تحمل الأخبار الخاصة بسوريا أنباء موت عشرات السوريين يوميًا، ويتجاوز العدد العشرات إلى المئات في بعض الأحيان. ورغم أن موت السوريين أغلبه في الداخل السوري، فإن بعضه يتم في الخارج، وفيه تتعدد أشكال موت السوريين، البعض يموت في الطريق إلى بلدان اللجوء أو فيها، كما حدث في قوارب الموت العابرة لمياه البحر المتوسط، أو سيارات التهريب في أوروبا، وبعضهم يموت وسط مظاهر العنصرية والعداء، وتحت حجج «أمنية» على نحو ما يحدث في لبنان.
وإذا كان موت السوريين في الخارج له ظروفه وسط اندفاع قسم من السوريين للبحث عن ملاذ آمن، هربًا من قتل النظام وحلفائه، ومن قتل وسيطرة جماعات التطرف والإرهاب، فيدفع الذاهبون إليه أموالهم، ويدفع بعضهم حياته في سبيل ذلك، فإن موت السوريين في الداخل، هو الأبرز والأهم في ظاهرة الموت الرخيص.
وأشكال موت السوريين في الداخل متعددة، الأبرز فيها موتهم في عمليات عسكرية، تقوم بها الطائرات الروسية، التي يشمل قصفها بالصواريخ والقنابل معظم المحافظات، أو بقصف طائرات نظام الأسد، أو خلال هجمات أو عمليات محدودة تقوم بها قوات الأسد وحلفاؤها من الإيرانيين وحزب الله والميليشيات العراقية على المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، كما يموت سوريون تفجيرًا وقنصًا وذبحًا ورجمًا في عمليات تقوم بها قوى التطرف والإرهاب من «داعش» إلى «النصرة» وأخواتها.
ولعل الأبرز في تفاصيل هذا الشكل من موت السوريين، استخدام الروس والنظام أسلحة محرمة دوليًا، فقد استخدم النظام البراميل المتفجرة إضافة إلى الغازات السامة، وآخرها في قصف مدينة المعظمية في يناير (كانون الثاني) الماضي، وتوالى استخدام الطيران الروسي القنابل العنقودية في هجماته الأخيرة على أهداف في شمال سوريا.
والشكل الثاني الأبرز لموت السوريين، يتم في المناطق المحاصرة، على نحو ما يحدث في غوطة دمشق والقلمون، وفي الزبداني ومضايا، حيث يستمر حصار بعضها منذ أكثر من ثلاث سنوات، وفيها لا يموت السوريون بالقصف والاشتباكات فقط، بل يموتون أيضًا بسبب نقص الغذاء والماء والخدمات الصحية وغياب شروط الحياة، التي غدت مستحيلة.
والشكل الثالث لقتل السوريين وموتهم، يتم في المعتقلات، وهناك لا يموت المعتقلون من تعذيب الجلادين فحسب، وإنما من ظروف الاعتقال أيضًا، وخصوصًا اكتظاظ المعتقلات وغياب العناية الطبية وقلة الدواء، ونقص الغذاء وانتشار الأمراض السارية، والإذلال والقهر الإنساني.
وكما هو واضح في واقع قتل السوريين وموتهم، فإن أدواتهما متوفرة، حيث لا يشكو القتلة من نقص في المعدات والذخائر وأعداد الجنود والمسلحين، ولديهم احتياطي كبير، يمكن أن يدعمهم عند الحاجة، وتتم عمليات وحالات الموت بسهولة في أغلب الأحيان، لأن القوى المقابلة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وحلفائه والمتطرفين الإرهابيين، ليس لديها الروح العدوانية والإمكانات والأدوات ذاتها مثل الطائرات والقواعد الصاروخية، وتعاني من نقص في الذخائر والمعدات بحكم الإغلاق المحيط بها من دول الجوار السوري والأبعد منها، التي تمنع دخول الأسلحة إلى المعارضة تحت حجة عدم تسربها لقوى الإرهاب والتطرف في وقت يشكل فيه النظام وحلفاؤه قوى لا تقل تطرفًا وإرهابًا عن «داعش» وأخواته.
كما أن القتل والموت في المناطق المحاصرة لا يحتاج لإمكانيات كثيرة، حيث الضحايا محصورون في أماكن محددة مسيطر عليها طوال الوقت، وخصوصًا بواسطة القناصة، وهم بذلك مرشحون حاضرون لعمليات القتل بكل الأسلحة بما فيها الكيماوي، كما حدث في غوطة دمشق وعشرات المواقع في السنوات الخمس الماضية، أو الموت نتيجة إحكام الحصار والتحكم الشديد بموارد المياه والطاقة، ومنع دخول أي احتياجات مادية أو طبية أو غذائية إليها، ويشكل مرور الوقت فرصًا مؤكدة لموت مزيد من الضحايا بسهولة نتيجة الجوع والمرض وعدم توفر الأدوية والمشافي، وهي حالات تتقارب مع مثيلاتها في معتقلات النظام وأنصاره أو لدى جماعات التطرف والإرهاب. وجميعها تؤشر إلى قتل وموت رخيص وسهل للسوريين، لا يمكن أن يوازيه قتل أسهل ولا أرخص في عالم يغمض عينيه، ويصم أذنيه، ويغلق فمه حيال ما يجري!
*نقلاً عن “الشرق الأوسط”