عبر التاريخ وفي معظم البلدان، المعارِضون والسياسيون المُتمرّدون على الحكّام غالباً ما يجري اعتقالهم أو قتلهم وتصفيتهم، وهذا كان قدر الأخوات ميرابال الثلاث اللواتي تمّ اغتيالهنّ بطريقة وحشية في عهد نظام تروخيلو فقد كنّ معارضات سياسيات لنظامه في دولة الدومينيكان في جزر الكاريبي. وعلى أثر هذه الحادثة، ولأنّ العنف ضدّ المرأة هو انتهاك لحقوق الإنسان، طالبت ناشطات نسويات في العالم برفع هذه القضية للأمم المتحدة للعمل على نشر ثقافة القضاء على العنف تجاه المرأة، وجرى اعتماد يوم 25 تشرين الثاني (نوڤمبر) من قِبَل الجمعية العامة للأمم المتحدة يوماً لمناهضة العنف والتمييز ضد المرأة تكريماً للأخوات ميرابال.
ورغم كل النشاط الذي تقوم به الكثير من الجمعيات الثقافية والحركات النسوية والناشطات في مجال حقوق الإنسان وقضايا المرأة، إلاّ أنّ العنف ضد المرأة ما زال يشكّل معضّلةً حقيقيةً لم يوجد لها حل نهائي بعد، إذ يعاني عدد كبير من النساء في العالم من العنف الجسدي والمعنوي والتمييز ضدّهن وحرمانهن من أبسط حقوق المساواة مع الرجل والعيش الكريم، وتلعب السياسة والدين دوراً مهماً في توطيد هذا التمييز ضدّ المرأة لاسيّما في العالم العربي وبلدان الشرق الأوسط حيث قوانين الأحوال الشخصية تحكم لصالح الرجل وتظلم المرأة في معظم القضايا.
من هنا، وانطلاقاً من معاناة النساء، فلطالما كانت هذه المعاناة تتضاعف ويزداد العنف ليصل أوجه في الحروب والظروف السياسية السيئة لأي بلد، وبهذا، فقد كان للمرأة السورية نصيب من هذا العنف والمعاناة، ولا بدّ إذاً من الوقوف عندها وتسليط الضوء على واقع المرأة السورية بعد سنوات الحرب وهي التي تُعتَبَر بحدّ ذاتِها عُنفاً أقسى وأشد من كل أنواع العنف ضدّها لما آل إليه وضعها من النواحي المادية والنفسية والجسدية.
لم تترك الحرب خياراً للسوريين بشكل عام رجالاً ونساءً وأطفالاً، فقد أخذتْ منهم كل شيء بدءاً من الحياة الآمنة والمسكن والمال وحتى الأرواح. بهذا، فقد كانتْ النتيجة مروّعة لاسيّما على أُسَر فَقَدتْ أباً أو زوجاً أو أولاداً، وما أكثرهم في هذه الحرب الشرسة، فهناك أُسَر بأكملها فُقِدَت سواء بالموت بسبب القصف أو الاعتقال أو الاختفاء القسري أو الخطف وغيره، كما تفرّقتْ بهذا أُسَر كثيرة أيضاً.
وَجَدتْ المرأة السورية نفسها المعيلة الوحيدة لأسرتها وأطفالها بعد فقدان الزوج، فذهبَتْ للعمل في أي مجال كي تستطيع تسديد مصاريف رعاية أطفالها ومأكلهم وملبسهم وإنْ استطاعَتْ فتعليمهم، وقد لجأت الكثير من الأمهات إلى تدريس أطفالهن في البيوت بعدما فقدن الأمل بإمكانية استمرار إرسال أولادهن إلى المدارس وتسديد مصاريفهم في ظل الواقع الاقتصادي المتردّي للبلاد جرّاء الحرب وارتفاع الأسعار في غلاءٍ للمعيشة لم يسبق له مثيل، وقد حذّرتْ الجمعيات الإنسانية كما المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من كارثة إنسانية تقع على عاتق المرأة السورية التي بقيَتْ مع أطفالها تواجه المشقّة والانتهاكات والتشرّد في مخيّمات اللاجئين، تعاني الفقر والعزلة وقلق تأمين رعاية أطفالها وحفظهم.
ولا يُستَثنى طبعاً الرجل من هذه الانتهاكات إذ يعاني السوري رجلاً كان أو امرأةً، طفلاً أو كهلاً، من الانتهاكات سواء في مخيّمات اللاجئين أو في الداخل السوري في المناطق الساخنة وغيرها. مع هذا، فقد أثبتتْ المرأة السورية مقدرةً وجدارةً وحكمةً في التعامل مع الظروف ولم تستسلم، فذهبتْ للعمل في شتى المجالات، في الدوائر الحكومية وفي المعامل والمطاعم والبيوت، وتعلّمتْ صنعة تستطيع العمل من خلالها في البيت وهي مع أطفالها كالخياطة وحياكة الصوف، وبعضهن كان يحضّر الطعام لبيعه وغيرها كثير. وقدمتْ المرأة السورية تضحيات كثيرة بدءاً من أولادها كشهداء للدفاع عن الوطن إلى العمل في الجمعيات الخيرية وتحضير الطعام للرجال على الجبهات، كما شاركتْ في وحدات قتالية مُشَكَّلَةً من النساء وذهب عدد كبير منهن شهيدات.
بالمقابل، وككل الحروب، كان هناك آثار سلبيَّةَ كبيرة على المرأة السورية في الداخل وفي مخيمات اللجوء وغيرها، وكحال الكثير من المجتمعات حين يغيب الأمن ودور الدولة والشرطة، تعم الفوضى والاستغلال أرجاء البلاد، ويقع الحمل الأكبر على عاتق المرأة حيث الاستغلال الجنسي والمعنوي، فكانت المرأة هي الضحية وبعدها أطفالها بغياب الأب، فتعرّضتْ للعنف الجسدي والمعنوي بكل أشكاله. وحدثَ هذا في الداخل السوري بسبب جشع التجّار وتردي نفوس البشر بشكل عام، وغيرهم من تجّار الحروب كما حدث ويحدث أيضاً في مخيمات اللجوء، فتُستَغَل الفتيات السوريات أسوأ استغلال ويتمّ بيعهن أو تزويجهن بالإكراه أمام فقدان أي حيلة للرفض.
وبالعودة لليوم العالمي لمناهضة العنف والتمييز ضد المرأة، نرفع صوتنا في هذا اليوم إلى جمعيات حقوق الإنسان والأمم المتحدة ومنظمة المرأة العربية والعالمية للنظر في حال المرأة وما تعانيه كل يوم في كل مكان لاسيما في الحروب. ونُذكِّر أنّ المرأة هي مَن تُربّي النشء الذي سيكون هو الجيل الجديد ويقود البلاد سواء في سورية أو غيرها، وأنّ العنف مسألة لا تنتهي بانتهاء الفعل، إذ يَترك العنف والتمييز أثراً كبيراً في نفس الإنسان الذي تعرّضَ له، ويتحول هذا الأثَر لاحقاً لردة فعل عدائية تجاه المجتمع، وأوّل مَن يتحمّل هذا هُم الأطفال من الأم المقهورة التي تعرّضتْ وتتعرّض للعنف والتمييز ضدها. كما نطالب بتعديل القوانين لاسيما قانون الأحوال الشخصية في سورية وغيرها من البلدان العربية والشرق أوسطية والتي لم تُحقّق بعد مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، وما زالت المرأة تُعاني من الانتهاكات الإنسانية والظلم سواء بشكل فردي أو مجتمعي مع عدم الحصول على حقوقها كافةً ومساواتها بالرجل.
ولهذا، نرفع صوتنا مطالبين بوضع قوانين مدنية تُحقّق العدالة الاجتماعية للإنسان عموماً، وتحمي المرأة من التمييز والظلم الواقع عليها بإعطائها كافة حقوقها بالعدالة والمساواة في ظل نظام علماني ودولة القانون بعيداً عن تشريعات الدين في هذا الخصوص. وجبَ أيضاً إشراك المرأة في كل المجالات التنموية والسياسية والاقتصادية، وفي الندوات الثقافية كي تكونَ شريكةً في البناء كما كانت وما زالت شريكةً في الدفاع عن الوطن وفي المقاومة لظروف الحرب والفقر والعمل من أجل النهوض بنفسها وبأطفالها أجيال المستقبل، وبالتالي بوطنها ومجتمعها.
ريم شطيح – كاتبة وباحثة سورية