السبت الماضي ظهر الدكتور وليد المعلم بعد طول غياب ليقول للعالم، ومنه أميركا وروسيا، إن اتفاق جنيف حول سوريا خال من أي إشارة إلى تنحية الرئيس الأسد. وهذا صحيح، ولكن فلنتذكر ثلاثة أشياء حدثت في المدينة السويسرية: حضرت الأمم مؤتمر جنيف حول سوريا وغاب عنه المعني الأول: الوسيط الأممي (والعربي) كوفي أنان، مما حدا بوزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد إلى أن يقف في المؤتمر ويطرح سؤالا واحدا: أين كوفي أنان؟
أمران آخران بعد الاتفاق: تحدثت وزيرة خارجية أميركا هيلاري كلينتون عن ضرورة ذهاب الأسد، وبقي سيرغي لافروف صامتا.. لم ينف ولم يؤكد.. لم يهدد.. لا شيء. مضت بعدها فترة والسيد أنان يمنح العالم والمصورين والمصورات ابتسامته وصمته، وأميركا تتحدث عن ذهاب الأسد وسيرغي يقول – ثم بوتين – ثم ميدفيديف – إن بقاء أو ذهاب الأسد ليس هو المسألة. لا إشارة إلى اتفاق جنيف.. لا إشارة لبنوده.
المعلم هو أول مسؤول معني يجزم في الأمر.. وهذا صحيح، لكن لماذا غاب أنان ذلك الغياب المشبوه ولماذا أكدت كلينتون ولماذا تغاضى وصمت سيرغي على الرغم مما عرف عنه من طلاقته في السراء وفي الضراء وكثرة الهراء؟
تعقد الاتفاقات؛ عادية أو استثنائية، من أجل إلزام موقعيها بشروحها وبنودها والمحاسبة على خرق أي منها.. فهل كان الأهم في اتفاق جنيف، تواطؤ أميركا وروسيا على الغموض والإبهام في أهم موضوع مطروح في القضية السورية؟ لماذا تحدث الروس طويلا عن عدم أهمية التنحي ثم وقف سيرغي يقول بعد أشهر إنه ليس في إمكان أحد إقناع الأسد بذلك؟ لماذا لم يثر الأميركيون أو الروس مرة اتفاق جنيف؟ ولماذا أوحى الأخضر الإبراهيمي في آخر أحاديثه أن الاتفاق يقضي – وإن يكن لا ينص – بخروج الأسد، مما حمل الرئيس السوري على الظهور في الأوبرا، عارضا خطة جديدة «للحل»، هي ترجمة للخطة الإيرانية ولا إشارة فيها إلى اتفاق جنيف أو بحيرة جنيف أو حياد سويسرا أو رحلات كوفي أنان في كل المدن إلا جنيف يوم مؤتمر سوريا؟
قبل الوصول إلى أي اتفاق – حتى بين بقَّالين – لا بد من حضور لجنة الصياغة، لأن أي اتفاق هو في نصه لا في نواياه.. فالنوايا جميعها معروفة للجميع. لذلك تضمن النصوص عدم التنصل والتراجع والإخلال والكذب. فإذا أكثر من 50 ألف قتيل، ودمار أكثر من نصف سوريا، وثلوج الأردن تطمر الأطفال، والعالم معلق بذنب اتفاق جنيف.