المندائبون في جمهورية ايران الاسلامية بلا حقوق

sabiaaالمندائبون في جمهورية ايران الاسلامية بلا حقوق!!
بقلم : عضيد جواد الخميسي

بلاد بابل الجنوبية ، المنطقة التأريخية للطوائف المعمدة ،وعلى وجه التحديد الطائفة المندائية العريقة منذ العهد السومري ، ‘والتي بدأت من ( أريدو) اول ممارسة لطقوس الغسل والتطهير لتقديم فروض الطاعة والولاء للاله ( أيّا ) وهو الاله السماوي العظيم ، ليضمن المتعبد الحياة في ظل حماية الاله وفق النصوص الدينية المقدسة ومجموعة الطقوس المقدمة .
استمرت طقوس التعميد بالماء وبدون انقطاع كمبدأ للديانة المندائية منذ العهدين السومري والبابلي، مرورا بكل الحضارات التي بعدها وحتى باحلك الازمات الى يومنا هذا وان اختلفت الطرق والوسائل وفق المعايير الزمانية والمكانية استنادا لمبدأ نظرية التطور .
عرّفت الكنيسة الكاثوليكية المندائيين ، بانهم اتباع القديس يوحنا المعمدان الذبن نزحوا من فلسطبن الى جنوب بلاد النهرين هرباً من اضطهاد الرومان بعد مقتل يوحنا المعمدان ، و وصفتهم على انهم ,, المسيحيون الحقيقيون الاوائل,, . وكان هذا الاعتقاد سائدا خلال القرن السادس عشر عن طريق البعثات التبشيرية المسيحية والتي كانت الكنيسة الكاثوليكية حريصة جدا على ان ترسل بمبعوثيها الى المنطقة سواء لبلاد الرافدين السفلى او الى بلاد فارس لنشر الديانة المسيحية في تلك المناطق .
وعلى الرغم من ان المؤرخين الاوروبيين كانت لهم وجهات نظر مختلفة عن قناعة الكنيسة حول اصول تلك الطائفة ، الا ان هذا لم يمنع من احياء الفرضية القديمة ، بان المندائيين هم السكان الاصليين لبلاد بابل على ضوء المتابعة التاريخية لاصول طوائف التعميد لبلاد مابين النهرين .
لذا فطوائف التعميد في بلاد بابل الجنوبية ، ومركزها الديني والقيادي ، اقليم او مملكة ,, ميشان (ميسان ),, ( والذي تمتد من شرق صحراء السماوة غربا ،وميسان وجزء من اقليم خوزستان في ايران شرقا،ومدينة بابل شمالا حتى القرنة ـ ملتقى نهري دجلة والفرات ـــ جنوبا)، كانت وليدة من رحم الديانات السومرية المتعددة ، والتي تتخذ الاله مصدر القوة والنفوذ لديمومة الحياة، والتي تعتبر طقس التعميد ممارسة تعبدية اساسية . وان هذه الممارسة الدينية ، اعطت لاتباعها وصفا مميزا عن بقية الديانات في المناطق المجاورة ، لتمنحها معنى تأمليا عميقا لهذه الطقس بالذات .
فالمندائيون المعاصرون احفادا انحدروا من الطائفة المعمدانية الرافدينية القديمة ، وقد حافظوا بايمان على تراثهم وكتابات طائفتهم المقدسة وعلى معتقداتها ومظاهرها واساليب عملها الروحية بالرغم من ان ديانتهم غير تبشيرية.
المندائيون حاضرا اقلية صغيرة ، نشات وترعرعت في بلاد الرافدين ، مازال اتباعها باعداد قليلة جدا متواجدة في العراق وايران، واعدادهما في كلا الدولتين لايتجاوز عدة الاف ، في حين عددهم قبل حوالي العقدين من الزمن يتراوح بين (60.000 – 70.000 نسمة ) وان القسم الاكبر من افرادها قلعت جذورهم من اوطانهم، ولاذوا بالفرار مابين الهجرة واللجوء ، الى اوروبا واستراليا وامريكا وكندا ، باسباب الاضطهاد الديني والاجتماعي …

موضوع البحث عن احوال الطائفة المندائية في ايران وهم امتدادا لاشقاء لهم في العراق ، يتناول اوضاعهم الحياتية سياسيا ودينيا وثقافيا ، ونظرة الدولة لهم والمتمثلة في السلطة السياسية والمؤسسة الدينية ، والحقوق المهضومة لاتباع هذه الديانة دون الديانات الاخرى ..

وفقا لتقديرات التقرير الدولي للحرية الدينية في ايران ، والصادر من الولايات المتحدة الامريكية في 15 سبتمبر 2004 ، عدد المندائيين يتراوح مابين 5000 الى 10000 نسمة . اما تقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين/ مكتب ايران ، يضع الرقم 6.200 في 26 اغسطس/آب 1997 . اما تقديرات المندائيين انفسهم بعدد يقدر بعشرة الاف نسمة . في الوقت الحاضر لايوجد احصاء دقيق حول عدد المندائيين في ايران لاسباب الهجرة باعداد كبيرة من ايران الى دول المهجر، وبالاخص دولة استراليا التي استقبلت اعداد كبيرة منهم كلاجئين فيها ، وتم توطينهم فيما بعد ، ولازل العديد من اتباع هذه الطائفة يبحثون عن ملاذ امن خارج ايران .
تاريخيا كانت مملكة ميشان او ميسان تضم اقاليم ومدن عدة والتي هي داخل حدود ايران الحالية ، وتواجد المندائيون في اقليم خوزستان في منطقة بالقرب من نهر الكارون ,, مارون ,, شمال مدينة ,, بهبهان ,, وكذلك عُرف المندائيون بكثافة في مدينة ,,الاهواز,, عاصمة اقليم خوزستان ، وكانوا يتحدثون بالآرامية ولم تكن الفرثية قد فرضت عليهم بعد ، وكان المندائيون في مدن ,,شوشتر,, ـــ ,, خورمشهرــ او المحمرّة ,, الاهواز ــــ,, الحويزة,, ـــ ,, سوسنغرد,, ــ ,,ساربندر,, ــــ ,,آبادان,, ــ ,, بندر,, وعدد اخر من المدن الصغيرة والقصبات .
في عام 1782م تعرض المندائيون لمجزرة فظيعة في حدود مملكة ميشان او ميسان وتحديدا في مدينة شوشتر راح ضحيتها معظم رجال دين الطائفة على يد حكم القاجاريين ، بتهمة الكفر او الشرك ورفضهم اعتناق الاسلام، مما حدا بافراد الطائفة وعوائلهم بالفرار الى المناطق الاكثر امناً ، وقد عثر ,, اوستن لايارد ,, عالم التنقيبات البريطاني على مجموعة مخطوطات تعود الى الفترة مابين القرنين السادس والثامن عشر في مدينة الحويزة ( محفوظة حاليا في خزائن مكتبة بودليان اكسفورد) ، سجلت حدوث اضطهاد وكوارث طبيعية لابناء تلك الطائفة . وكان كهنة الطائفة مدونون حريصون على توثيق كل الاحداث المهمة السارة او المحزنة منها ، والتي تعصف بحياتهم ومعيشتهم على مر السنين ، ومنها الفيضانات وانتشار الاوبئة وغزو واعتداءات الاخرين ، او توثيق تنصيب كاهن جديد ومن الذي نصبه من الكهنة الاعلى مرتبة ، وباسماء الشهود وتاريخ الحدث ، كذلك ذكر الولادات والوفيات للشخصيات المهمة ، وبعض الامور الاسرية والفعاليات الاجتماعية ..

في عام 1818 قامت السلطات في بلاد فارس القبض على العديد من الكهنة المندائيين بتهمة القبام باعمال السحر والتنجيم والقت بهم الى المنفى ليبقى مصيرهم مجهول حتى اليوم.
كان لوباء الطاعون(طاعون شوشتر) عام 1831 والذي أجبر المندائيون على الرحيل من تلك المنطقة، وبسببه أودى بحياة الكهنوت المندائي باكمله ، مما اسفر عن فقدان الطائفة لقيادتها الدينية ، بحيث دب الهلع والخوف لدى ابناء الطائفة خشية ضياع هويتهم الدينية ، ولكن اثنين او ثلاثة من افراد الطائفة من مساعدي الكهنة في اداء المراسم والطقوس( شكندا) تمكنا او تمكنوا وبخطوة جريئة من تعميد احدهم الاخر لمنحهم الرتب الدينية الاعلى(الترميذا) لتمكينهم من اجراء الطقوس الدينية المندائية ككهنة ، والتي لايمكن اداؤها الا لمن حصل على تلك الرتبة الدينية على الاقل ، ولقيادة الطائفة من جديد (المعروف عند التعاليم الدينية المندائية ، ان يكون منح الرتب الدينية ، لاتتم الا بطقوس ومراسيم خاصة من قبل كهنة ذوو المرتبة الدينية العليا حصراً) .
وبعد سنتين اي في عام 1833م ، حصل انهيار مفاجئ لضفة نهر المنطقة في اقليم خوزستان والمتفرع من نهر الحويزة ,, جراهي – وحاضرا نهر ابو هانيور,, نتيجة حدوث زلزال ، والتي يقطنها مندائيون من مدينة الاهواز، خلال اداؤهم طقوسهم المعتادة ، وراح ضحية هذا الحادث العشرات من اتباع هذه الطائفة مما دعاهم الى مغادرة المنطقة .

تواجد المندائيون قرب ضفاف الانهر يعود الى اداء مراسم التعميد ، وهو النموذج الذي في العالم السماوي يعكس نفسه على الأرض، وفق الطقوس الرافدينية القديمة والخاصة بهم ، وتاخذ هذه الطقوس اهميتها وقدسيتها للفرد المندائي عند تعميد الاطفال ، ومراسيم الزواج ، او لقداس الاموات ، وعند الاعياد والمناسبات الدينية الاخرى . وتجرى غالبية هذه الطقوس في معابد خاصة تسمى بالآرامية ( مندي) ويعني ,, بيت المعرفة,, ، وكان لهم ثلاثة معابد (يمنع وضع اي رمز اوكتابة للدلالة ، بأمر السلطات ) في مدينة الاهواز ، وتم تخريب وتدميرواحد من تلك المعابد من قبل السلطة المحلية بشكل كامل ، وهي المدينة التي يوجد فيها اكبر تجمع لاتباع هذه الطائفة من بلاد فارس . وتوجد معابد صغيرة وقديمة في مناطق متفرقة اخرى ، لعدم السماح لهم من قبل الحكومة ببناء معابد جديدة بدل القديمة .

يتحدث المندائيون في ايران اللغتين الفارسية والعربية لكون مناطقهم تقطنها الكثير من القبائل العربية ، بالاضافة الى اللغة الآرامية الشرقية ، والتي كانت قبل عقود اللغة المتداولة لجميع ابناء الطائفة ، ولكن حاضراً مقتصرة على رجال الدين وكبار السن ، وبعض الافراد من المتدينين ، وسبب انحسارها عدم وجود مدارس خاصة بالطائفة لتعليم اللغة ودروس عن الدين.

يرتدي الكهنة المندائيون زيّا خاصا بهم يختلف عن لباس العامة ، شأنهم بذلك شأن رجال الدين لجميع الديانات ، مع اطلاق لحاهم وشعورهم ، وهذا تقليد سومري وبابلي قديم لاعلاقة له بالدين ، ولان الدين بالمفهوم العقلاني ، هو عقيدة روحية تجسد العلاقة الخاصة بين الخالق والمخلوق كل حسب قناعته ، وليس له المظاهر بشئ ، ولكن القوانين الرسمية الايرانية تفرض على الكهنة المندائيين بعدم ارتداء الزي الابيض الديني الخاص بهم والتجول في المرافق العامة ، لذا فالكهنة يرتدون زيهم الخاص مع العباءات والعمائم الاسلامية الشيعية و ليبدو الكاهن المندائي شخصية مألوفة في الثقافة الاسلامية الايرانية.
وأيّا كان الأمر ، فان الزي الخاص برجال الدين لجميع الاديان ، ماهو الا سلوك ومظهر من المظاهر الارستقراطية .

يتخذ المندائيون في ايران مهنة صياغة المجوهرات الذهبية والفضية ، وتاتي بالمرتبة الاولى من بين المهن الاخرى ، ويتمركز هذا العمل التجاري في مدن الاهواز ذات الكثافة المندائية الاكثر ، ليصل الى العاصمة طهران بالكثافة المندائية الاقل. ومن المصوغات التي تجذب اليها الاهتمام في مهنة الصياغة ، هي الحلى الفضية المطعمة بمادة سوداء تدعى بـ,, المينا ,, وهي مزيج معدني بنسب معينة من الفضة المذابة والنحاس والرصاص مع مادة الفسفور وعناصر اخرى ، ويغطي ذلك الخليط الجزء المنقوش من القطعة الفضية المختارة، ويتعامل الحرفي مع هذه المادة بمنتهى الدقة . واصبح هذا العمل الفني محط اهتمام المتذوقين البريطانيين والامريكيين الذين جاؤا مع الشركات النفطية وكذلك من العساكر المتواجدين في ايران ، والذي اشتهر في العقود الاولى من القرن العشرين في انكلترا كعمل فني للفضة silverwork يفوق في روعته الاعمال الفنية للعهد الفكتوري .

توجه معظم ابناء الطائفة المندائية في العقود المتوسطة من القرن العشرين الى التعلم في المدارس الحكومية المنتشرة في مناطقهم اسوة بغيرهم من المسلمين ، عندما سمحت لهم حكومة الشاه بذلك ، واغتنمت الأسر المندائية الفرصة لزج ابناؤهم في المدارس ليتمكنوا بعدها الحصول على وظائف مرموقة في الدولة بعد تخرجهم من المعاهد والجامعات لتحسين احوالهم المعيشية ، بدلا من العمل بمهن بسيطة كالحدادة والنجارة ، وصناعة القوارب ومعدات الصيد والبناء ، واعمال حرفية اخرى .
تمكن العديد من المندائيين في تلك الفترة من ان يكونوا مهندسين ومهنيين بمجال التكنولوجيا والصناعة الحديثة ، وسمح لهم بالعمل في المصانع والورش الكبيرة ، ومنهم من قبل بشغل وظائف ادارية بسيطة وان لم تكن بمستوى الطموح ، لعدم تمكنهم باشغال وظيفة مدير او رئيس قسم ، او حتى ولو مسؤولا بدرجة ادنى ، كون القوانين الصارمة للحكومة آنذاك ، تحتم بأن لايُسمح للمندائي بشغل اية وظيفة لها صفة الادارة او المسؤولية ، وعلى الموظف المندائي ان يكون تابعاَ دائما لامتبوعاُ .
ومن جملة القوانين التي تحرم المندائي حقوقه [ لايجوز للمندائي العمل في مجال الصحة ، التعليم ، القضاء ، الجيش والشرطة ، النقل( على ان لايكون ضمن طاقم طائرة او سفينة و باخرة وكذلك القطارات ) ، وايضا في قطاع الخدمات (كالفنادق والمطاعم) ، والصناعات الغذائية ] والقائمة تطول . وذلك بسبب ان المندائي يعد (( نجساً )) بنظر الدولة الايرانية ولايجوز له التقرب لتلك الوظائف سواء الحكومية منها اوغير الحكومية (( كبف وهم المتطهرون؟!)) ، القانون( الذي صدر عام 1985يمنع المندائيون من المشاركة في الحياة المدنية). وهذه القوانين القسرية الظالمة لدولة شاه ايران وقوانين جمهوربة ايران الاسلامية ، تذكرنا بما حصل لعالم الفيزياء العراقي المندائي عبد الجبار عبدالله ،عندما قرر الزعيم العراقي الراحل عبد الكريم قاسم تعيينه رئيس جامعة بغداد عام 1959 ،وكان المعارض لهذا التعيين هوالمرحوم نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة . فكان مبعث تحفظه ومعارضته هو أن الدكتور عبد الجبار عبد الله ، صابئي(مندائي) .. وقد لا يكون ذلك مناسبا في بلد اسلامي!..، فأجابه المرحوم احمد محمد يحيى وزير الداخلية آنذاك ( يا باشا : نحن الان مجتمعين لأنتخاب رئيس للجامعة ، وليس لأنتخاب إمام يصلي أمام المصلين في جامع !!) .

بعد قيام الثورة الإيرانية الاسلامية في عام 1979، تقلصت بشدة فرص المندائيين لمواصلة تعليمهم ، سواء التعليم الثانوي او الجامعي ، ولم تقتصر على الجانب التعليمي فحسب ، بل تعداه الى جميع مجالات الحياة الاخرى ، ووصل بهم الامر الى تهديد حياتهم ووجودهم ككيان مندائي في الجمهورية الفتية . وذلك بسبب صدور مرسوم الامام الخميني ،الذي خسر المندائيون فيه وجودهم في الجمهورية الاسلامية ، كديانة محمية من قبل الدولة ، بعدما كانت قد تمتعت بحماية ولو بشكل ضئيل في ظل حكم الشاه ، فيما نص المرسوم نفسه على توفير الحماية ومنح بعض الحقوق للديانات الاخرى( المسيحية ، اليهودية ، الزرادشتية ) باعتبارها ديانات ,,اهل الكتاب ,, .
كما هو معروف ، يدعى المندائيون بــ ( الصابئة ) سواء في العراق او ايران ، وياتي ذكر الصابئة في ثلاث آيات قرآنية ,, الحج ، المائدة ، والبقرة ,, كما ورد ايضا ذكرا للديانات ، المسيحية (النصارى) ، اليهودية ، الزرادشتية ( المجوس ) ، وان الديانة الزرادشتية لم تكن مدرجة ضمن الديانات المعترف بها في الدستور الايراني لفترة حكم الشاه ، ولكن تم الاعتراف بها في المرسوم الايراني الاسلامي لتحل محل ديانة الصابئة !!
والحجة في ذلك ، ان اصحاب هذه الديانة ، لم يأت ذكرهم في القرآن على انهم ,,اهل كتاب ,,، كما وان هؤلاء الصابئة ليسوا هم الذين ذكرهم القرآن . وبهذه الفتوى اصبح سيف الاسلام الايراني مشرعا وجاهزا بجز الرقاب لقوم ضعيف ومسالم في ارض بلاد فارس.

بذل المندائيون جهودا كبيرة بمحاولات عدة لاسترجاع وضعهم السابق كديانة لها الحماية القانونية ، وبدون اية اضافة للحقوق على الاقل في الدستور الاسلامي الجديد ، لكن هذه المحاولات جميعها باءت بالفشل ، بالرغم من ان مناطق تواجد المندائيون بعيدة جدا عن مركزي القوتين ، الدينية المتمثلة في قم والسياسية في طهران ، مما جعلهم تحت قساوة وظلم وابتزاز اكثر من قبل السلطات المحلية في اقليم خوزستان وبدون اية حماية تذكر الا من بعض المحاولات التي يقوم بها جيرانهم من المسلمين بالتوسط لدى الحكومة المحلية بتسهيل الامر في بعض الاحيان ( استناداً الى تقارير منظمة العفو الدولية ، لجنة الانقاذ الدولية ، وزارة الخارجية الامريكية ، مكتب الحرية الدينية الدولية ، جمعية مساعدة المهاجرين ، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ) . .
بيد ان الديانات الاخرى التي حددها مرسوم الامام الخميني، نالت حقوقا اضافية اخرى ، كتمثيل لها في البرلمان ، ووظائف حكومية ، تعليم وتعليم عالي ، تشييد دور عبادة جديدة ، وامتيازات اضافية اخرى .

ومن المحاولات اليائسة التي قام بها اتباع الطائفة المندائية ، تمكن وفد يتالف من رجال الدين وبعض الشخصيات المندائية ، من مقابلة الامام الخميني في مدينة قم لعرض مشاكلهم ، ومنها موقفهم القانوني في الدستور الاسلامي الايراني . استمع الامام لوجهة نظرهم ، ووعدهم بان يجد لهم الحل بعد ايام معدودة .. وبعد انقضاء المدة المحددة ، عاد الوفد مجددا الى قم ليعرف ماهو الرد ، واذا بالصدمة الكبيرة الغير متوقعة ، حيث كان رد الامام لهم عند احد مساعديه ، واسمع الوفد ماقاله الامام الخميني وبالحرف الواحد (( ليعتنق هؤلاء المندائيون الاسلام .. وبذلك تنتهي كل مشاكلهم ، الحل بسيط جدا .. )) ..!!!!!!!

خلال الحرب بين ايران والعراق 1980 ـــ 1988 ، انتقل المندائيون بعيدا عن المدن التي مزقتها الحرب ، الى مدن ومناطق اكثر امنا ، طهران ، كرج ، شيراز ، دزفول ، وقسم كبير منهم انتقل الى الجهات الشرقية من ايران ، وبعد انتهاء الحرب عادوا الى مدنهم السابقة ، بيد ان قسما منهم فضل البقاء وعدم العودة بعد تغيير اسم اللقب المندائي واتخاذهم اسماء المدن واسماء بعض العشائر العربية المعروفة كلقب جديد ، فالقادم من مدينة شوشتر صار لقبه,, شوشتري ، حويزي من الاحواز ، صابري من سابور وهكذا بقية المدن ، وبدأ يسري هذا التغيير على كل العوائل المندائية ، كنوع من انواع التغطية للتشبه بالمسلمين ، تجنبا للمشاكل والمعوقات التي قد تواجهم . وفي حقيقة الامر كانت هذه الخطة ناجحة الى حد ما ، ولكنها كانت لاتخلو من المخاطر.

خلال نيسان/ابريل 1996 وفي طهران العاصمة، التقت الدنماركية (يورن باكلي ) الباحثة في الديانات القديمة للشرق الاوسط ، عند زيارتها ايران لتلك السنة ، الامام,, سجادي ,, رئيس جامعة الزهراء لمدينة ,, قم ,,، بعد ان اطلعت على احوال اتباع الديانة المندائية العريقة والموغلة بكامل التأريخ ، وقررت ان تعمل لقاءات وحوارات مع الكثير من اصحاب السلطة والقرار حول الملف المندائي ، ابتداءا بكبار رجال الدين من له التاثير واليد الطولى باتخاذ القرار، وصولا الى الىرلمان الايراني ثاني سلطة تشريعية بعد مرشد الثورة .
وقد كان ثمرة اللقاء مع الامام سجادي ، بان وضع بيدها ثلاثة اسئلة عن الديانة المندائية ، وطلب منها الاجابة عليها ، باعتبارها طرفا محايدا وخبيرة بشؤون الديانات الشرق اوسطية . كانت الاسئلة حول جذور المعتقد المندائي ، الطقوس ، ولأي الانبياء يتبعون ؟
مثلما استقبلت يورن باكلي الاسئلة ، سلّمت الاجابة للامام سجادي ، وقد كان مقتنعا بالاجابة الوافية ، ولم يبد اي اعتراض على ماعرضته عليه ، وخصوصا انها تجيد اللغات الفارسية والعربية والارامية بكل لهجاتها والالمانية والانكليزية بالاضافة الى الدنماركية . بيد ان هذا اللقاء كان الخطوة الاولى بالاتجاه الصحيح ، بالرغم لم تكن هناك قرارات على الصعيد الرسمي ، ولكن مناقشة القضية المندائية في البرلمان الايراني بحد ذاتها ،هي خطوة ايجابية متقدمة .

في 11 نيسان / ابريل 1996 ، تم رفع الملف المندائي امام البرلمان الايراني ، ودفع رئيس البرلمان بسؤالين الى لجنة [ افتاءات و اجابات] تحت رقمين 228 و 335 ، وفيما يتعلق بالسؤال الاول المرقم 228 صنّف ضمن باب ,,العبادات,, للمادة 13 في الدستور الايراني ، وهذه المادة الدستورية تخص حقوق الديانات ، المسيحية ، اليهودية ، الزرادشتية . والسؤال هو ، هل هناك حظرا على المندائيين المعاملة مع المسلمين ، وهل لهم الحقوق القانونية مثل التي اقرها الدستور للديانات الاخرى في ظل النظام الاسلامي؟
كان اجابة اللجنة ، ليس هناك حظرا على المسلمين بالتعايش مع المندائيين ، ولهم كل الحقوق القانونية التي يقرها الدستور في المادة 13 منه .
السؤال الثاني رقم 335 ، يركز على ، هل ان المندائيين حقا من اتباع النبي ,, يحيى بن زكريا ،، ؟ وهل هم من اهل الكتاب ، وهل ورد ذكرهم بالقرآن؟
كانت الاجابة بنعم لفروع السؤال . وبهاتين الاجابتين من اللجنة البرلمانية ، ومن المفترض ، بعد ان اقرّ البرلمان الشرعية للطائفة بحق العيش المشترك كسائر الديانات التي ضمنها الدستور ، لذا توجّب على الحكومة التنفيذية اصدار قرار يعترف بالحقوق الدستورية لتلك الطائفة ، الا ان هكذا قرار لم ولن يرى النور ، طالما المرشد الاعلى والحكومة لاترغب بذلك!! لتمسكهم الشديد بدعوة الامام الخميني المندائيين باعتناق الاسلام !

ونتيجة لتلك السياسات العنصرية التي انتهجتها السلطتين السياسية والدينية بحق الطائفة المندائية ، انعكست جليا على واقعهم المرير بمختلف اشكال الضغط والاضطهاد والانتهاكات من جيرانهم المسلمين ، وخاصة في اقليم خوزستان . ومن صور الظلم والحيف الذي لحق ويلحق الى الان باتباع هذه الطائفة الصغيرة والمسالمة :
لايحق لابناء المندائيين التعلم في المدارس ، الاّ بشرط ان يذكر في خانة الديانة كلمة ,, مسلم,, عند تقديم الطلب ,, ومن الذكور فقط ,, وان يكون ملزما بتعلم الديانة الاسلامية ، وحفظ القرآن . كما يفرض على المندائيين التصويت لصالح المرشحين من المسلمين عند موعد الانتخابات المحلية او العامة ، ويمنع منعا باتا من الترشح …اما في القضاء ، لايحق للمندائي بعرض شكواه امام المحاكم الايرانية ، كما لاتقبل شهادته في الادعاء الرسمي … ومن القيود الاخرى ، الزامهم باداء الخدمة العسكرية الاجبارية ، عدم بناء دور عبادة ، عدم تاسيس جمعيات ونوادي اجتماعية او هيئات ومراكز ترفيهية ، وصاية الحكومة على المقابر المندائية … ومن الممارسات الغير اخلاقية التي يمارسها بعض المسلمين ، (بعضهم) باحتقار المرأة المندائية والتحرش بها امام اعين السلطات ودون ان تحرك ساكنا ، وفي كثير من الحالات وصلت الانتهاكات الى حد الاغتصاب ، من اجل اجبارها على تغيير ديانتها ( تقرير وزارة الخارجية الامريكية ـــ ايران ــ القسم الثاني ـــ القيود على الحرية الدينية ـــ 2004 ) .
وفي اعنف اتنهاك صارخ لحقوقهم ، تدمير وحرق اكبر معبد للطائفة ، وتدنيس وتخريب مقبرة تعود لهم ، وتحويلها الى مرفق عام في مدينة الاحواز، لتضييق الخناق عليهم من كل صوب وناحية، وارغامهم على مغادرة الدولة الاسلامية الى دول اخرى .

تركزت الجهود الدولية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ومنظمات حقوق الانسان ، ومكتب الحريات الدينية منذ عام 2002 ، بالسعي لانقاذ اتباع هذه الطائفة من براثن الموت البطيء على يد السلطة الحاكمة في ايران ، وبالتعاون والتنسيق مع اتحاد الجمعيات المندائية ، وتامين الاتصال مابين هذه المنظمات والمكاتب مع الشخصيات القيادية المندائية الدينية في اقليم خوزستان لتامين قبول المهاجرين المندائيين من ايران في دول اخرى .
في 2002 اقدمت وزارة الخارجية الامريكية بمنح المندائيين من ايران صفة اللاجيء في الولايات المتحدة الامريكية، وبعد ذاك التاريخ ، وصل عددهم في مدينة مثل ، سان انتونيو في تكساس الى اكثر من الفي فرد مندائي من ايران .
في اوائل خريف عام2004 ، أفرجت معسكرات الاعتقال السيئة الصيت في استراليا ، عن اعداد كبيرة من مندائيي ايران والعراق ، ومنحهم صفة اللاجيء ، واعادة التوطين ، والذين لاذوا بالفرار ، لاسباب الاضطهاد والتفرقة الدينية.
لازالت اعداد من المندائيين في ايران والعراق لها رغبة كبيرة بالهجرة الى خارج ايران والعراق ، ولكن المنظمات الدولية لاتتعامل بشفافية لمشكلة اللاجئين لاسباب دينية ، بسبب قانون اللجوء نفسه ، حيث تفرض على طالب اللجوء ، ان يقيم خارج وطنه الأم ليتم بعدها دراسة الملف واحالته للطرف الثالث ــ اي دولة اعادة التوطين ــ ولايُعرف بالتاكيد مدة المكوث في دول الانتظار، لحين البت في الامر ، وفترة الانتظار تتطلب نفقات اقامة ومعيشة ورعاية صحية وتعليم ، وغيرها من الامور الحياتية والمعيشية ، وغالبا لاتتوفر الامكانية المالية الكافية لسد ولو جزء من احتياجات الاسرة ، وما تقدمه الجهات الدولية لمساعدة اللاجئين الشيء اليسير ولايفي بالغرض ، لذا تعذّر على الكثيرين من المندائيين مغادرة ايران او العراق لهذه الاسباب وغيرها.

واخيرا ستعلن كل من بلاد الرافدين وبلاد فارس بعد زمن ليس ببعيد:
(( بعد وجود دام الاف السنين على هذه الارض ، نعلن اليوم ,, المندائية ديانة منقرضة ,,)) ..!!

المصادر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جيووايد نغرين ـــ عناصر رافدية ـــ1961.
كونتجن ـــ الديانة المندائية ــ 1960.
ايثيل ـــ س ـــ دراور ـــ المندائيون في العراق وايران ــ لندن ـــ1962.
يورن ـــ ج ـــ باكلي ــ مع المندائيين في ايران ـــ 1996.
غراند رابيدز ـــ احوال الصابئة المندائيين ـــ ميشيغان ــــ2002.
مكتب الديمقراطية وحقوق الانسان ــ وزارة الخارجية الامريكية ــ تقاريرــــ 2004.
المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ، ومكتب الحريات الدينية /الشرق الاوسط ــــ الجمعية العامة للامم المتحدة .
يورن ـــ ج ــ باكلي ــ المندائية في النصوص القديمة والحديثة ــ اكسفورد ــ2002

About عضيد جواد الخميسي

كاتب عراقي
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.