أي فعل سياسي يمكن الدفاع عنه وتبريره أخلاقيا بمنتهى السهولة في المجتمعات التي يغلب على أفرادها سهولة التأثير بالعواطف التجيشية ذات الصبغة الوطنية الشعاراتية ، فالحقل السياسي مليئ بالمصطلحات الرنانة الصاخبة الفضفاضة ذات التأثير النفسي العميق التي يمكن إستخدامها لتبرير أي موقف سياسي مهما بدا متعارضا مع مبادئك التي ترفعها أو مواقف سابقة لك .
يمكنك الإنتقال من معسكر المعارضة لنظام دكتاتوري إلى معسكر المولاة والمداهنة لذات النظام حتى ولو كنت أحد رموز ذلك المعسكر المعارض وقضيت ردحا من عمرك مدافعا شرسا عنه ، بل ويمكنك الإحتفاظ بنفس قاعدة التأييد الجماهيرية حتى بعد إنتقالك المكوكي هذا ما بين معسكرين نقيضين ، وذلك بإستخدام تلك المصطلحات والزج بها في جمل تجيش بالعاطفة الوطنية مثل : لقد فعلت ذلك من أجل وحدة الصف الوطني ، والحرص على الوحدة الوطنية وأمن البلاد وإستقرارها وتماسك الصف الداخلي في مواجهة المؤامرة والتربص الأجنبي الساعي لتفكيك البلاد ، الإصلاح من الداخل … الخ و كلها مبررات لا يمكن دحضها لو قيلت دفاعا عن تراجع تجاه موقف سابق أو مصالحة مع قوى حاكمة كنت تعارضها ،وفي نفس الوقت هي كلمات فضفاضة يتسع مدلولها لتشمل كل ما يجود به خيالك الخصب تبريرا لتبديل موقعك أوموقفك السياسي .
قديما عندما كنت أسمع بأحد القادة السياسيين أو المعارضيين البارزين قد بدل من موقعه ومعسكره للمعسكر النقيض كنت أنتظر بحماس منقطع النظير تبريره لتلك النقلة ، حدث الأمر مع غازي سليمان والحاج ادم يوسف والميرغني والمهدي أكثر من مرة وكمال عمر ، إلا أنني فقدت ذلك الحماس لمعرفتي المستمدة من خبرتي مع المتحولين سياسيا أو المتنقلين بين معسكري المعارضة والحكومة ، فجميعهم لديهم حقيبة ملئية بتلك المصطلحات الرنانة الصاخبة الفضفاضة ، طقم من الجمل سيلقون بها على مسامعك وستقف كالأبله عاجز عن إدانتهم أو تفنيد ودحض مبرراتهم تلك للإنتقال والتحول من النقيض للنقيض .
حسن اسماعيل لم أنتظر تبريره ولم أكلف نفسي عناء النظر إلى صفحته في فيسبوك لأسمع تبريره لإنتقاله للمرة الثانية من معارضته المتطرفة الارذثوكسية للنظام إلى واحد من وزرائه ، فهو بلا شك يمتلك حقيبة مثله مثل غيره من المتحولين.