هناك فرق جوهري بين (المسلم) وبين (المتأسلم) ويُسمى كذلك (الإسلامي)؛ فالمسلم هو الإنسان المؤمن بالله، وبأن محمداً عبده ورسوله، ويقيم الصلاة، ويصوم رمضان، ويُؤتي الزكاة، ويحج البيت متى ما استطاع، وسنحت له الظروف؛ فهو إذا حقق هذه الشروط وآمن بها دخل في دائرة الإسلام، وأصبح دمه وماله وعرضه حراماً. أما المتأسلم فهو مسلم في الأصل، لكنه يعمل على أدلجة الإسلام، وتحويله من دين إلى أيديولوجيا سياسية تحكم الفرد والمجتمع، ويعد الممارسات الدنيوية التي عرفتها العصور الإسلامية منذ عصر النبوة وحتى الآن فرضاً وواجباً، لا يصح إسلام المسلم إلا بها. رغم أن من يقرأ تاريخ الإسلام منذ نزل على محمد صلى الله عليه وسلم وحتى اليوم، يجد أن الثوابت التي أجمع عليها المسلمون طوال عصورهم وبمختلف طوائفهم وتفرعاتهم هي الأركان الخمسة التي هي بمنزلة الحد الفاصل بين المسلم وغير المسلم؛ وهذا ما نص عليه الرسول عندما سأله الأعرابي عن ماهية الإسلام في الحديث الصحيح المشهور، فحصرها في هذه الأركان الخمسة، واعتبر ما عدا هذه الأركان ضرباً من ضروب التطوع في قوله للأعرابي نفسه بعد أن بين له أركان الإسلام الخمسة: (إلا أن تتطوع)؛ إضافة إلى حديثه المعروف عن تأبير النخل -تلقيحها- عندما رجع عن نهيه عن التأبير بقوله: (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، غير أن الحركات الإسلامية المسيسة، الماضية والمعاصرة أبت إلا توسيع أركان الإسلام، وإقحامها في القضايا المجتمعية والسياسية، لاستغلالها إما للسيطرة السياسية أو لتكون وسيلة للثروة وتلمس ما يؤدي إلى الجاه والسلطة والسطوة على الآخرين.
ومن يقرأ تاريخ الدول المسلمة التي يسمونها بالإسلامية بعين فاحصة، لا تتوقف عند ما هو ظاهر على السطح، وإنما تغوص إلى الأسباب والدوافع، منذ المسلمين الأوائل والفترة التي سموها بـ(الفتنة الكبرى) في القرن الأول، وحتى ما جرى ويجري في العصور الحديثة من فتن واضطرابات أمنية وقلاقل ودماء، سيجد أن ما يجمع بين سلف الخوارج وخلفهم في العصور المتأخرة هو محاولة هؤلاء وأولئك امتطاء الدين لغايات دنيوية محضة؛ ينطبق ما أقول على الخوارج في القرن الأول كما ينطبق ذلك على المتأسلمين الذين يسيسون الحلال والحرام والإيمان والكفر حسب أهوائهم في عصرنا الحاضر؛ والعامل المشترك الذي يجمع بين كل تلك الحركات هو (التأسلم السياسي)، وليس الإسلام الذي حصر ماهيته الرسول في حديثه للأعرابي.
ولا أعتقد أن هناك طريقة يمكن أن تؤتي ثمارها لتجديد الخطاب الديني ليكون مواكباً للعصر إلا إذا (نزهنا) ثوابت الدين عن المتغيرات الدنيوية، فلا نبحث عن حلول مسائل الدنيا فيما كان يفعله السلف في دنياهم، وإنما في ما تتطلبه المصلحة والمنافع الدنيوية، بحيث ندور معها حيث دارت.
ما لم نفعل ذلك في حياتنا فإن كل محاولاتنا لإصلاح خطابنا الديني الموروث ستبوء بالفشل وتذروها الرياح.
* نقلا عن “الجزيرة”