بدرية البشر
حظي خبر القبض على سيدة تقود السيارة في أحد شوارع المدينة المنورة بتعليقات ساخرة من جمهور «تويتر»، فتساءل عن غرابة القبض على سيدة تقود سيارة بصحبة أطفالها وزوجها في حين لا يقبض عليها حين توجد مع رجل غريب يقود سيارتها عنها! ثم تساءل فريق آخر عن التهمة الموجهة للمرأة، فجاءه الجواب ساخراً «خلوة غير شرعية مع سيارة». يتجدد الحديث عن قيادة المرأة السيارة في السعودية كلما ظهر خبر من هذا النوع، لا سيما أنها لا تتوقف، فمرة نقرأ عن امرأة تقود سيارة كي تنقذ زوجها المصاب، ومرة تُضبط سيدة «حامل» تقود السيارة بعد أن دهمتها الرغبة في قيادة السيارة نتيجة تغيرات هرمونية تسمى «الوحام»، أو حين تعرضت مراهقات لحادثة مرورية في الصحراء وهن يتدربن على قيادة سيارة. حتى الإعلام الغربي دخل معنا على الخط وصار يراه موضوعاً قابلاً للسخرية، فقد اقترحت إحدى القنوات الفرنسية في مشهد تصويري إلباس السيارة التي تقودها المرأة «عباءة» سوداء، وهكذا نكون قد حصلنا على سيارة محجبة أيضاً، كما أطلقت التباشير بحل هذه المعضلة بعد الإعلان عن اختراع سيارات لا تحتاج لسائق بل تقود نفسها.
وقد طرحت على جمهور «تويتر» سؤالاً قد يواجهنا حال استيرادنا هذه السيارة وهو «أين ستركب المرأة في هذه السيارة في المقعد الأمامي أم في المقعد الخلفي؟»، فجاءني الجواب الحقيقي من المعارضين قيادة المرأة السيارة «تجلس في البيت».
أزمة منع المرأة من قيادة السيارة ليست هي الأزمة الحقيقية التي قد تنتهي عندها مشكلات النساء كما يتحجج بعض الناس وهذا صحيح، فوجود المرأة لا يتجاوز 13 في المئة في قوة العمل السعودية، بمعنى أن البطالة في قوة العمل النسائية هي 87 في المئة، كما أنها لا تحصل على الأجر نفسه في سلم الرواتب، وفي سلم القضاء لا تتساوى المرأة والرجل، فديتها نصف دية الرجل، وحين تَقتُل المرأة زوجها تُقتَل، لكن حين يَقتُل الرجل زوجته لا يُقتَل، ويحق للوالد أن يزوج ابنته حتى ولو كانت طفلة قاصراً، وحتى وهو لا يصرف عليها قرشاً واحداً، ولا تزال المرأة ناقصة الأهلية، فلا تتعلم ولا تعمل ولا تتزوج ولا تتنقل إلا بموافقة من ولي أمرها حتى ولو كان ابنها، بسبب كل هذا غدت رؤيتها تمسك بمقود السيارة أمراً مثيراً للرعب بل ومستحيلاً!
احتاجت هذه القضية في فترة توغل الخطاب الصحوي لمعالجة فلسفية شعبية، لا سيما بعد قرار منع ومعاقبة الأربعين سيدة اللاتي قدن سياراتهن في شارع بالرياض في عام 1990، فظهر خطاب يثني على القرار ويفسره ويؤكد أنه ما جاء إلا لتكريمها، وقال أحد الخطباء في خطبة مسجلة إنه عندما سئل في الغرب لماذا لا تقود المرأة السيارة لديكم، أجاب: وهل الملكة لديكم تقود سيارة؟ المرأة لدينا لا تقود سيارة لأننا نعاملها كملكة، وقد أعجب هذا الجواب الكثيرين، فراحوا ينادون المرأة السعودية منذ ذلك اليوم بالملكة، لكن طبعاً هذه الملكة لو أرادت أن تدرس أو تتعلم أو تسافر فإنها لا بد من أن تأخذ إذناً من الأمير فيليب أي زوجها، وإن غاب فابنها، وإن غاب الاثنان فلا بأس بالسائق، فقد أخبرتني إحدى السيدات أن الشرطة أمسكتها تقود السيارة وزوجها غائب، فجعلوا السائق يوقّع تعهداً بعدم السماح لها بقيادة السيارة التي هي سيارتها طبعاً. أمس عثرت على صورة لملكة بريطانيا وهي تسوق سيارتها «الرنج روفر» فنشرتها في «تويتر»، وأعلنت سقوط حجة أن الملكة لا تقود سيارة، لكن جمهور «تويتر» انشغل بالحديث حولها وقال عنها حلوة… السيارة طبعاً!
نقلاً عن صحيفة “الحياة”