تابعت قدر إستطاعتي مقالات الكتاب العرب المقيمين في الغرب حول مسلسل الرعب والجريمة المروّعه الذي واجهتها باريس والتي هتف المجرمون بانها إنتقاما لسخرية المجله من الرسول وراح ضحيتها ما يزيد عن 15 إنسان.. راعني التذبذب في إدانة هذه الجريمة.. ومحاولة تبريرها بمحاولة التأكيد على إحترام جميع الأديان وتقديسها وعدم التطاول أو المساس بأيها.. وبأن تتوقف هذه الحرية عندما يتعلق الأمر بالأنبياء والرسل ؟؟؟؟
وبأن جرائم الغرب في بلادنا لا تعد ولا ’تحصى.. الأمر الذي أخذني لذكريات أخرى منها فاجعة 11 سبتمبر 2001.. حين تطوعت ( بلا أجر) لتقديم برنامج في قناة المستقله.. وأستمريت في تقديمه ( حوالي 12 حلقه ) إلى أن حصلت جريمة سبتمبر 2001.. في تلك الحلقة سمعت كل أشكال التبريرات ولكن ما أذهلني كان التفشي بالجريمة وإنعدام الرابط والتعاطف الإنساني مع ضحاياها.. الأمر الذي جعلني أقرر بعدم صلاحيتي كمقدمة عليّ الإلتزام بالصمت..خاصة وأنا أستمع لخطاب مشحون بالكراهية والتعصب.. لإيماني بأن تبرير الفاجعة بفاجعة أخرى ينفي التعاطف الإنساني و’يبرر جريمة بأخرى ويعيدنا إلى دائرة مغلقة من الإنتقام.. وقررت أن لا أصمت…
الأمر في جريمة باريس يختلف قليلآ..حيث تعلمنا شيئا من الديبلوماسية وعليه لم نسمع بأي تبريرات واضحه ولا أي من خطابات الكراهية والتعصب الذي عهدناه.. ولكن وعلى نفس المستوى لم نسمع بخطاب إدانة كاملة… بدليل أن بعض الكتاب يرفض مشاركة المسلمين في التظاهرة المزمعة غدا للتنديد بالجريمة والتعاطف مع ضحاياها برغم تأكيد الرئيس الفرنسي بعدم دعوة اليمين المتطرف للمشاركة وتأكيد رئيس الوزراء مانويل فالس بأن فرنسا في حرب ضد الإرهاب وليس ضد دين ما..
ما لا حظته…أننا نحن المقيمين في الغرب ونتمتع بحرية التعبير إلا أننا لا زلنا نحمل في أعماق أعماقنا رقابه ذاتيه خاصة وحين يتعلق الأمر بالرسل والأنبياء.. برغم المعلومات المتاحة لنا الآن والتي كان من الأولى علينا محاولة فتح حوار فيها.. فتحت تأثير ثقافتنا نتجه أولآ لمحاولة التبرؤ من الجريمة.. ثم محاولة التبرير لها لنتخلص من الإحساس بالذنب..ثم التخلص من المسئولية.. وكأننا لسنا بمواطنين قد يطولنا هذا الإرهاب تماما كما طال الشرطي الفرنسي المسلم..
الأمر الآخر الذي إستعمله البعض من الكتاب.. تبريرا ضمنيا للجريمة.. عدم التطاول على الأديان بينما نعلم جيدا بأن حرية التعبير والتطاول الشخصي والسخرية والتهكم حتى على المسيح نفسه وموسى ومريم.. امر عادي في الغرب ولا يعاقب عليه القانون.. العقاب فقط في حالة أن ترتفع حدة هذا التطاول إلى عنف…
بالأمس وبينما كنت أستمع لإحدى القنوات البريطانية المعروفة بفتح كل أشكال الحوارات.. قال أحد المستمعين في إتصاله بالقناة.. بأن تشارلي ( ’قتل في الجريدة ) قال ” بأنه يفضل الموت على أن يصمت ” وعليه فهو يعلم بمدى خطورة إستفزازه للمسلمين برسوماته الساخرة.. بمعنى أنه يستحق ما ناله.. رد المذيع بكل بساطه.. أنا أيضا لا يعجبني ما تقوله وعليه فأنا سأقتلك…
بمنطق هذا المتصل.. فإننا نعود إلى شريعة الغاب مرتين.. الأولى.. حين نعمل بالإنتقام الفوري وقتل كل صاحب رأي لا يعجبنا.. والثانية أننا نلغي تطورنا البشري والحضاري بعدم قدرتنا على التحمل…فإذا كان هذا هو منطق مسلمي القرن الحادي والعشرون… ألا يحق للسلطات الغربية التدقيق في هدف تعمد المسلمين اللاجئين في الوصول إلى الغرب والذي نعلم ’مسبقا بأنه يختلف عنا ثقافة وتفكيرا وحرية ؟؟؟؟ ما هو الهدف من مخاطرة الآلآف من المسلمين بحياتهم وأرواحهم في سبيل الوصول إلى الغرب.. هل هدف الهروب من عدم الأمان في بلادنا الإنتقام بزعزعة أمنهم وإستقرارهم ؟؟ أم بهدف فرصة جديدة لحياة كريمة في ظل قانون يساوي ويعلو على الجميع ؟؟؟
الجريمة التي حدثت في باريس.. لن ’تغير شيئا من مستوى الحريات في المجتمعات الغربية.. ولكنها تضيف جريمة أخرى بحق المسلمين المعتدلين وهم الأغلبية والإسلام كدين.. ويجب ان تكون بداية لإعادة النظر في كل الٍمسلّمات الدينينة التي إستمرأها خطباء الكراهية والتعصب.. وبداية لكل المعتدلين برفع أصواتهم والتضامن مع الضحايا بلا تردد والإعتراف وبدون مواربة بأننا بشر مثلنا مثل بقية بشر هذا العالم.. ولسنا خير أمة أخرجت للأرض وبأن الإسلام دين مثل كل الأديان.. ولا يعلو على أي منها.. وبحرية كل شخض في إختيار الدين الذي يناسبة.. وليس كافرا.. وبأن قتل أبرياء من أجل تقديس النبي بينما هو الذي قال ما أنا إلا بشر مثلكم جريمة كبرى.. ’تضاف إلى سجل جرائمنا حتى بحق مسلمينا الذين يستميتون في محاولة الوصول إلى الغرب بحثا عن لقمة عيش لأن تداعيات هذه الجريمة ستقف حجرة عثره في طريق قبول لجوئهم.. في كل العالم وليس فقط في أوروبا…
نعم علينا الإعتراف بأن كل من ذهب من مواطني الغرب للجهاد في صفوف الدولة الإسلامية أو القاعدة ماهو إلا إرهابي متشدد..وبأن هناك خلل سياسي.. وخلل فقهي.. الغرب لن يتدخل في أي من تلك الدول في حال إستقرارها السياسي والأمني.. لأن الغرب معني بحماية مصالحه وحماية مواطنيه.. وغير مسؤول عن إقناع مواطني هذه الدول بجدوى الديمقراطية على المدى القصير والبعيد.. نعم نحن مواطني الغرب والذين يزيد تعدادهم على 10 ملايين من أصول عربية ساهمنا في مثل هذه الجريمة بسكوتنا عن تزايد أعداد المتطرفين.. بسكوتنا حين سماع خطب الجهاد والتعصب الأعمى.. سكوتنا وعدم تبليغ السلطات بنيات سفر البعض للجهاد ؟؟؟ وكما يرفع فئة من الغربيين أصواتهم وأقلامهم للدفاع عن حقوقنا نحن أيضا مسؤولين أخلاقيا وضمائريا عن توصيل رسالة سلام وتفاهم في ذات الوقت الذي نتواصل فيه إيجابيا مع الحكومات الغربية لإيجاد طرق اخرى تحمي فيها مصالحها بدلآ من المساهمه العسكرية..إن القاعدة وداعش وجبهة النصرة وأنصار بيت المقدس وبوكو حرام ليست صناعة إستعمارية غربية… بل هي منظمات إرهابية وصناعة محلية ساهم فيها غباء غربي بالتعاون مع انظمة مستبدة.. ورجال دين بلا دين..
إن الدعوة لعدم المشاركة في تظاهرة التنديد بالإرهاب غدا..ستؤكد بأن المسلمون لن يلتزموا بقانون حرية التعبير.. بما يعني الإنتظار لجريمة أخرى مماثله… إضافة إلى أنها قد ترمز إلى تبريرا ضمنيا للجريمة.. ولكني أؤمن بأن هذه المشاركة وبرغم أنها ليست إجبارية.. إلا أنها واجب أخلاقي.. للدولة التي منحتنا الحق والحماية والمساواة.. وتعاطف إنساني بالدرجة الأولى.. وتأكيدا قاطعا للحق في حرية التعبير.. حتى وإن لم تعجبنا….
المصدر ايلاف