من أهم ركائز عمليات ومشاريع التنمية (القراءات) القراءات التاريخية للجذور والهوية ونمط الحياة وطرق التعامل والتعايش بين الأفراد، وكيف كانت وظيفة كل فرد في كل مرحلة من مراحل التاريخ، ولا تخلو مراحل التاريخ من سمات في نمط الإنتاج والثقافة، ومهما كانت أوضاعنا فنحن في حياة دائبة وتطور متواصل تقوده الحاجة والرغبة حتى وإن ضعفت أو انعدمت الوسائل، والحق في الوجود دافعٌ فطري لدى الجنسين من جميع الكائنات، ومميز لدى البشر نظرا للفطرة التي فطر الله الإنسان عليها فالعقل البشري وسيلة إبداع، والروح تعزز ميزان العقل وتدعم الحواس التي تحيي وجود الإنسان حياة شبه كاملة الأمر من خلال التطور والنمو والإبداع اللذان يفرزان بني البشر عن سائر الكائنات الأخرى.
نحن أبناء عقيدة سمحاء راقية، وفريضة “إقرأ.. ونون والقلم” أي أننا أمة علمٍ ووعي ومعرفة ولا يكتمل إيماننا إلا بذلك؛ إلا أن البعض قد جعلوا منا كيانين منفصلين حتى بتنا كيانين متصارعين، وأحدهما يأخذ في بعض الأحيان على جهالةٍ موقع الخصم للآخر في حين أن الحقيقة أننا مكونين يبنيان ويكملان كيان واحد ويستمران في الوجود ما داما معا، وينتهي وجودهما والوجود من حولهما بتخلي أحدهما عن الآخر؛ ونعيد بمنطق العقل لنقول مؤمنين بأننا لسنا في معركة قائمة بين الرجل والمرأة أو بين المرأة والرجل، وكامرأة يعنيني تنمية أسرتي “زوجي وابني وابنتي وأخي وأختي كما عمل أبي وأمي على النهوض بي وتقديمي كشخصية تصلح للنهوض بالمجتمع.. نهضنا بفرد ثم نهضنا بأسرة ومن ثم أفرزت الأسرة من ينهض بالمجتمع إلى جانب أقرانه الآخرين، وفي نهاية المطاف ينتهي إيماننا ببعضنا البعض بأسرة ناجحة ومثالية ومجتمعٍ مستقر.
في المجتمعات الرشيدة يقبل الأب بابنته وكذلك الأم ثم يأخذان بيدها درة غالية على القلوب حريصين على نموها وسلامتها وتميزها حبا وكرامة وحرصاً، وقد يأخذ الأخ المسؤول مكان الأب راعيا ومعيلا ومعينا وحامياً ليوصل شقيقته إلى المجد والعز والفخر، وهي بدورها ترد العطاء بالعطاء والحب بالحب حامية لأسرتها معززة مكانتها.
يبدأ إعداد المرأة بتنمية وإعداد الابنة والأخت والابن وسيتولون جميعاً المسؤولية ذاتها في الجيل الذي سيليهما وما بعده حتى نصل إلى مجتمع يؤمن بمكانة المرأة الأم والأخت والزوجة والابنة ويحملها المسؤولية مؤمناً بقدراتها ومُعولاً عليها في تربية وبناء وقيادة المجتمع ويكون الجميع من حولها سندا وعونا، وتلك هي أهم أشكال التنمية التي تحتاجها المرأة ويحتاجها المجتمع ليست لتنمية المرأة فحسب وإنما لتنمية الفرد الإنسان دون تعريف وبالتالي ينمو المجتمع تلقائياً.
دوافع تنمية المرأة
من الدوافع المعاصرة لتنمية المرأة في الدول العربية والعالم هو استعادة كرامتها ونيل كامل حقوقها المادية والمعنوية، وتأهيلها لتكون حاضرة حضورا فاعلا كاملا يليق بها.. بمكانتها كوالدة أُم ومعلمة مُربيةً مُصلحة، وتختلف أوضاع المرأة في أقطارنا الإسلامية والعربية من قطر لآخر، وفي الدول العربية على سبيل لمثال تتركز دوافع التوجه نحو تنمية المرأة في مسألة التنمية الثقافية والسياسية والاقتصادية تطلعاً نحو الأفضل؛ فيما تتمثل الدوافع باتجاه تنمية المرأة في دولة إسلامية جارة للدول العربية كإيران على سبيل المثال؛ في العمل على تحريرها أولاً، إذ تواجه المرأة الإيرانية العديد من القيود والأعراف التي تسلب حريتها وتعيدها إلى عهد العبودية وتجعل منها سلعة وتواجه إجحافاً قانونياً واجتماعياً، وتتمتع المرأة الإيرانية في المقاومة الإيرانية بحقوق لا تتمتع بها قريناتها في إيران اللائي يواجهن قمعاً وتعسفاً وجوراً على يد السلطة الحاكمة، الأمر الذي يدفعها نحو الانتفاض والثورة من أجل الحرية وخلق أوضاع سياسية اجتماعية جديدة تمكنها وشعبها من صياغة برنامج عدالة اجتماعية شاملة تحترم حقوقها ووجودها ورأيها.
وسائل التنمية
التعليم: مجانية التعليم والقضاء على الأمية تعد الخطوة الأولى على طريق توعية المرأة والنهوض بها، وتوفير فرص التعليم للمجتمع والمرأة بما في ذلك التعليم العالي هو الخطوة الأساسية لتحصين المجتمع ومن ضمنه المرأة قبل النهوض به، كما أن حجم وتنوع مقاعد المرأة في برامج الدراسات العليا يعد تعريفاً ومصداقاً واضحا لنهضة المرأة في مجتمعها.
الثقافة: الثقافة أي نيل المعارف الواسعة بعد إتمام المراحل التعليمية هي القاعدة الأساسية لتحقيق مكانة مرموقة للمجتمع والمرأة وتعزيز دورها ومكانتها بين الأمم، ومن هنا يمكن للمرأة أن تنطلق نحو التنمية والرقي.
التنمية البشرية: وسيلتنا لبناء قدرات من لا قدرة له وتأهيل الجميع لسوق العمل سواء كانوا من ذوي الشهادات العليا أو الأدنى أو من لم يحظى بتعليم كافٍ في حياته ولم يعد بمقدوره ذلك، كما للتنمية البشرية الدور الهام في صقل وإعادة صقل وتنمية قدرات ذوي الكفاءات العالية بما يواكب مسيرة التقدم.
المشاركة السياسية الكاملة: التعليم والثقافة والتنمية البشرية بالإضافة إلى الرغبة والاستعداد مجتمعين هم الوسائل اللازمة للمشاركة السياسية الكاملة فمن خلال تلك الوسائل يمكن تأهيل المرأة لتشارك سياسياً وتأخذ دورها باستحقاقٍ كمشاركة وكقيادية أيضاً تتحمل مسؤولية النهوض بالدولة والمجتمع عن جدارة واقتدار.
نماذج على طريق نهضة المرأة
المرأة الأردنية: المرأة في المملكة الأردنية الهاشمية على الرغم من الموارد والمقدرات الاقتصادية الشحيحة تُعد من أكثر النساء حظا بالمنطقة؛ من حيث الحريات و التعليم والصحة والبيئة والخدمات العامة والمشاركة السياسية الكاملة وكذلك في القيادة السياسية وفي البرلمان والوزارات والسفارات، وقد أخذت المرأة الأردنية فرصتها الكاملة في التعليم بكافة مراحله ولا يوجد ما يعيقها في مسيرتها التعليمية، وكذلك محو الأمية لمن تقدمن في العمر وفاتهن فرض التعليم لسبب ما، وما تسعى إليه المرأة الأردنية من تنمية ليس من باب التعويض وإنما من باب السعي الحثيث نحو النمو والترقي المتواصل والمواكب لكل ما هو معاصر، أما القيادة الهاشمية الحكيمة فتتابع أوضاع شعبها في كل صغيرة وكبيرة ويولي صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني اهتماما كبيراً بحقوق المرأة ومكانتها ومشاركتها السياسية الكاملة وبمبادئ الحريات ويوصي على الدوام بالنهوض بالمرأة والشباب في كافة المجالات وبمشاركة واسعة للمرأة سياسياً، والمرأة في الأردن سفيرة ووزيرة ونائبة وطبيبة ومهندسة ومستشارة وأكاديمية ولها مكانة كريمة في البيت والشارع والعمل والمجتمع، هذا واقعها ولله الحمد وتطمح للمزيد والمزيد وتأمل للمرأة في محيطها العربي والإسلامي النهوض والرقي ومواجهة التحديات.
المرأة العربية: تكمن معاناة المرأة بشكل عام في المجتمعات العربية في فرص التعليم ومحدودية حجم أصحاب الشهادات العليا من النساء وقلة المشاركة السياسية والقيادية، وكذلك قلة تولي النساء مناصب عليا ووظائف مرموقة في القطاعين العام والخاص، ولا تقوم تلك المعاناة على أساس عنصري أو تمييزي ولكن بسبب ما يعانيه المجتمع بشكل عام، وترتكز مسيرة إعادة تنمية وتأهيل المرأة العربية علمياً وفكرياً ومهنياً باتجاه تعزيز قدراتها الاقتصادية وتحقيق أكبر مشاركة لها في الحياة السياسية، وتوفير فرصاً أكثر لها في الحياة العامة أيضاً، ومن المحاسن في حياة ومسيرة المرأة العربية أنها تحافظ على هويتها وتراثها رغم الصعاب.
المرأة التركية: على الرغم من مشاركتها السياسية الجيدة والكاملة أيضاً في الحياة الفكرية والثقافية تكمن معاناة المرأة التركية في الجانب الاقتصادي؛ إذ تسعى المرأة التركية إلى نوع من الاستقلالية الاقتصادية، وتعاني أيضاً من تضرر مفردات الهوية التاريخية بسبب تغريب تركيا الذي قارب المئة عام.
المرأة العراقية: تتراجع مكانة المرأة العراقية بعد أن كانت في مقدمة ركب نهضة المرأة العربية بسبب العملية السياسية التي يهيمن عليها النظام الإيراني منذ أن قامت تلك العملية بعد احتلال العراق عام 2003، وتعاني المرأة العراقية من تبعات حرب الفتنة الطائفية وما أسموها بحرب داعش، حيث تعاني المرأة العراقية الغربة والتشرد داخل وطنها وقسوة المنافي والحياة، وتتعاظم معاناة المرأة العراقية وستبقى لطالما بقيت الأوضاع السياسية الحالية قائمة، ومحنة المرأة العراقية ومعاناتها كبيرة لا تصفها الكلمات، ورغم ذلك فإن طموح المرأة العراقية كبير بحجمها وحجم تاريخها حين تتوفر لها الخيارات.
المرأة السورية: لا تختلف معاناة المرأة السورية كثيراً عن معاناة المرأة العراقية لأن المسبب والقاسم المشترك واحد وهو ضياع السيادة الوطنية السورية وسيادة سلطة الميليشيات الموالية لإيران على وطنها وتشرد ملايين السوريين في الداخل والخارج، وطموح المرأة السورية كبير ومشروع يبدأ بأمل استعادة الوطن والحصول على حريتها من حرية سوريا ونهاية هيمنة الميليشيات على الأراضي السورية.
المرأة الإيرانية: لحال المرأة الإيرانية صورتين متناقضتين؛ الأولى تعبر عن عمق معاناة المرأة الإيرانية في ظل نظام حكم الملالي القائم والتي لا تضاهيها معاناة في دول الشرق الأوسط لِما تتعرض له من ظلم وتعسف وقمع واضطهاد واعدامات وقتلٍ للنساء والفتيات والأطفال والاغتصاب والإكراه والمساس بالحرمات التي صانها العزيز الكريم في كتابه الكريم وقد وصل بهم الحال إلى تسميم فتيات المدارس، وتمتد هذه المعاناة لحقبتين دكتاتوريتين الدكتاتورية المخلوعة ودكتاتورية نظام الملالي الحالي المعادي للمرأة، وتستمر تلك المعاناة ما دامت الأسباب قائمة، والصورة الأخرى لحال المرأة هي صورة المرأة في المقاومة الإيرانية حيث المرأة رائدة وقائدة وأيقونة نسوية عالمية مقتدرة ومتحضرة يقتدي بها نساء العالم، وتسعى السيدة مريم رجوي وهي إمرأة تقود المقاومة الإيرانية وتحظى بتأييدٍ واحترام شعبي وعالمي كبير، تسعى إلى سحق رأس الأفعى في طهران وخلق تغييرٍ بقوة جماهيرية.. تغيير يلبي طموح المرأة والمجتمع في إيران وسيعود ذلك بالخير على المنطقة أيضا.
وباختصار شديد أرى أن نهوض مجتمعاتنا ودولنا مستهدفة من قوى معادية، وهنا أذكر بأن المسؤولية التي توضع على عاتق المرأة كبيرة، وإن شاء الله المرأة العربية على قدر المسؤولية وجديرة بالتقدير والاحترام من مجتمعها وقيادتها السياسية التي لن تبخل عليها بالدعم والاسناد.
النائبة: د. زينب البدول – رئيسة لجنة المرأة وشؤون الأسرة النيابية/ الأردن