المصري اليوم
كلما ناقشنا حرية المرأة نستمع لصدى كئيب من قاع بعيد يقول: انعدام أخلاق هذا الذى تريدونه.
الكفر بحرية المرأة مثل الكفر السابق بتعليم المرأة، مثل الكفر القديم بكروية الأرض. مثلما كفر المسيحيون الأوائل ويكفر مسلمو اليوم بحقوق العقل.
لا يتمنى أبناء العالم النامى أن تتحرر المرأة، صحيح أن حريتها ستريح الرجل اقتصاديا وترفع عنه أعباء المعيشة لكنها ستخطف منه شيئا مجهولاً ارتبط بمخيلته (وبسذاجة) بوهج السيادة. خطأ ساذج يرتكبه مناهضو تمكين المرأة إذ يظنون أن إبعادها سيقلل من حجم المنافسة على السلطة داخل وخارج المنزل. خطأ يرتكبه الضعفاء عديمو القوة والثقة.
الثورات العربية احترمت المرأة كثيرا وقت اندلاعها. استعانت بها ومجدتها. استغلتها أيما استغلال. فى أيام معدودات آمن الجميع بالمساواة المطلقة، حتى المتطرفون صمتوا ولم ينتقدوا الاختلاط فى الميادين العربية. وحين انتهت الثورة وسقط الحاكم، جاء البديل ليعلن لزوم عودتها للمنزل. يتحرشون بها اليوم فى مصر ويغتصبونها بميدان التحرير لأسباب جرائمية كثيرة أهمها برأيى الضغط لإعادتها للقوقعة، كأنها لم تشارك بشىء. وتتحول معركة النساء فى شوارع (ما يسمى بالحرية) من صراع ضد السلطة إلى صراع من أجل الوجود. الثورات العربية مثل الحروب العالمية أوائل القرن العشرين. وقتها أجبرت المرأة على الخروج من المنزل كى تعمل فى المصانع بدل الرجل الذى نزل لميادين المعارك، وحين عاد الرجال فاجأوها. لم يمنحوها أى مساواة بل قرروا عودتها للمطبخ. طبعا رفضت الكثيرات واندلعت حركات نسوية ساهمت بإخراج المرأة العالمية من دائرة المنزل والطفل إلى دائرة الجامعات والورش والمعامل والبرلمانات والوزارة والرئاسة.. إلخ. أذكر أنى قبل سنوات كتبت أقول: أنا حرة.
قامت وقتها الدنيا ولم تقعد. دنيا تربط الحرية بالفجور.
علىّ أن أدلل بأسماء من العصر الإسلامى القديم لنساء حرائر كى أنال الحرية بعصر بيل جيتس والأقمار؟ تقول فاطمة المرنيسى «طالما أن جهلنا بالماضى يستخدم ضدنا فعلينا قراءة هذا الماضى».
وفى كتابها (سلطانات منسيات) عرضت المرنيسى أسماء لنساء تولين رئاسة دول إسلامية عديدة. طرحت هذا الموضوع ببرنامجى التليفزيونى وكانت الردود متشابهة. ناشطة تخاف من مجرد ذكر الموضوع. سيد يقول: فلنمنحها حق قيادة السيارة أولا قبل قيادة الأمة. لم لا تتجرأ الغالبية على الاعتراف بحق المرأة بالولاية؟
الملكة أروى الصليحية والملكة أسماء الصليحية فى القرن الحادى عشر الميلادى. حصلت الملكتان على لقب (السيدة الحرة) وكان نص الخطبة التى تلقى باسم أروى فى بلاد اليمن (اللهم أدم أيام الحرة الكاملة السيدة خليفة المؤمنين).
كوتلوغ خاتون حكمت مقاطعة كرمان واستمر حكمها لمدة ٢٦ عاما.
شجرة الدر ١٢٥٠م.
السلطانة رضية شمس الدين حكمت دلهى عام ١٢٣٦م.
السلطانة خديجة بنت السلطان صلاح الدين النجلى حكمت المالديف ١٣٤٧- ١٣٧٩م.
وبالطبع هناك بنازير بوتو ١٩٨٨م التى واجهت معارضة تذرعت بأن وصولها السياسى يتعارض مع الشريعة.
فترة حكم السلطانات العربيات أسماء وأروى تدلل على أن ذلك لم يتناقض مع الدين ولا مع التقاليد العربية وقتها. فأروى حكمت حوالى نصف قرن حتى وفاتها سنة ٥٣٢هـ. فما اسم المرحلة العربية التى تعيش اليوم؟ وهل كانت هؤلاء النساء الأقرب لعهد النبوة تابعات وحبيسات للمطابخ والمنازل؟ أم كانت الواحدة منهن حرة بالكامل لتمنح الحق بحكم دولة مترامية الأطراف؟
تستيقظ فترسم يومها، تحدد شكل الملبس وطريقة الحركة، تقرر الزواج فتختار الشريك، تقرر التنقل فتختار المسكن، تقرر الوجود فتختار نوع التعليم والعمل كله بلا أدنى تمييز بينها وبين الرجل. تحلم فيمتد حلمها لأبعد مدى بلا حواجز أو حدود.
حلم نسوى سيتحقق رغما عن الجميع وستثبت النساء أن الحرية ترفع من مستوى الأخلاق وأن الانغلاق والقيود سبب كل بؤس.