الأرمن في سوريا جزء من تعددياتها ولكن إضافتهم اليها كانت حديثة العهد. الأرمن جاءوا الى سوريا هاربين من ظلم الأتراك العثمانين ومن المجازر الوحشية ضدهم والتي استخدم الأتراك في بعضها الاكراد الذين حلوا في مناطق التهجير الأرمني .
اغلب المهاجرين كانوا من النساء والأطفال لان الأتراك قتلوا اغلب الرجال . الذين وصلوا الى الجزيرة السورية والى دير الزُّور والرقة لم يكن بينهم الا اقليةمن الرجال والشيوخ ولكن الأكثرية كانوا من الأطفال والنساء. بعضهم هربوا عن طريق البحر بقوارب أنقذتهم باخرة فرنسية وأودعتهم الساحل السوري قرب جبل الاقرع وهم اصل سكان مدينة كسب الحالية وقد عثرت على صورة لأحد قواربهم في جريدة فرنسية اثناء الحرب العالمية الاولى فأودعتها بلدية كسب.
بعض الأرمن هربوا برا باكثرية الى حلب ومعهم رجال نجوا من الموت وكانوا خبراء في الصناعة وشكلوا فيها اهم قاعدة صناعية في زمن منظور . بعض الأرمن وصلوا حمص ووجدوا الأمان في بيوت المسيحين فيها. في حماة وصلت عدة عاىلات ووجدوا الأمان في حي المدينه المسيحي.
في دمشق وصلت عدة عاىلات ارمنية غنية ربما كانت على دراية بالصناعات ولكن ليس بالقدر والاهمية لدورهم في حلب .
باقي الأرمن غادروا الى لبنان وبيروت خاصة وضواحيها منضمين الى ارمن كانوا قديما فيها قبل المجزرة وقيل انهم بقايا ارمن حين احتل الأرمن لبنان قبل الميلاد بألف عام .! لم يتم إقامة مخيمات لجوء للأرمن في كل سوريا لان السورين من مختلف الطواىف استقبلوهم في بيوتهم.
في الرقة ودير الزُّور شهدنا شبابا من المسلمين تزوجوا أرمنيا ت دون ان يفرضوا عليهن الالتحاق بالإسلام وما يزال أبناء من عاىلات الرقة ودير الزُّور يفاخرون بان امهاتهم او جداتهم من جيل الأرمن الهاربين من الظلم. ويرون قصص امهاتهم وجداتهم وما عانوه من الأتراك وكثيرون منهم يعرفون العامية الأرمنية . اذكر ان من بين الأرمن الذين جاءوا حمص كانت عاىلة منهم سكنت في بيت جدي لامي شحود غاتا الذي كان مختارا للمسيحين بحمص لأربعين عاما وهناك تعلمت أمي التركية وكثيرا ما كانت تغني بالأرمني وهي تطبخ لنا الطعام .! وفِي حماة كان سركيس الوحيد الذي يصنع لنا البوظه ويبيعها متجولا في الأحياء وكان الأطفال ينتظرون مروره في فصل الصيف الحار ..! في حمص عمل بعض الأرمن في صناعة تصليح السيارات وفِي الاعمال الصحية واذكر ان احد الخبراء في حوادث السير كان أرمنيا واسمه ( أسادو ر) وكان تقنيا محايدا يرفض ان يكون خبيرا لصالح اَي طرف وغالبا تعينه المحكمة منفردا ولم يحدث ابدا ان رفضت اَي محكمة تقريره او اعادت الخبرة لان علمه واستقامته فوق اَي شك الى درجة ان طرفي الحادث كثيرا ما ذهبوا الى تحكيمه خارج المحاكم . في حلب كان وجودهم هو الأهم. لانهم توزعوا على مختلف انواع الصناعات وأسسوا قاعدة صناعية في تصليح السيارات والمحركات كما نقلوا الى حلب الأكلات الأرمنية وخاصة البسطرمة وأنواع الأطعمة التي تحتوي على الثوم والفلفل والفليفلة الحادة وكان مطعم سركيس وارتين للكباب أشهر مطاعمها.!
من التاريخ ان ارميينيا كانت تقع بين امبراطوريتين فارس وبيزنطه ويتبادلان السيطرة عليها في حروبهما وعانت كثيرا ولم تجد الأمان الا في حكم معاوية الأموي الذي اعترف لملكها أشوط بقردوني بحق الحكم الذاتي حليفا للاموين وهو الوحيد الذي اذا جاء دمشق يخرج معاوية لاستقباله وقد أصيب بالتيفوئيد في دمشق ومات فيها وقد بكاه معاوية .
وربما ان عاىلة بقردوني في لبنان هي من الأصول الملكية للأرمن .! كان الأرمني الحلبي ( شاهين كاندي ) مسؤولا عن قسم المخطوطات العربية والفارسية والتركية في هولندا. ( مكرديج الكسيح) ولد في كلس ونزح الى حلب وساهم في النهضة العربية وكان شاعرا مطبوعا وله قصاىد وهو صاحب الكتاب الموسوعي (الاهرامات )! البطريرك الأرمني ابراهام المولود في عينتاب جاء حلب مطرانا للأرمن الكاثوليك ثم اول بطاركتهم وقد ترجم كتاب(منخر الضمير ) و( ومنخر الندامه) وكتاب انفصال الأرمن عن الكنيسة الكاثوليكية . البطريرك يعقوب يوسيفيان ولد في حلب عام ١٦٨٩ وأسس الرهبانية الأرمنية وترجم عدة كتب منها (الشذور الذهبية في التوبة المرضية) وكتاب( أهل المطهر وعجاىب القربان الأطهر ) . الخوري سركيس الف كتاب تاريخ الكنيسة الأرمنية بحلب .
المطران ارسين ارسانيوس بن شكري اروتين كان من المجموعة الأرمنية التي التحقت بالكنيسة المارونية وقد الف كتاب(الرهبنة الأرمنية اللبنانية ). الراهب يواكيم من عاىلة بليط الارمنية عام ١٧٣٦ دخل الرهبنة اللبنانية للموارنة وألف كتاب ( الروضة الروحانية في السيرة الرهبانية) وكتاب (. المرشد الأمين للرؤساء والمروسين) وكتاب ( المنهج الأمين للرهبان المتدربين ).
بشكل عام ساهم الأرمن في الثقافة العربية وأبدعوا فيها وصار منهم في سوريا ولبنان من افضل الاعلاميين. صديقي مهران يوسف رحمه الله كان في التلفزيون السوري افضل المذيعين في العربية وهو الوحيد الذي لم يخطىء ولم يلحن. في السياسة لم يندمج الأرمن في الصراعات الحزبية وكانوا على حياد تام بين التيارات المختلفة وفيما بينهم توزعوا الى حزب قومي وحزب اشتراكي هما الطاشناق والهنشتاق .
بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وقيام ارمينيا المستقلة هاجر بعض الأرمن السورين اليها وسجلت هجرتهم في سجل المهاجرين ولم تسقط الجنسية السورية عنهم وبعضهم عاد الى حلب وأغلبهم صاروا يتاجرون مع سوريا والبلاد العربية . في الحرب الاهلية في لبنان وقفوا على الحياد الإيجابي متضامنين مع الموارنة عاطفيا ولكن لم يحملوا السلاح. ًوفي الحرب الاهليةًالسورية استمر حيادهم ومن هجروا من حلب اختاروا دمشق ولبنان وأرمينيا ولم يحملوا السلاح ضد احد .
هذه الشريحة الأرمنية في سوريا ولبنان كانت محايدة سياسيا ومندمجة ثقافيا واقتصاديا وتمثل الوجه المشرق من التعدديات في بلادنا لانه لا احد يكرهها او يرفضها او لا يأنس اليها ويحبها وهذا هو السوال
٥-٣-٢٠١٨