إلهام مانع
رددها بقوة.
“لم أسمع عن جهة إسلامية تقولها بوضوح: المرتد لا يُقتل ولو طارت عنزة!”
وانا ضحكت لعبارته.
وهززت رأسي مؤيدة ومتفهمة.
معه حق.
آن أوان الحديث الواضح الذي لا لبس فيه.
محدثي هو المدون العلماني المغربي قاسم الغزالي.
كنت أجري معه حواراً ضمن مجموعة الحوارت التي أجريتها في الفترة الأخيرة من أجل كتاب اعد له بعنوان “الإسلام السياسي غير العنيف”.
قاسم الغزالي معروف. يمثل شريحة واسعة من شبابنا المثقف الذي لم يعد يقبل بإسلوب دوخيني ياليمونة في الخطاب الديني، ذاك الذي لايجرؤ إلى يومنا هذا على التحيز للإنسان وكرامته.
كنا نتحدث عن الفتوى التي أصدرها في شهر فبراير من العام الجاري المجلس الأعلى للإفتاء المغربي، التي اعتبرت أن المرتد الذي يقتل، هو الخائن الذي خرج على الجماعة ويكون في مثابة من يحارب المسلمين، أي أن الحديث عن الارتداد السياسي لا الفكري.
ورغم احترامي لكل بادرة تسعى إلى الخروج بنا من الَنفق الديني المظلم الذي نعيشه اليوم، ومن بينها هذه المحاولة من قبل المجلس الأعلى للإفتاء المغربي، فإن الغزالي لديه حق عندما يقول إن هذا الخطاب لا يكفي.
هو يبحث عن خطاب واضح مباشر لا لبس فيه.
المرتد لا يقتل.
وبس.
نقطة. بدون “ولكن”.
لا نلف ولا ندور.
ولد الإنسان حراً.
وحريته مسؤوليته.
ولذا فإن من حقه أن يختار الدين الذي يريد، يتحول من الإسلام إلى دين آخر، أو إلى اللادينية والإلحاد.
حقه. شأنه. مسؤوليته.
نقبلها ولا نحول الدين إلى أداة قمع تفرض نفسها على الإنسان رغماً عنه.
دُولنا تدفس الدين دفساً في بلَاعيمنا.
تحولت مع إصرارها على عقاب كل من يمارس حقه في حرية الدين والتفكير، إلى راعية للكهنوت، تقول للمتحول دينياً أو اللاديني، “بل تؤمن غصباً عنك. شئت أم أبيت، ورِجلنا فوق رأسك”.
وسلوكها يظهر لنا هشاشة هذا النوع من الدين، مادامت تصر على ترهيب من لايريد أن يؤمن به.
أي دين هذا الذي يهدد من لايريد الإيمان به بالعقاب؟
دين أم كهنوت؟
هل تذكرن تلك الأفلام التي كنا نراها عن عصر النبوة، والكيفية التي كان فيها أهل مكة يعاقبون من لايؤمن بأديانهم؟
من كان يصر على “احد، احد”، كانوا يقتلوه.
وبنفس النسق، من يقول اليوم “لا أؤمن بأحد” يعاقب بطريقة أهل مكة، بالقتل أو السجن.
هو نفس المنطق، نفس المنهج، مع اختلاف الزمان والقاتل.
تلك الفتوى عبرت لنا بوضوح عن طبيعة الأزمة التي يمر بها الفكر الديني الإسلامي.
يعيش في فقاعة زمنية تنتمي إلى زمن غير زماننا. يُجتر تفسيرات فقهاء عاشوا في القرون الوسطى، ويصر على انه مجدد، رغم أنه يدور في دائرة مفرغة، لا يجرؤ معها على اختراق دوائر التفكير المغلقة، أهمها تاريخية وبشرية النص الديني.
هذه الأزمة تجلت لنا في أبهى حللها في الجدل الذي اثير بسبب تصريحات الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الأخيرة ـ تحديدا في 13 أغسطس من العام الجاري، وهو اليوم الذي تحتفل به المرأة التونسية بعيدها.
شدد الرئيس المخضرم على ضرورة إجراء مراجعات قانونية من شأنها أن تساوي بين الرجل والمرأة في الميراث وأن يسمح لها بالزواج من غير المسلم.
قامت الدنيا ولم تقعد.
صراخ ونفير.
لم نسمع هذا الصراخ عندما باعت داعش النساء في أسواق النخاسة في العراق.
وهي مفارقة لها مغازي بالطبع.
ماعلينا.
قامت الدنيا إذن ولم تقعد.
لا مساواة فيما يتصادم مع “أحكام الشريعة”.
هذا رأي الأزهر.
يتحفنا برأيه كعادته.
أعتبر ما قاله السبسي كما اعتبره الكثير من شيوخ التأسلم الديني في تونس خروجاً عن الإسلام.
لأنه يدعو إلى المساواة!
كأن الأسلام في رأيهم يقوم على التمييز والعنصرية.
أحكام الشريعة، التي يحدثنا عنها الأزهر كثيرا، تنص ايضاً على القبول بسبي النساء في الحروب “الشرعية”.
هل نسينا موقف إحدى أعلام الأزهر النسوية د. سعاد صالح وفتواها الشهيرة التي اعتبرت فيه إن سبي النساء في الحروب ضروري لإذلال أعداء الإسلام”.
وهي تقول إننا إذا دخلنا في حرب مع إسرائيل فُيمكننا فعل ذلك في نسائهن!
نسبي الإنسان.
تأملن!
الإنسان.
والغريب أنها عبرت عن هذا الرأي في الوقت الذي كانت فيه داعش تسبي النساء الأيزيديات في العراق!
و تقولون إن داعش لاتمثلنا؟
“لا نَستطيع مخالفة ما ورد في القرآن من نصوص واضحة”، خرجت علينا أصوات أخرى معترضة.
فعلاً؟
كيف نتعامل إذن مع النصوص التي تقول لنا بقطع الأيدي والأرجل من خلاف؟
كيف نتعامل إذن مع نصوص “ماملكت أيمانكم؟”
كيف نتعامل إذن مع نصوص التعامل مع أهل الكتاب و أن ” “يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون؟”
كيف نتعامل إذن مع النصوص الداعية إلى قتل المشركين “فأقتُلواا الْمُشْرِكِينَ حَيْث وجدتموهم؟”
كيف نتعامل إذن مع نصوص “إنما المشركون نجس”؟
كيف نتعامل إذن مع نصوص “واضربوهن” عند النشوز؟
أسأل وأنا أعرف جواب من سيرد، سيقول هذه أحكام الله، يتم تطبيقها عندما تتهيأ الظروف للدولة الإسلامية، ولا نجادل فيها.
بل نجادل فيها.
ونصر انها قواعد وآيات لا مكان لها في أية دولة حديثة تحترم الإنسان ومفاهيم المواطنة المتساوية.
ونصر أن تأسيس الدولة الإسلامية المُطبقة لأحكام الشريعة كما يروج لها فكر الأزهر والفكر الإخواني والسلفي هو الطبعة الأصلية للدولة الإسلامية التي طبقتها داعش.
هذه الدولة لامكان لها في تاريخنا المعاصر. نرفضها قلباً وقالباً.
داعش لم تخرج علينا بأفكارها والقوانين التي طبقتها من المريخ.
سَبت النساء، قطعت الأيدي، صلبت وحرقت الإنسان، روعت الأقليات، هدَمت الأضرحة، طالبت بالجزية ممن لم تقتلهم، رمت المثليين من مبانٍ عالية، هل إبتكرت داعش أي من هذه القواعد؟
هذه بضاعتكم، رَوجتم لها فعادت علينا ومنطقتنا بالكوارث.
الدولة تكون مدنية علمانية.
تفصل الدين عن الدولة.
و تلتزم بالحياد تجاه ديانات وقناعات مواطنيها ومُواطناتها.
ثم تطبق مبادئ الحرية والعدالة واحترام حقوق الإنسان والمواطنة المتساوية.
ولذا فإن المرتد، كما تسمونه، هو إنسان اختار أن يترك ديناً ويتحول إلى اللادينية. وهذا حقه.
والمرأة متساوية مع الرجل في الحقوق والواجبات.
لها الحق في أن تختار شريك حياتها، تتزوج من إنسان، بغض النظر عن دينه.
لها الحق في الميراث، متساوية مع الرجل.
ولو طارت عنزة.
بدون “ولكن”.
ليست هبة منكم/ن.
ليست أريحية تمنون بها علينا.
هي حقوق.
نقطة، بدون فاصلة.
وسنحَولها إلى واقع.
بمُباركتكم/ن أو بدونها.
فالتاريخ قد علمنا أن المستقبل للإنسان، والخير الذي فيه.
لا للكهنوت وثقافته العنصرية.
نشر هذا المقال أولاً على موقع الموجة الثقافية المغربية
مواضيع ذات صلة: الهام مانع: لهذه الاسباب تم تكفيري واتهامي بالخروج عن الاسلام