عندما قام بعض طلبة الإخوان في الأزهر بعرضهم الرياضي رأيت في هذا مخالفة للأصول المتبعة لإظهار الاحتجاج، وحذرت الإخوان من مثل هذا الأسلوب قائلاً: «لا تلعبوا بالنار» (المصري اليوم ٢٠/١٢/٢٠٠٦).
ولكن يبدو أن الحكومة انتهزت الفرصة لكي تهيل علي الإخوان الاتهامات من كل نوع، ولأن التضخم في الحدث، الذي وإن كان خطأ، فإن الذين قاموا به اعتذروا بأن ما دفعهم إليه هو إصرار إدارتهم علي تصرفات تحكمية غير عادلة.
لقد كان من الممكن أن تطوي الحادث، أما أن تثير الحكومة الموضوع وتعيد وتزيد في الحديث عن «الجماعة المحظورة»، فإنها كلما تقول «المحظورة» تدفع الناس ليضحكوا عليها ويصب هذا في مصلحة الإخوان.
ومن حظرها؟
فقد حل «الإخوان المسلمين» في ٨ ديسمبر سنة ١٩٤٨م رئيس وزارة عنيد ضيق الأفق، قدر ما هو نزيه من الناحية المالية، وهو رئيس حزب من أحزاب الأقليات، وقد تمردت علي الوفد، وفي ١٥ مايو سنة ١٩٤٨م أعلنت مصر الأحكام العرفية لدخولها الحرب ضد إسرائيل، وبدلاً من أن يتعاون النقراشي مع «الإخوان» التي جاء يومها في الدفاع عن فلسطين ومؤازرة الجيش المصري، فإنه بادر بحلها بأمر عسكري ونقل المتطوعين في فلسطين من ساحة القتال إلي معسكر الاعتقال دون أن يعرض الحل علي مجلس نواب أو مجلس شعب ضارباً عرض الحائط بكل نصائح الوطنيين.
ولما أعلنت الانتخابات، سقطت هذه الوزارة سقوطاً شنيعاً، وجاء الوفد فرفع الأحكام العرفية وعادت إلي الجماعة شرعيتها.
لقد عبأت الحكومة كُتَّابها وصُحَّافها للتنديد بالإخوان وشنت هجمة مسعورة علي طلبة الإخوان، وعلي دار التوزيع الإسلامية، وكل يوم تبدأ حملة اعتقالات مما يؤذن بأننا علي أبواب أيام سوداء.
إذا كان الإخوان، كما قلنا لا يتعلمون شيئاً، ولا ينسون شيئاً، فيبدو أن الحكومة تشاركهم في هذا تماماً، وكان جديراً بها أن تذكر أياماً سوداء لم يكن للحكومة هَمٌّ إلا القبض علي الإخوان وتعذيبهم، وشغلت بهذا عن مراقبة إسرائيل التي دهمتهم وأوقعت بهم هزيمة ١٩٦٧م المخزية.
وقبل أن يقوم عبدالناصر بحركته أخبر الإخوان وطلب موافقة المرشد ومؤازرة الإخوان وتم له هذا، وفي صباح ٢٣ يوليو كان شباب الإخوان يقفون علي طريق السويس الذي كان يمكن أن تأتي منه قوات بريطانية، كما كانوا يحرسون السفارات والكنائس خشية حدوث أي مساس بها.
ولم يكن عبدالناصر غريباً علي الإخوان فقد تولي تدريب المتطوعين الإخوان لحرب فلسطين، وحقق معه رئيس الوزارة إبراهيم عبدالهادي ونجا بأعجوبة، كما بايع هو وخالد محيي الدين وصلاح خليفة وآخرون مندوب المرشد علي الطاعة في المنشط والمكره، كما روي ذلك خالد محيي الدين في كتابه «الآن أتكلم» ص٤٥.
وقام ربيع قصير أعقبه صراع علي السلطة نتيجة لانفراد مجلس قيادة الثورة باتخاذ القرارات بصورة فردية دون مشورة من حلفائه، ولما طلب الإخوان إشراكهم، أو مناقشة الأمر قالوا إنهم يريدون فرض وصاية علي الثورة، كأن الشوري والديمقراطية وصاية.. وكما انتهز النقراشي إعلان الأحكام العرفية وتوقف الدستور ليحل الإخوان، فإن مجلس القيادة تعلل بحادث غامض لم تعرف حقائقه، هو محاولة اغتيال عبدالناصر، فحل الإخوان وزج بهم في السجون ومارس معهم أبشع صور التعذيب.
مجلس القيادة هذا، المكون من ١١ ضابطاً صغيراً ليس لهم أي خبرة بالسياسة، أعطي قراراته الصفة السيادية!! بحيث لا يجوز الطعن فيها، وكأنه معصوم من الخطأ.
الإخوان إذن لم يحلُّهم مجلس نيابي، ولم تعرض قضيتهم علي الشعب، وإنما حلها طغاة الحكومة في ظروف استثنائية.. ومع هذا الحظر من أيام عبدالناصر، والتعذيب الذي تشيب لهوله الولدان فإن الهيئة بقيت لم ينفض الشعب عنها، بل انضم إليها وزادت قوة ومات الذين حلوها والعار يجللهم.
وفي آخر انتخابات، ورغم التزوير في الجولة الأخيرة، التي ضحت الحكومة فيها بسمعتها أمام دول العالم، والتي حالت أن تجري الانتخابات في ست دوائر (حتي الآن)، لاحتمال فوز الإخوان فيها، وفاز الإخوان بـ٨٨ مقعداً، ولولا التزوير الذي شهد به القضاء.. لنالوا أكثر من مائة.
الشعب المصري لا ينقصه الذكاء، وقد رأي في حكاية «المحظورة» نكتة، بل رأي فيها لطمة للحكومة، ودليلاً عملياً بارزاً علي مخالفتها للواقع.
وإلي متي ستستمر الهيئة محظورة؟
هل تتصور الحكومة أنها يمكن أن تقضي عليها؟
أقول، وأنا من الناقدين للإخوان: هذا مستحيل.
لأن الإخوان يقومون علي أساس الإيمان بفكرتهم عن الإسلام، وهي رغم تخلفها بمعيار الواجب فإنها أفضل من علي الساحة، ولم يحدث منذ أن ظهر الإسلام حتي الآن أن – تُقهر – هيئة تقوم علي إيمان إسلامي.
لقد حاول هذا عبدالناصر ففشل، بل إن «لعنة الإخوان» هي التي أودت به في النهاية.
لقد قبل فاروق أن يترك العرش «نزولاً علي إرادة الشعب».
فلماذا لا تنزل الحكومة علي إرادة الشعب الذي منح الصفة الشرعية للإخوان المسلمين وتمسك بها ودفعها دفعاً إلي مجلس الشعب؟!
لو كنت أنا في محل الحكومة لبادرت في أول شيء بإعطاء الإخوان شرعيتهم نزولاً علي إرادة الشعب، وفي الوقت نفسه لنري كيف سيمارسون وجودهم الشرعي.
إذا أحسنوا فلمصلحة الوطن.
وإذا أساءوا فسيجنون علي أنفسهم، وسيريحون الحكومة من حربهم، لأن أخطاءهم هي التي ستجني عليهم.
وعندئذ ستكسب الحكومة الحسنيين.
ستكسب أنها أعطت الجماعة حقها المشروع ونزلت علي حكم الديمقراطية وأن الهيئة – وليس الحكومة – هي التي جنت علي نفسها.
إذن المشكلة محلولة، بما يرضي كل الأطراف.
وإذا رفضت الحكومة، فهذا دليل علي أنها ليست ضد الإخوان، ولكن ضد الشعب، وضد الديمقراطية.
وإذا أرادت أن تبطش بالإخوان كما فعل عبدالناصر، فستحل عليها لعنة الإخوان التي حلت علي عبدالناصر، وكانت أكبر سبب في خذلانه.
وما أتعس الحاكم الذي يحكم بأسنة الرماح، ويعيش في حماية الأمن المركزي!
من ينجيه من الله؟
أين يذهب من دعوات الآباء، والأمهات، والزوجات، والأبناء، التي ترتفع في الفجر لاعنة وداعية علي الحكومة؟!
كل دعاء هو في حقيقته صيحة: «الظلم مرتعه وخيم».
وهذا هو حكم التاريخ.
أقول للحكومة لمصلحة الوطن، وحتي لا تتكرر المآسي القديمة، ونهدر الوقت الثمين، وندور في حلقة مفرغة أعطوا الإخوان الشرعية التي هي حق لهم، والعودة إلي الحق فضيلةجمال البنا – مفكر حر