د. اكرم هواس- اكاديمي عراقي- الدنمارك
هناك كلام كثير عن المرأة هذه الأيام… الكلام ليس جديدا فقد مضت بضع سنوات منذ ان انتشرت أفكار باراديم الديمقراطية و حقوق الانسان و المجتمع المدني…الخ…من السطحيات غير المرتبطة بالواقع…. الغريب ان الشعارات الرنانة قد ربطت … بوعي او بغيره… بين حقوق الطفل و حقوق المرأة …جميل ان يبقى الطفل مرتبطا بالمرأة الأم… لكن ليست كل امرأة هي أم … و الأهم ان المرأة سواء كانت أما فعليا ام أما مستقبليا… او ربما ليست أما بالمطلق لانها لا تنجب او انها لا تريد ان تنجب… او انها حرمت من الإنجاب لانها لم … و ربما لن تتزوج أبدا لأننا ما زلنا ننتظر فتوى بالزواج بعيدا عن الأزمات الاقتصادية التي تتوسع كل يوم و التي تركت الملايين من النساء دون زواج يأخذن أهاتهن من الوحدة و الحاجة الى الحق الطبيعي معهن الى القبر…
بغض النظر هذا و ذاك فان الربط القانوني و الثقافي بين الطفل و المرأة يضعهما في خانة … او طبقة اجتماعية تجمعهم مع العجزة و المتسولين و المهمشين … هذه الطبقية التاريخية التي قد تختلف في طبيعتها عن الطبقية الماركسية … كما يفهمها البعض بأنها تستند الى العامل الاقتصادي… بينما الطبقية التي نتحدث عنها هي طبقية اجتماعية فالمرأة قد تكون غنية و لديها أموال كثيرة شأنها في ذلك شأن ثري من الأثرياء تقعده حالة او عجز بسبب السن…
الطبقية التاريخية الاجتماعية تتعلق بالدور الذي يؤديه هذا الشخص او ذاك و بمدى استقلالية القرار السياسي و مدى تقبل المجتمع لهذا الدور… و اخيرا و ليس اخرا….الوعي الذاتي بهذا الدور و رد فعل المجتمع إزاءه.. و لعل هذا العامل الأخير شهد تغييرا طفيفا في السنوات الاخيرة… باراديم الديمقراطية احدثت هزة داخل عقل الكثير من النساء و بعض الرجال… لكن السؤال عن التغيير لا يجب اختزاله عن شعور البعض و أمنياته … انه يتعلق أساسا بالبنية الثقافية و الاجتماعية العامة في المجتمع…
في ظل هذا الركود الاجتماعي و رغبة التغيير لدى قطاعات مختلفة و منها بعض النساء فان المرأة تقف امام تحديات تشويهية اكثر منها أفكار واضحة حول ماهية و مسار اي تغيير..يمكننا هنا تلخيص بعض اهم التحديات…
اولا.. هناك ميل شديد لنقد مصطلح المرأة لارتباطه التاريخي بتبعية العنصر النسائي للرجل في النظام الاجتماعي و الثقافي و كذلك الاقتصادي و السياسي … او ما اصطلح عليه المجتمع الذكوري… لكن ازاء هذا الميل النقدي الذي يصل ذروته عند مجموعات نسائية الى مستوى الرفض المطلق نجد عجزا مفاهيميا و سياسيا لطرح بديل يؤسس لمشروع نظام اجتماعي يمتاز بتوازن و تناسق بين الواقع الاجتماعي و بين أية رؤية للنظام الاجتماعي..
ثانيا…في إطار هذا النقد و الرفض هناك توجهات تقترب من مفهوم ألفيمينزم الذي خلق الأساس لحركة نسائية تطور في أوروبا و الغرب عي العقود الاخيرة… و لكن هذه التوجات لم تتجرأ في تبني مفهوم و تطبيقات ألفيمينزم لتعارضها الشديد مع قيم و ممارسات ما تزال تحتل موقع القداسة في النظام الاجتماعي السائد..
ثالثا… في خضم نضالاتها و محاولاتها للانتعاق تجد المرأة نفسها مختنقة بين تعريف و وعي ينحو المنحى التنافسي و و ربما البديل لدورالرجل في ساحات العمل و بين اعادة انتاج الدور التاريخي الذيلي عن طريق طرح مبادرات شرعنة زواج الرجل بأربع نساء تحت تسمية القبول الواعي للتضامن مع غير المتزوجات … او القبول بمنظومات زواج مستحدثة تحافظ على الجوهر التقليدي الشرعي لكن ضمن أنماط تتجاوز البنى الاجتماعية مثل زواج المسيار و الزواج فريند و …وو … الخ مما تتمحور فكرتها الاساسية مع زواج المتعة او الزواج العرفي الذي يرفضه النظام التقليدي…كونه يوفر مساحة أوسع لتحقيق الرغبات الجسدية و النفسية بعيدا عن الاطر و الالتزامات التقليدية المغلقة و الباهية الثمن اقتصاديا و اجتماعيا..
رابعا…الإخفاق في إيجاد رابط حيوي بين العمل خارج المنزل و إدارة أسرة… و رغم ان دور المرأة التقليدي في المجتمع النمطي اي المجتمع الرعي و المجتمع الزراعي كان العمل خارج المنزل يعتبر جزءا متكاملا مع مهمات المرأة داخل المنزل….و رغم ان هذه الحالة امتدت حتى بعد ظهور الاسلام و استمرت الى وقت قريب و هي ما تزال مستمرة في الأرياف … فانه يبدو ان الكثير من النساء و بفعل إرهاصات التحول إلى الحداثة و لو بمستوياتها البدائية قد وقعن فريسة وهم كاذب مرده ان الخروج الى العمل يعني بشكل او باخر ضرورة التخلي عن الأنثى داخلهن….. لسبب بسيط و هو ان ارتقاء دور المرأة معناه تجاوز الدور التاريخي في إدارة الاسرة… فالمرأة التي تدير شركة يعمل فيها الكثير من الرجال….. او تعمل ضابطة في الشرطة او الجيش او المخابرات و التي تستدعي الصرامة و الحزم و القلب القاسي تحول دون الحفاظ على القلب الرحيم في كنف الاسرة.. كما ان البحث عن النجاح يستدعي استنفاذ الطاقة الجسدية و النفسية مما يقلل من إمكانية الاحتفاظ بفائض من الطاقة التي تتطلبها إدارة و تربية أطفال…
هذه التحديات أعادت المرأة الى الدائرة الاولى … اي الاختيار بين طلب المساعدة او التعامل مع الرجل كي تستطيع المراة التوافق بين تطوير الذات و الحفاظ على العلاقة الطبيعة ( رجل/امرأة)…. او انها اي المراة تواجه التخلي القسري عن الأنثى في داخلها و التي تشكل الأساس في اختلافها الفسيولوجي و السيكولوجي عن الرجل.. في سبيل تحقيق ذاتها الكينونية…
هذه الدايلاما هي التي تلعب مع عناصر اخرى متعددة في ديمومة الطبقية الاجتماعية التاريخية الى حين من الدهر قد يشهد تغييرات اخرى لا نعرف كنهها.. بينما ظلت التجارب السياسية للمرأة العربية سواء في الحياة البرلمانية او الحكومة او التواجد في الأحزاب او المنظمات المختلفة الحكومية و غير الحكومية او المجتمع المدني أسيرة تحكم عناصر هذه الطبقية التارخية مما يحد بشدة إمكانية المرأة من وضع لمستها ضمن مشروع سياسي اجتماعي بديل للمنظومة التاريخية…
بكلام اخر … رغم المناقشات الكثيرة حول تحرر المراة … لم يبرز لحد الان مشروع نسائي … و لو بشكل بدائي… عن ماهية هذا التحرر و أهدافه و الآليات الضرورية … و ازاء ذلك فانه يبدو للأسف ان المراة ما تزال تتخبط و الرجل ما يزال هو الفاعل الأكبر…و لو اخذنا مساهمات واحدة من اهم رائدات الحركة النسائية العربية و اعني الدكتورة نوال السعداوي و التي قدمت و ما تزال تقدم الكثير فكرا و تجربة في هذا المجال لامكننا من متابعة المشكلات الحقيقية في بلورة مشروع نسائي بديل… لان اغلب الأفكار التي تقدمها الدكتورة نوال و كثيرات غيرها بشكل فردي او من خلال عمل منظمات نسوية او مجتمع مدني او حتى من خلال وظائف عليا في الدولة و البرلمانات او القضاء…. نعم كل ما يقدم لحد الان لا يتجاوز رؤى نقدية لواقع المرأة التاريخي و لتجربتها في المجتمع الذكوري…
و حتى لا نقع في هاوية الاختزال فلابد من التأكيد على ان أفكار الدكتورة نوال السعداوي التي اثرت الثقافة العربية عبر عشرات السنين اكبر من توضع في إطار تقييم بسيط..و هذا يشمل أيضاً دور الكثير من النساء الأخريات المبدعات في مختلف المجالات و اللواتي نعتز بهن…. الا ان ما يهمني هنا في هذه المقالة هو اشكالية مشروع نسائي … ما زال مفتقدا و عليه فان إلانا السياسية للمرأة ما تزال تعاني الغموض الذاتي و الاجتماعي…
مع حبي و احترامي لكل نساء الارض..