في اليوم التالي، كتبت مقالاً – شديد اللهجة – حذف مدير التحرير الراحل الزميل اللبناني «سليمان فليحان» ثلثه لقساوة مفرداته ضد الادارة الأمريكية، ولعل اخف سطر فيه هو: «كنت أتمنى لو كان مقر المارينز في بيروت اعلى بقليل من بناية الامباير ستيت ليكون عدد ضحايا المارينز بعشرات الآلاف»!! بعد ساعات من صدور «الوطن» – وبها صور القتلى – ومقال «التمنيات المخيفة» التي كتبتها، زارنا دبلوماسي امريكي يعمل في القسم الاعلامي بالسفارة الامريكية، وكنت عند الزميل الراحل «سليمان» مفتعلا معه «هوشة صحافية» بسبب حذفه لثلث المقال القاسي، فجلس، ثم فتح مغلفا صغيرا كان يحمله في يده، واخرج ورقة فولسكاب بها شيء مطبوع بالعربية وآخر بالانجليزية، واخذ يقرأ – بالانجليزية – سطورا عرفت – انا والزميل الراحل – انها من مقالي.. العنيف!! انتهى من قراءته ثم نظر مباشرة باتجاهي قائلا: «هل تؤيد هذا الحادث ضد مقر المارينز في بيروت»؟! قلت له: «نعم»! قال: «وهل تؤيد هذا الفعل لو ان انفجارا مشابها وقع لسفارتنا – هنا عندكم – في الكويت»؟! اجبته: «لا.. على الاطلاق»! فعاد يسأل: «اذن؟ كيف تؤيد تفجير مقرنا في لبنان ولا تؤيده في.. الكويت»؟! قلت له: «لأن لبنان ساحة حرب يتقاتل فيها كل عفاريت الدنيا واجهزة مخابراتها الليبية والامريكية والبريطانية والايرانية والاسرائيلية والخليجية وحتى الجزائرية والفرنسية، وبالتالي، لا مجال للمقارنة بين الكويت ولبنان»!! سكت الدبلوماسي ولم يعلق، شرب قهوته – خلال دقائق – ثم.. غادر!! بعد هذا اللقاء معه بـ49 يوما، اقتحمت شاحنة مفخخة تحمل نصف طن من المتفجرات وثلاثمائة «سلندر غاز منزلي» مبنى السفارة الامريكية في الكويت والتي كان مقرها قرب فندق سفير الحالي وامام مطعم «لونوتر» على شارع الخليج!! كان الانفجار قويا الى درجة ان رجال الشرطة عثروا على «سلندر غاز» سقط قرب الاشارة المرورية في التقاطع الواقع امام فندق سفير بستكي في.. بنيد القار!! و.. يشاء السميع العليم ان يتصادف وجود شاب كويتي داخل مبنى السفارة قاصدا استخراج تأشيرة دخول للولايات المتحدة الامريكية لاستكمال دراسته للماجستير والدكتوراه وهو المرحوم «نجيب الرفاعي»، بينما لم يصب أي دبلوماسي أو موظف في السفارة، وكانوا – وقتها – في سرداب محصن تحت الارض قالوا انهم يقيمون حفلة لأحد زملائهم بمناسبة عيد.. ميلاده!! قتل في هذا الهجوم سبعة اشخاص وجرح 37 آخرين، ثم.. تبعها تفجير سيارة مفخخة في مطار الكويت مات على اثرها وافد مصري، وقنبلة القيت على السفارة الفرنسية، وعبوة ناسفة انفجرت في مركز التحكم الكهربائي على الدائري.. الخامس!! في اليوم التالي، كتبت مقالا – شديد اللهجة ايضا – لكن.. ضد عملية تفجير السفارة الامريكية والفرنسية والمطار ومحطة الكهرباء! بعد ست ساعات، جاءني اتصال من الدبلوماسي الامريكي – ذاته – لم يقل لي فيه سوى جملة: «ألم أقل.. لك»؟! فهل ادرك الآن – القارئ «الذكي.. علي» – بأن الكويت ليست سورية، ووقوفي مع الشيخ حمد بن جاسم في حربه ضد النظام السوري لا تعني وقوفي معه في حربه ضد النظام والشعب في.. الكويت؟! طرق الحياة جبلية متعرجة وليس طريقا سريعا، وحكاية «إما معي او ضدي» التي قالها «بوش الابن».. أكذوبة لا يصدقها.. احد!! ومستحيلة رابعة تضاف إلى المستحيلات الثلاث الغول والعنقاء و.. الخل الوفي!!
٭٭٭
.. في الستينيات – وابان المد الثوري الناصري – كان %90 من العمالة داخل شركات البترول الكويتية في الاحمدي والشعيبة من.. الفلسطينيين الذين هددوا الحكومة – ذات يوم – بأنهم سيغلقون صنابير النفط على أرصفة التصدير ويعطلون الانتاج – برمته – في حال اصدر جمال عبدالناصر أمرا.. اليهم!! الآن، «الاخوان» – أو الحركة الدستورية في الكويت – هددت كل ازلامها بالفصل من العضوية ان هم شاركوا – انتخابا أو ترشيحا – في الانتخابات البرلمانية القادمة!! لماذا لا تشرب حكومتنا – حليب السباع – وترد على تهديدهم هذا باحالة كل القياديين الاخوانية في شركات البترول الكويتية وبقية الوزارات الحكومية الى.. التقاعد مثل اجراءاتها التي اتخذتها – في الستينيات – فيما عرف بـ«سنة.. التسفير» التي شملت المئات من الفلسطينيين، وكان من بينهم المقبور بإذنه تعالى «فاروق قدومي»؟! لقد وصلت الروح إلى.. «اللهاث»، فهل نتركها تنسل من.. أفواهنا؟!
نقلاً عن صحيفة “الوطن”.