في بدايات الاسلام كانت الوثنية منتشرة بكثرة وكانت هناك اقليات مسيحية ويهودية حتى في مكة وكان لكل قبيلة صنم يرمز اليها وتتعبده واحدى القبائل كان صنمها من التمر تأكله تعبداً في مواسم الجوع!
العلاقة بين الصنم الوثني والعبادة هي التي استهدفها الاسلام حين فتح مكة التي كانت كل قبيلة تضع في الكعبة المشرفة صنمها وكانت على جدرانها صور لهذه التماثيل واشعار تعبدية فأمر الرسول
بازالتها و قال للفضل بن العباس بن عبد المطلب ( امسح كل الصور والكتابات من على جدرانها ما عدا ماتحت يدي ) وكان تحتهما صورة مريم العذراء وطفلها المسيح ( ورد ذلك في كتاب تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية للاب البير ابونا ص 45 الجزء الثاني.
لم يهدم المسلمون الاصنام كعمل فني بل لانها يومئذ كانت الهاً يعبده الوثنيون وحين لاتكون
محل عبادة لايجوز هدمها وبالتالي ان تفسير تصرف المسلمين في فتح مكة أنه رفض مطلق لمبدأ التصوير البشري في عمل فني هو خطأ لانه يكون قد اتخذ موقفاً لم يقصده الاسلام ما دامت لاتحمل المضمون الكافر الذي تسبب في هدمها.
والسؤال لماذا منع الرسول مسح صورة العذراء مريم مع طفلها اذا كانت الصور والتماثيل ممنوعة في الاسلام والجواب لان صور ة مريم والمسيح لها مضمون ديني لم يرفضه الاسلام الذي جاء معترفاً بالديانات والرسل كركن من اركان الاسلام .
في معابد اليهود والنصارى كانت توجد صور وتماثيل لم يهدمها الاسلام بل منع ذلك بنص الآية (
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً)
سورة الحج 22- 40ا
ذن فان الله هو من منع الناس من هدم المعا بد والصوامع والبيع والمساجد التي يذكر فيها اسم الله فكيف هدمت داعش وامثالها في العراق وسورية الكنائس وباي حق وخطفت رجال دين يديرون هذه الكنائس اليس هذا مخالفاً لأرادة الله الواردة صراحة في سورة الحج ؟
لكي نفهم الاسلام في اي نص او حديث علينا فهم ذلك على ضوء مفهوم اللغة في عصر النزول وعلى
السبب في زمن الحدث ومضمونه في اسباب النزول وبدون هذا المضمون لايكون للهدم والمنع معنى .
في العراق وبلاد الشام لم يأمر الاسلام بهدم الكنائس ولا مسح صور الايقونات منها ولا كسر تماثيل المسيح المصلوب فيها واستمر ذلك لاربعة عشر قرنًا من وجود الاسلام وانتشاره وسيطرته على
المنطقة وذلك كله يدل على ان هدم ا لمعابد والاثارغير متوجب دينياً .
الرسوم والتماثيل كعمل فني لم يستهدفها الاسلام في فتح مكة الا لأنها كانت جزءا من الوثنية وخوفا من ان يرتد اليها الناس لا اكثر .
العثمانيون لم يمنعوا رسم الصور ووضعً التماثيل في الكنائس وفقط منعوا اعادة اعمارها اذا هدمتها الزلازل ولايسمح ببناء كنائس جديدة الا بموافقة الباب العالي وبالعودة الى التاريخ فأنه حين هدم الزلزال
دير صيدنايا ذهب الرهبان الى مفتي الشام الشيخ المرادي وطلبوا مساعدته لاستعجال صدور الفرمان باعادة اعمار االدير.
قال لهم المفتي( الدير ديري ) اذهبوا وعمروه وكان الوحيد الذي لم يصدر بشأنه فرمان من الباب العالي لان فرمانه هو اسلام دمشق .
فكيف الآن تهدم داعش الكنائس وبأي نص شرعي يصدر عن تنظيم دولة تنسب نفسها للاسلام زوراً
والاغلب ان قادتها لم يعرفوا الاسلام ولم يقرأوه ولم يحفظوا من آياته غير بعض آيات العبادة
و يريدون اسلاماً على مقاس جهلهم ووحشيتهم واساءوا اليه كثيرا.ً
خطفوا نساء مسيحيات وبالمزاد العلني يبيعوهن في أسو ق الجواري وقالوا هكذا فعل السلف الصالح!
وبالعودة الى التاريخ فان من غنائم المعارك النساء ولكن في مثال نساء الايزيدين و الاشورين
لم يكن هؤلاء في معركة لاهن ولا رجالهن وقد اجتاحت داعش قرى هؤلاء دون ان يكونوا في حرب
ولاحتى كانوا مسلحين فقتلوا الرجال واخذوا النساء غنائم حرب. فكيف وما هو النص .؟
حين دخل الاسلام حمص سلماً لم يأخذ اراضي وبيوت اهل حمص ولا اي من نسائهن وأعفي من الجزية العائلات المسيحية التي قاتلت الرومان المحتلين مع جيش خالد بن الوليد وبقيت هذه العائلات معفاة من الجزية الى حين دخل العثمانيون فاعادوها.
.وحين دخل المسلمون العراق حرباً اخذوا الارض ولم يأخذو النساء ومع ذلك اعاد اليهم عمر بن الخطاب الارض خلافاً للنص مستنداً الى عامل المصلحة ولاكتساب قلوبهم وتأمين موارد الحياة لهم وتأمين دفع الضرائب للدولة .
فرضت داعش وامثالها في سورية والعراق الجزية على المسيحين دون حق واعتبروهم كفاراً
خلافاً للنص القرآني الذي رفع عن المسيحين تهمة الكفر في الآية ( اذ قال الله يا عيسى بن مريم
اني متوفيك ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الى يوم القيامة )- آل عمران3-55.
فاذا كان الله تعالى رفع عن اتباع المسيح تهمة الكفر الى يوم القيامة فبأي حق تكفرهم داعش وتسبي نساءهم؟
أما فرض الجزية على المسيحين فليس لانهم كفرة مادام الله رفع عنهم بنص قرآني الكفر الى يوم القيامة بل هي بدل عسكرية فقط لان المسيحين لم يكونوا في جيش الاسلام وبالعودة الى السلف الصالح الذي
يدعون قداسته فان القبائل العربية التي كانت على المسيحية اعفيت من الجزية حين صارت تحارب معهم
وما دام المسيحيون في سورية والعراق مجندون في جيش الدولتين ويقاتلون مع اخوانهم المسلمين فلم يعد من الجائز شرعاً فرض الجزية عليهم في اي حكم اسلامي قائم او قادم لان الجزية ليست بدل كفر بل بدل عسكرية وفي سورة التوبة 9-29 حقن القرآن دماء اهل الكتاب اذا دفعوا الجزية ومن غير المعقول ان الجزية تؤخذ عوض البقاء على الكفر ولا بدل الاستمرار على الشرك والا اضحى آخذوها شركاء في الكفر حين يعتبرون الخلاف الديني كفراً يمكن استبداله بالمال فالشرك والكفر في الاسلام يعاقب بالقتل ةلا يستبدل بالمال .
( فاقتلوا المشركين حيث وجدوتموهم وخذوهم واخصروهم واقعدوا لهم كل مرصد)-التوبة9-5
وهذا يعني ان الجزية ليست بدل كفر ديني بل هي بدل اعفا ئهم من القتال في جيش المسلمين وهي شبيهة بمن يدفع بدل خدمة عسكرية اليوم وأكبر دليل على ذلك ان الشيوخ والاطفال والنساء والمرضى اعفوا من الجزية التي فرضت على رؤوس الذكور من الرجال مما يؤكد المعنى العسكري لها وليس
بسبب الخلاف الديني كما ذهب الى ذلك من ليس من علماء الاسلام الاجلاء .
أما تدمير الاثار التاريخية كما حدث في افغانستان من قبل طالبان الذين دكوا بالمدفعية آثاراً لبوذا
تعود لالف عام رغم انها ليست مدعاة للكفر في بلد انتقل كل سكانه الى الاسلام وخلال اكثر من الف عام من دخول الاسلام الى هذا البلد لم يقربوا تماثيل بوذا بأي أذى لانها مجرد أبدة تاريخية لايوجد من يتعبدها او يهتم لامرها الا كجزء من تاريخ البلد لا كجزء ً من دين موجود فيها .
هل كان مسلموا ماقبل طالبان لألف عام كفاراً خالفوا الدين ووحدهم في طالبان من يمثل وجهه الصحيح ؟
في العراق داعش هدمت ودمرت متحف الموصل الذي يحتوي آثاراً تعود الى ماقبل المسيح بثلاثة الاف عام وهي الاثمن في فن النحت في العالم ولم تكن محل عبادة وثنية في بلد لم يعد فيه وثنيون من اكثر من الف واربعماية عام وهي جزء من تاريخ البلد ومن التراث الانساني فمثلت إغتيالاً ً
للتاريخ وعدواناً على حضارة العالم وتاريخه فأي بشر جاهل هؤلاء وأي وحوش يتسترون بدين
السماح والاعتدال ؟
لذلك هل يصبح قول نجيب محفوظ في جهلهم صحيحاً حين قال متنبئأً ( سوف يأتي وقت يأتي فيه السواح الى بلادنا لا ليتفرجوا على آثارنا بل ليتفرجوا علينا نحن كبشر يعيشون بعيدا عن الحضارة وفي مجاهل التاريخ ). وهذا هو السؤال .
28-2-2015
