قايز سارة
انتهت الجولة الثانية من مفاوضات «جنيف 2» بين وفدي النظام والمعارضة في سوريا، دون تحقيق خرق حقيقي في موضوع التفاوض، وهو فتح بوابة للحل السياسي للوضع القائم في سوريا. وهو أمر متوقع ومنتظر نتيجة ما هو معروف من مواقف وسياسات النظام في تعامله مع الوضع السوري منذ انطلاقة الثورة في مارس (آذار) من عام 2011، من حيث اختياره العنف بأقصى درجاته في التعامل مع الثورة مستخدما كل أدواته العسكرية والأمنية القائمة والمتاحة.
غير أن توقع نتيجة جولتي «جنيف 2» ووقوف المفاوضات أمام سد الخيار العسكري الأمني لنظام الأسد، يتوافق عمليا مع طبيعة الوفد الذي أرسله النظام إلى «جنيف 2» للتفاوض مع وفد المعارضة تحت الرعاية الأممية والدولية. فالوفد بعموميته ضعيف في علاقته بمركز القرار داخل النظام، حيث نواته الأساسية عسكرية – أمنية من جهة وعائلية طائفية من جهة أخرى، ويكاد يكون عديم الصلة بالنواة الصلبة للنظام، وهو هامشي الصلة بالمركز في أحسن حالاته، وهذا يجعله دون أي قدرة على اتخاذ أي قرار في موضوع التفاوض بما في ذلك الشكليات، وفي كل الأحوال عليه، أن يرجع، ويراجع مركز القرار في دمشق، وهو أمر كان ظاهرا مع بدء مفاوضات «جنيف 2» وقبلها أيضا، حيث كانت تجري الأحاديث عن مفاوضات النظام مع المعارضة.
ولئن سعى النظام إلى إسباغ طابع دبلوماسي على وفده لمفاوضات «جنيف 2»، بتسمية وزير الخارجية وليد المعلم رئيسا للوفد ومشاركة كبار موظفي الخارجية مثل نائبه فيصل المقداد وآخرين، ثم أضاف إليهم إعلاميين بينهم وزير الإعلام عمران الزعبي والمستشارتان لونا الشبل وبثينة شعبان، فإن الطابع الدبلوماسي للوفد لم يكن حقيقيا، وتم تأكيده منذ الجلسة الافتتاحية، التي تكلم فيها وليد المعلم خارقا القواعد الدبلوماسية في القول والفعل متجاوزا الوقت المخصص له ومطلقا تهديدات لبعض الحضور في مكان يفترض أن الأجواء فيه أجواء توافق هدفها جعل «جنيف 2» قاطرة للحل السياسي في كارثة سوريا، التي صنع النظام معظم مجرياتها وتفاصيلها الدموية والتدميرية.
ولا يحتاج إلى تأكيد، قول إن أعضاء وفد النظام هم جزء من نظام فساد وإفساد مكرس، بل هو مثال للفساد والنهب والرشوة والابتزاز قل نظيره في عالم اليوم، وأعضاء الوفد غارقون في ذلك إلى أعماقه. وثمة كثير من التفاصيل في ملفات السيرة الوظيفية لأعضاء بالوفد لجهة غرقهم في الفساد المالي والإداري أو في رعايته ونهب المال العام والتغطية على جرائم مشهودة ، أو في استغلال وظائفهم في خدمات خاصة وعامة ذات طابع نفعي.
ووسط تلك المواصفات العامة لفريق المتحدثين باسم النظام في «جنيف 2»، لا بد من وقفة سريعة مع صفة عامة، جمعت أغلب المتحدثين المعروفين منهم، وهي الكذب الذي تكرر في «جنيف 2»، تأكيدا لما كان مورس من كذب في السابق، وكان التجسيد الأبرز في ذلك كبار وفد النظام ومنهم وليد المعلم، وبثينة شعبان، ولكل منهما كذبات كبرى، لا تفوقها كذبة أخرى ومنها رواية الوزير المعلم عن حادثة جسر الشغور التي اتهم فيها المعارضة بارتكاب مجازر هناك، وتبين لاحقا أن الصور لا تتصل بسوريا وبالسوريين أصلا، وكذلك كذبة بثينة شعبان الكبرى التي زعمت فيها أن المعارضة خطفت أطفالا من ريف اللاذقية وقصفتهم بالكيماوي في الغوطة في معرض حديث عن مجزرة الكيماوي التي ارتكبها النظام في عام 2013 وفي سياق تبريرها.
ولا شك أن المواصفات الجامعة للمتحدثين باسم النظام في «جنيف 2»، لا يمكن أن تتجاوز مواصفاتهم الشخصية، التي كشف حضورهم في جنيف عنها أمام وسائل الإعلام مباشرة، فنضحت شخصياتهم بروائح الحقد والكراهية والإجرام ضد السوريين وأطفالهم ونسائهم الذين اتهموهم بالإرهاب، وضد وفد المعارضة الذي كانوا يفاوضونه على طاولة واحدة، وفي هذا السياق جاءت تهديدات بشار الجعفري لأعضاء وفد المعارضة بالقتل، وجاءت سلسلة الألفاظ البذيئة التي أطلقها عمران الزعبي ضد معارضي النظام، وكذلك شتائم فيصل المقداد لصحافيي المعارضة ردا على أسئلتهم الصحافية.
المتحدثون باسم النظام في «جنيف 2»، بفعل تاريخهم وبفعل صفاتهم وسلوكياتهم، كان ينبغي أن يكونوا معتقلين خلف القضبان في جنيف، لا مفاوضين في مواجهة وفد المعارضة، ليس فقط لأنهم يدافعون عن نظام قاتل، مارس جرائم ومجازر، لم يرتكب مثلها في التاريخ، إنما لأنهم يكذبون ويضللون الرأي العام، ويسوّقون أكاذيب النظام وسياساته، ولأنهم فوق ما سبق يهددون أشخاصا مسالمين ويشتمونهم ويعتدون عليهم، وهذه كلها جرائم يعاقب عليها القانون السويسري، وكان على الضحايا والمنتمين إلى وفد المعارضة، أن يقدموا بلاغات ضدهم أمام القضاء ليصير أغلب المتحدثين باسم النظام في «جنيف 2»، خلف القضبان في جنيف.
منقول عن الشرق الاوسط