جاء الأديب البيروفي ماريو فارغاس يوسا إلى لندن يتفقد أحوال ولده، الذي وضعه في إحدى أشهر مدارسها الداخلية. وجد الابن نحيلا عن عادته، فقال في نفسه لعله أثر النمو والمراهقة. وفي اليوم التالي دعاه إلى الغداء، فألقى الابن عظة حول الامتناع عن اللحوم والبياض من لبن وأجبان وبيض وكل ما ينتج عن الحيوان. لم يدهش كثيرا لتغير الصبي، ظانا أنه انضم إلى فرقة من غلاة النباتيين.
لكن الحبيب بدأ في اليوم الثالث يتحدث عن الالتصاق بالطبيعة والالتزام بحكمتها. ومن تلك الحكم زهرة الماريجوانا، آية الطبيعيات، لأنها تنمو بلا مياه ولا حراثة ولا مبيدات. وبمناسبة المبيدات، قل لأمي إنني لن أعود إلى المنزل إذا استمرت في استخدامها لقتل الصراصير والبرغش وسائر الحشرات. فهي – أي الصراصير والحشرات – سوف تذهب من تلقاء نفسها إذا عوملت بلطف. تلك الليلة استخدم الأب الذي يكتب الروايات والدراميات عن جميع الآباء والأبناء والأمهات – استخدم المهدئ للمرة الأولى في حياته، وهو يفكر كيف يمكن أن يواجه التحول في الابن، غير مدرك أن المفاجأة الحقيقية أبقيت لليوم التالي. فقد لاحظ أن بكره، غونزالو غابرييل يكثر من ذكر راستفاري. وأخيرا سأله هل يقصد راستفاري إثيوبيا؟ لا، قال غونزالو، وشرح له أن راستفاري هو الله، لكنه تجسد في الإمبراطور هيلا سيلاسي (الذي كان يدعى قبل تتويجه راستفاري ماكوتي الذي هو منقذ البشرية).
أصغى الأب في فزع، وسأل في حنان، من قال لك ذلك يا غونزالو؟ من قال؟ الزعيم الجامايكي ماركوس غارفي هو الذي قال، عندما قال في العشرينات، إن «يوم الخلاص قد حان لأن ملكا أسود سوف يتوج في أفريقيا». ومضى غونزالو يبشر والده بأنه سوف يترك المدرسة ويذهب إلى إثيوبيا للعيش هناك، يساعد الرعايا ويحرث الأرض، ولا ضرورة للجامعة فهناك ما هو أهم.
قال الأب، يا غونزالو، هيلا سيلاسي مات منذ سنوات. قال غونزالو: لا تجدف يا ماريو فارغاس، احتفظ بجهلك لنفسك. في اليوم التالي حزم ماريو فارغاس حقيبته وطار إلى ليما ليخبر أم الصبي غونزالو بالكارثة. حسنا فعل. اتصلت أم غونزالو برئيس المدرسة الداخلية في لندن وقالت له – بلهجة نساء البيرو – نرسل لكم أولادنا أصحاء عقلا وجسما فتتركونهم للسقيمين. سوف أريك كيف تربي الأولاد بمجرد الوصول إلى لندن.. انتظرني. لم ينتظرها. صرف غونزالو من المدرسة مع فرقته من رعايا راستفاري، وهم نحو عشرة طلاب يرفضون إبادة الصراصير في المطابخ، وذهب غونزالو إلى مدرسة أخرى. ودخل الجامعة. وصار يأكل اللحم ويقص شعره. وظل معجبا بظواهر الطبيعة، ولكن بالزهور التي تروى وتسقى ويعنى بها.