمكن أن تحصل دون غمزة منه، أو على أقل تقدير غض نظر متعمد، رغم إنها دماء شيعية طاهرة، وإنما نقول إرسال رسالة تعزية لأهل الضحايا وهم من شيعته جميعا، وليسوا من النواصب والتكفيريين والظلاميين والمروانيين واليزيديين.
وبالنسبة لدماء أهل السنة (أنفسنا) ـ حسب تعبيره أو ما نسب إليه، لأنه لا يمكن التأكيد من أقواله وإنما هو حديث وكلائه ـ لم يختلف موقف المرجعية عن موقفها أزاء دماء الشيعة، دماء لا قيمة لها في عرفها كما سيتبين. كانت مجزرة الحويجة من أبشع المجازر التي أرتكبتها قوات جودي المالكي ضد المنتفضين المسالمين الذين كان سلاحهم في الميدان سجادة صلاة ونسخة من القرآن الكريم لا غيرهما، وتلاها الهجوم الحكومي ـ الميليشياوي(عصائب أهل الباطل) المشترك يوم 22/8/ 2014 على المصلين في مسجد مصعب بن عمير في محافظة ديالى وراح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى، مما حدا بـ (جو ستورك، نائب) مدير شؤون الشرق الاوسط في منظمة هيومان رايتس ووتش يصرح “إن الميليشيات الموالية للحكومة العراقية اصبحت اكثر جرأة واصبحت جرائمها اكثر وحشية. لقد تجاهلت الحكومة العراقية وحلفائها هذا الهجوم المروع، ثم يتعجبون لماذا يحظى تنظيم الدولة الاسلامية بتعاطف السنة!”.
واستمرت المجازر ضد أهل السنة من قبل الحكومة وأجهزتها الطائفية من جهة، والميليشيات الشيعية من جهة أخرى، وكانت المجزرة الكبرى في الفلوجة عندما هاجمت دبابات جودي المالكي ومدرعاته المعتصمين في ساحة الإعتصامات الكبرى، في ردٌ مسلح على مطالب سلمية. وراح ضحية الغزوة المالكية المئات من القتلى والجرحى، وكانت الأكذوبة الحكومية هي وجود مسلحين من بين المنتفضين، مع ان ساحة الإعتصمات محاطة من قبل الجيش والقوات الأمنية من كل الجهات، ولا يسمح لأي شخص بالدخول اليها إلا بعد التفتيش الدقيق والإهانة الجارحة.
توالى مسلسل المجازر وكانت آخرها الهجوم الغادر على منطقة الأعظمية برعاية وحماية القطعان الحكومية، وإشارة من قاسم سليماني الذي كان يرافق الزوار الى الكاظم بمناسبة وفاة الأخير. وتم الإعتداء على السكان وحرق البيوت والسيارات والوقف السني ونهب المتاجر وترويع الناس ـ في حين أدان السيستاني الهجوم الإرهابي الذي تعرض له ديوان الوقف الشيعي في 4/6/2012، وأتصل هاتفيا بالسيد صالح الحيدري رئيس الوقف مقدما له التعازي على أرواح الشهداء ـ في وقت حرج كان المشهد السياسي العراقي يغلي في مرجل حينها، بعد أن سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على ثلث مساحة العراق. كانت تلك رسالة حكومية واضحة بأن العبادي وسلفه المالكي يحذوان حذو النعل بالنعل، فكلاهما من أتباع الولي الفقيه وحزب الدعوة العميل، وينفذان أجندة طائفية. كانت المجزرة حقا رصاصة قاتلة في جسد التعايش السلمي الأهلي.
كل هذه المجازر وغيرها لم تهزُ المرجعية لا لتستنكر ـ معاذ الله أن تفعل هذا ولا أحد يتوقع منها ذلك ـ وإنما كلمة مواساة واحدة (لأنفسنا) ولو تقية وغير صادرة من القلب! لكن المرجعية أبت وإستكبرت وهذا موقف طبيعي طالما إن دماء اهلنا الشيعة رخيصة عندها، فما بالك بدماء النواصب!
ربما يحاججنا البعض بأنه طالما إن دماء الشيعة والسنة سواء ولا قيمة لها، فلماذا تنتقد المرجعية على موقفها إذن؟
نقول هذا صحيح ولا إعتراض عليه، ولكن ليس كل الدماء رخيصة عند المرجعية وإنما فقد دماء العراقيين، وهاك الدليل!
جاء في تعزیة بعثهه السيستاني لأهالي القطیف ونشرت على موقعه الالکترونی الرسمي إثر قيام إرهابي بتفجير نفسه بحزام ناسف في حسينية الإمام علي بالقطيف ما أدى الى استشهاد 20 مصلیا واصابة 100 اخرین بجروح متفاوتة الآتي “اعزتنا اهالي القطیف الکرام السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته، وبعد: فقد تلقینا ببالغ الاسى والاسف نبأ الاعتداء الاثم على اخواننا المصلین في مسجد الامام علی (ع) ببلدة القدیح، الذي اودي فیه جمع وجرح اخرون اریقت دماؤهم الزکیة ثمنا لولائهم واتباعهم لائمة اهل البیت علیهم الصلاة والسلام. اننا اذ نعزیکم ونواسیکم في هذا المصاب الجلل ولاسیما من فجعوا بفقدان احبتهم نسال الله العلی القدیر الذي ختم لهؤلاء الاحبة بالحسنى فعرج بأرواحهم الطاهرة في حال الصلاة وفي یوم شریف وهو ولادة الامام الحسین علیه السلام ان یحشرهم مع مولود هذا الیوم وان یلهم ذویهم الصبر والسلوان ویمن على الجرحى والمصابین بالشفاء العاجل والعافیة التامة انه سمیع مجیب ولاحول ولا قوة الا بالله العلي العظیم”.
كما جاء في بيان للسيستاني عقب التفجير الإرهابي الذي طال أشقائنا الكويتيين في حسينية الإمام الصادق وإدى إلى إستشهاد وجرح العشرات من المصلين، هذا نصه ” بلغنا نبأ الاعتداء الاجرامي الذي استهدف اخواننا المصلين في مسجد الامام الصادق عليه السلام فأودى فيه جمع وجرح اخرون أريقت دماؤهم الزكية ظلماً وعدواناً .أننا واذ نشاطركم الحزن والأسى في هذا المصاب الجلل ونعزي العوائل المفجوعة بفقد احبتها نسأل الله العلي القدير أن يتغمد هؤلاء الأحبة بالرحمة والرضوان ويلهم ذويهم الصبر والسلوان ويمن على الجرحى والمصابين بالشفاء والعافية ويحفظ جميع بلاد المسلمين من شر الأعداء وكيد الفجار انه ارحم الراحمين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم”.
رغم الطابع الطائفي للتعزية لأنها موجهة الى شيعة القطيف والكويت وليس لحكومة البلدين، لكن لا إعتراض على مواساة أشقائنا السعوديين والكويتيين وغيرهم على مصابهم الأليم نتيجة الإرهاب الذي يعصف بالأمة، على العكس إنها بادرة طيبة من قبل المرجعية تدل على وحدة دماء المسلمين، لكن لماذا لا تتخذ المرجعية نفس المبادرة مع أهل السنة (أنفسنا)؟ هل دماء أشقائنا السعوديين والكويتيين أزكى من دماء العراقيين من وجهة نظر المرجعية؟ هل دماء شيعة السعودية والكويت أغلى من دماء شيعة وسنة أهل العراق؟ هل يعيش المرجع في السعودية أو الكويت ويتنعم بخيراتهما أم في العراق؟
الأغرب منه أن السيستاني زار المرجع الديني آية الله العظمى محمد سعيد الحكيم الأصفهاني في داره وقدم التعازي شحصيا إليه بمناسبة وفاة والده محمد علي الحكيم! هل والد السيد الحكيم وهو إيراني وليس عراقي أهم من الضحايا العراقيين ليخرج المرجع بنفسه لتقديم التعازي، أم إنه العرق الدساس؟
الأعجب من كل هذا أن المرجع الأعلى أوفد مراسلا حوزويا (السيد جواد الشهرستاني) الى نيجيريا لتقديم التعازي الحارة للزعيم الشيعي النيجري الشيخ إبراهيم الزكزاكي، بعد أن قتل (33) شخصا من أتباعه في تظاهرة بمناسبة يوم القدس العالمي من قبل قوات الأمن النيجيرية من بينهما ثلاثة من أبناء المرجع الشيعي النيجيري في مدينة رازاياـ عندما حولوا بوصلة التظاهرة من يوم القدس فوضى وفتنة طائفية ـ حيث أعرب السيستاني عن” تعاطفه مع ذوي الشهداء، مؤكدا على ان هؤلاء استشهدوا في سبيل الاسلام، داعيا الله تعالى ان يحشرهم مع اهل بيت النبوة عليهم افضل الصلاة والسلام”. معلنا” استعداده بتقديم كافة المساعدات للشيخ الزكازكي ولذوي الشهداء في هذا الفاجع الأليم، متمنيا الصبر والثواب لهم”. وكشف أحد المقربين من المرجعية بأن السيد الشهرستاني حمل معه مبلغا كبيرا من الدولارات قدمه للمرجع الزكزاكي بهذه المناسبة!
بعد هذا العرض الموجز، هل كانت موقف المرجعية موقفا رشيدا؟ وهل كان موقفا موحدا تجاه دماء المسلمين بشكل عام وأهل السنة بشكل خاص؟
ليكن مصدر الجواب هو الضمير الحي، والعقل الرشيد المحايد، والمواطنة الصحيحة!

علي الكاش


About علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي . لدي مؤلفات سابقة وتراجم ونشرت ما يقارب 500 مقال ودراسة. لدي شهادة جامعية في العلوم السياسية واخرى في العلاقات الدولية شاركت في العديد من المؤتمرات الدولية لدي خبرة واسعة جدا في الكتب القديمة والمخطوطات
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.