من يعتقد ان المعارضة في حمص بدأت مع ما يسمى الربيع العربي يقع في خطأ الاستنتاج لان من
يعرف حمص وسلوكها سيكتشف ابعادا غير منظورة لواقع المعارضة التي انفجرت لاحقاً .
حمص لم تولد من فراغ وتطو رت عبر التاريخ الطويل وجاورت كتنا ومريمين وبحيرة قدس
ولم تقبل الخنوع ومع انها تبدو للاخرين بسيطة وطيعة الا انها في العمق تعرف طريقها الى القيادة وتعرف كيف تقاوم وتختار الوسيلة المناسبة ولا تقفز على العقل .
حمص تصنع غضبها بطريقة مختلفة وتوزع احتجاجاتها عبر شبكات عديدة توشوش وتهمس ثم
تتطلع يمنة ويسرى واحيانا يكون صمتها بلاغاً كاملاً.
العمل بالوساىل السياسية شهادة لها وليس ضدها وهي مدينة لا تقاتل حيث من المحتمل ان تقتل ولا تسلم شبابها لجلادين ومن يسلمك رأسه اذا كنت ستحاوره بالسيف .؟
حمص نموذج للتعايش وقاعدة للحوار والديمقراطية في سورية حين تختار سورية هذا الطريق .
سكن حمص الاراميون والعرب وفيها قامت اول امارة عربية قبل مىة عام من ميلاد المسيح وكلن
اميرها شميسغرام وهوالذي بنى معبد الشمس فيها ومن ملوك الاسرة دابل وجميليك وعزيز ومزيز
واول من وفد اليها من الجزيرة قضاعة بن مالك بن حمير ومنها كان ملوك تنوخ عمران بن عمرو بن مالك وكانت مع دمشق من ديار غسان وسكنها العمالقة في القديم القديم ثم جاءت اليها بهراء ولخم وجذام وتنوخ وطي ومذحج وغسان وتغلب وكانت على المسيحية وقسم منهم دخل الاسلام وقسم بقي على الذمة لذلك فهم اقرب الى بعضهم من اي نسيج سكاني وهو وراء التعايش والاعتدال فيها.
سميت ام الحجار السود لان البناء والطرق فيها تاتي من من صخور بركانية في منطقة الوعر
من حمص جاءت جوليا ابنة كاهن معبد الشمس كزوجة للامبراطور سيبتموس سفيروس وهي ام كاركلا
ويقال ان اهل حمص اول من ابتدع الحساب لانهم كانوا تجارا ومنها جاء ابقراط الذي قال ان في الجسم البشري مواد تساعد على الشفاء من الامراض.
من حمص جاء الشاعر ديك الجن لذي هو كما قال ابو نواس افضل من اجاد في وصف الخمر ( موردة من كف ظبي كانما تناولها من خده فادارها) ومنها جاء امين الجندي صاحب كل القدود التي اغتصبها الحلبيون مع انها حمصية وهي اكثر من مىتين وخمسين قدا ومنها المشهور ( يا صاح الصبر وهى مني
وشقيق الروح نأى عني وهيمتني تيمتني عن سواها اشغلتني و بنت شمس ذات انس لابكاس اسكرتني لست اسلوها ولوفي ماء هجران سلتني وعازلي ماذا عليها باللقا لو اتحفتني ؟
وطبعا جاء منها هاشم الاتاسي ابو الديمقراطية السورية .
المعارضة الحمصية ونادي الاراكيل الديمقراطي
مقهى الروضة في حمص ارتبط بتاريخها وهو ليس مكانا للنزهة تجد فيها مجموعات وطبقات واديان وطواىف وتجارا ومتعهدي بناء وساىقي سيارات وتراكسات ومخبرين وسماسرة يبدلون
العملات الاحنبية ويؤجلون خدمة العلم ويتوسطون لدى المخابرات للافراج عن معتقلين وطبعا يوجد مخبرون من عدة اجهزة على الدوام .
الظاهرة الفريدة هي في وجود المفكرين والادباء في حلقات متعددة يتحاورون في غير صياح ويتبادلون
المنشورات من تحت الطاولات فاذا اقترب منهم مخبر يقلبون الحديث فورا من السياسة الى سعر البقدونس في سوق الحشيش او عن نفقات المكدوس الحمصي في هذا الموسم !
في الروضة كانت مجموعة متميزة سياسية معارضة سماها رواد المقهى نادي الاراكيل الديمقراطي لان اكثرهم كان يؤركل في حلقة كبيرة بعيدة عن اماكن الزحام في ركن خاص لايقربه من ينأى بنفسه عن السياسة ولا يقترب من حرمه غير المخبرين ! هايد بارك حمصي !
رواد هذا النادي من احزاب وحركات سياسية مختلفة ومن طوائف واديان البلد يمثلون لوناً من الاحتجاج السلمي على كثير من شؤون البلد ويتفقون على الديمقراطية ويختلفون في طرق الوصول اليها
ومهمتهم اليومية تحليل الاحداث على امتداد الوطن العربي واحيانا العالم.
كانت لهم جريدة مخطوطة يتبادلون قراءة نسختها الوحيدة وفيها اراء وانتقادات واشعار ساخرة وكان اسمها (ابن الكلب ) تشبهاً بجريدة الكلب السياسية الساخرة التي كان يخطها صدقي اسماعيل في دمشق
كان شعار ابن الكلب ( من اجل الديمقراطية وضد الحرامية ) وكان الشاعر الشعبي ابو رشيد محمد النحاس ضيفا داىما على صفحاتها وقد تم اعتقاله في بداية الاحداث ولم يعلاف مصيره بعد وعلى سبيل المثال حين عانت احزاب الجبهة الوطنية التقدمية الديكورية من الانقسامات قال ابورشيد في ابن الكلب :
الجبهة صارت انصافا دبر اسماء واوصافا
بعض يزهو بمكاسبه والبعض يهز الاكتافا
الجبهة صارت ارباعا ليست انصافا كما شاعا
وقواعدهم صارت قادة دبر للقاعدة اتباعا
الجبهة صارت اثمانا ليست ارباعا كما كانا
واخترعوا حزبا آلياً لايحوي ابدا انسانا
الشاعر مشهور تركاوي كتب :
في غمرة الافراح مولانا ابو الطربوش لاح
شهبندر التجار ذا احلى من السمر الملاح
وبرغم الشاىعات الدارجات بكل ناح
ان السياسة غيرت ويقال قد صار انفتاح
اني ساعلن توبتي عما يباح ولا يباح
المال يدعم كل شىء فأليك قارون الوشاح
الشاعر ا لشعبي نبيه نقرور يقول ساخراً من الانتخابات :
هكذا تصبح النيابة عرساً وخياماً بكل حي تراها
يتعالى المزمار والطبل يحدو ونساء تراقصت في خباها
صور اينما اتجهت تراها كل مجموعة تغني هواها
وجموع مع المواكب طافت تتغنى والناس عافت سماها
واذا غابت العتاق المذاكي تصبح الساح ملعبا لسواها
الشاعر محمد نحاس معقبا على ترشيح غسان طه نفسه ثم استبداله بآخر لم ينجح:
غسان رشح نفسه فتطرنبا لا رأس يشفع عند البعث او ذنبا
احمد لربك يا ابا ممدوح اذ ان النجاح قبيل الصبح قد سلبا
ما كان حالك لو نجحت لساعة ثم انتهيت لترى البديل مهربا
ويبدلوك وزارة بنيابة فنراك تدخل في الوزارة مطربا
الاستاذ غسان ردعليه وكلاهما في القديم من فرع البعث وقال :
ااخلفت عهد الفرع يا نحاس ولحست عهد الود يا لحاس
ورجعت بعثيا يعض رفاقه والعرق لو طال المدى دساس
ما ضر لو طرنبت دون مذلة فسواي من تحت الخطوط يداس
الشاعر ياسين الفرجاني ابن تدمر كان في حلقة مجاورة كتب في ابن الكلب
يصف الحلقة المجاورة الصباحية :
عجيب أمره (شمس) يلين وتارة يقسو
لنا ركن نلوذ به اذا ما برد الطقس
وفي الصيف الذي يتلو ظلال مدها غرس
تلاميذ واستاذ يلم شتاتهم درس
نراجيل مطهمة صبايا ضمها عرس
تزغرد كل آونة لها في سمعنا جرس
و(شمس ) عند مقدمه يعم الروضة الأنس
يزودنا باخبار طوى اعلانها الامس
وبالتعليق نسبتها الى مصداقها الخمس
وتربت فوق ايدي الصحب انمل كفه الخمس
كمروحة تدور على هواها ما لها حس
فحينا همسه جهر وحينا جهره همس
ومن حوليه جلاس فذا حس وذا بس
وادوار له دور اذا ما استحوذ اللبس
اليف مجالس حذق قؤول مثلما قس
يعريها اذا نشزت وعند ليانها يكسو
وقس هنا هو قس بن ساعدةالايادي اخطب العرب وليس القسيس
وورد في ابن الكلب ابياتا من الشعر لوصفي قرنفلي في الشيخ اسماعيل فاضل:
الشيخ اسماعيل يبني مسجدا متنقلا بوركت يا اسماعيل
اما خليل فغافل عن ربه يا حسرة الاسلام ضل خليل
الشيخ اسماعيل حزب وحده وعداؤه للانكليز اصيل
والكل مشغول بواشنطن سوى اسماعيل فهو بلندن مشغول
المهم ان روضة حمص كانت مركز معارضة سياسية حضارية
لذلك حاول الحرامة التخلص منها واتفقوا على بيعها للعائدي
من العشرة الكبار من تجار الشام بموجب عقد من عقود النصب الدولية
اهل حمص ضجوا واتحدوا كلهم ضد ذلك ووصلت شكاويهم الىالاسد الاب
فامر بالغاء العقد وكتب على الشكوى الحمصية الموحدة ( ريس مجلس الوزراء الغاء العقد حمص بلا روضه ما بصير ),
اما نادي الاراكيل الديمقراطي فقد تولت ادارة الامن السياسي استدعاء بعض افراده وتحذيرهم
ووحدي استدعيت الى دمشق لمقابلة رىيس الامن السياسي في سورية وكان من الاخوة العلوين في حمص وتفهم الوضع وطلب فقط وقف ابن الكلب وقال لي ما زحا راعونا قليلا.
هذه قصة المعارضة الحمصية السلمية التي خرجت عن سياقها السلمي حين ذهب النظام الى القتل وحين ذهب البعض الى عسكرة الاحتجاجات بعيدا عن الاسلوب الحمصي الحضاري وهذا هو المصاب وهذا هو السؤال
22-8-2016
