الحالة العراقية أسوأ بكثير مما تبدو. وأعمق مأساة للعراقيين مما يصوره الأعلام الحلي والدولي ومن يصل الى السلطة. الصورة المشوهة في العراق ليست في حقيقتها نزال تاريخي ولا صراع على الخلافة ولا أنتصارات على عدو وهمي، وقد تكون الصورة أسوء من تصريحات الكرد “نريد أسلحة وعتاد كي نقاتل” وأسوأ من طلب سعدون الدليمي وحثه لسفير موسكو في بغداد ” ألأسراع بتسليم أسلحة “، وما يدور في مخيلة زعماء العرب والكرد ونوابهم في قيادات الشيعة والسنة بأن السلاح وحده سيميل الكفة وتتحقق الأنتصارات.
لايوجد في العراق غير النزاع الأبدي الدائم وأكاذيب رواده في عقول متربة تبحث عن نصر. عشائر تتهيئ مع أبناءها لصراعات الحلبة السياسية القادمة وتعلو أصواتها بشكل نشاز لمبايعة شخص، حزب، حركة، شيخ، أو رجل دين معمم. أحزاب وقبائل مع منتسبيها تتهيئ للصراع الدموي القادم و سبل التدمير. ومليشيات وزمر الأرهاب ومجنديها تتهيئ كذلك للصراعات القادمة. وبصراحة، فأن هذا التهيؤ الجنوني لأستباق عمل الحروب وادامة المحن دافعه الحقيقي المال وهو المحرض الأول للأستئثار بالسلطة السياسية وبعقلية الأنتصارات العسكرية التي أصبحت تعلو على صوت الحكمة والعقل والحنكة السياسية وسلوك الطريق السليم.
قسط و جهد وافر من طاقات عراقية تُصرف بعقلية إجتماعية تمخضت في حرق شعب العراق المقسم الى ثلاث فئات وطنية لاتعترف ببعضها وتغذيها نار التخلف والعدوانية والطائفيه وتدخّل دول الجوار وإرسالهم المجندين لمباركة المناخ للقتله والعصابات في زيف الصراع على الخلافة وأدامة سعيره.
متابعاتي السابقة تزيح الستار عن شخصيات لاتأبه لما يجري في هذا البلد المقسم عملياً ومذهبياً وقومياً، حيث يجلس قادة العراق في قاعات الجمود يباركون جهات لا وجه لها لاتعريف بها ولجان عمل لاعمل لها ومصادر أخبار روتينية وهمية تضيف أنتصارات يومية لصنوف القوات المسلحة وقادتها الميامين وأحاديثهم اليومية الغير منسقة ولاطائل منها ودون جباية لنتائج سريعة مثمرة. وعند الحديث الى السياسيين المنتخبين المفروضين قسراً وجلب إنتباههم بأصوات مدوية في آذانهم وتعريفهم بحقيقة رسالة تجار تهريب الأسلحة والنفط والاموال وعشائرية الصراع العسكري الحالي ومخاطره، فأننا نتبين أمرين:
1. زيادة انغماس بعض الشخصيات السياسية مع اللصوص في السرقة والأختلاس وتبريره بالخدع الكلامية المعتادة.
2. أدارة شؤون الدولة ووظائفها الحكومية المدنية والعسكرية والأمنية بعقلية القرن الهجري الأول بأعتبارات ضرورة تكرار النزاع التاريخي لخلافة علي ومعاوية. وتربية الشباب بعقائد جذبهم الى أرث الخلافة السنية تاريخيًا تخالفه تربية إرث أحقية الخلافة الشيعية.
شؤون العراق الداخليه لاتدار بعقلية القرن الحالي وكبح العنف والجريمة والرشوة والتهريب والأختلاس يختلف في مفهومه ومعالجته عن العقل المدبر لتطهير أرضه من قوى مناوئة شريرة ترفع رايات الأسلام الجهادي خداعاً وتنزل به الى الميدان العسكري. والأعلام الحكومي يسرد الحوادث المرثية كواقع يومي متوقع ويتهيأً مسؤول هنا وهناك لشجبه، وبهذه العقلية يعود النعيم الى الأرض.
وأقول كباحث بمقارنة الحضارات التاريخية القديمة والافكار السائدة اليوم في عراق “مهد الحضارة ومحط الانبياء ومرقد الاولياء” أننا نسلك الطريق الخاطئ المدمر لحضارتنا وتاريخنا ومجتمعنا بحشد السلاح والعتاد وتجهيزه للشباب العربي والكردي. أنها حالياً، حضارة شعب مضطرب القرار، واهي العزيمة الصادقة، بلا ركيزة فكرية مجتمعية ثابته، وبالتأكيد شعب بلا قيادة حقيقية.
هذه العقلية السياسية المجتمعية التي زرعتها الأحزاب والعشائر والمنظمات الجهادية وطرق التدريس والتربية الوطنية منذ أكثر من 60 سنة أثرت سلبياً حتى بدت الصورة أعتم مما يتصوره بعض السياسيين ومعتقداتهم، وقد أطلق عليها بعض الأخوة العرب في إشارة الى الشخص “صَدام العراق” والدولة “الصِدام العراقي”. فالطبقات السياسية العسكرية والحزبية والعشائرية والدينية التي وصلت للحكم وباشرت السلطة أتت ومعها أصول إجتماعية لأرث قديم ومقتبس من عادات وتصرفات غامضة هجينية عثمانية وفارسية وعربية غير مفهومة ولا مثيل لها، وتتغير بأنتهازية سيلان اللعاب للمال وألاستئثار بالسلطة السياسية.
طقوس التخلف الحضاري والشعوذة تقاس بما يخالفها ويناقضها العلم والعلوم، وحتى في قوله تعالى ” وقل ربي زدني علماً ” المُمثَلة في البحوث المختبرية لتطوير الطاقه الكهربائية النووية وإضافة العلوم الطبية والهندسية والصناعية والمياه الصالحه للشرب وترميم السدود وتطويرها وتحسينها لخدمة المجتمع، والعكس منها طقوس التمسك بالصراع وعقلية القتال المجتمعي و”نريد أسلحة وعتاد كي نقاتل” والأنتصارات العسكرية التي تملأ وسائل الأعلام برغبة الحاكم وحزبه، رجل الدين ومذهبه وشعائره، رئيس العشيرة ومايعوزه، أمير وضابط يحلم بدولة الصراع والعلم ويعتقد بنفوذه وقوة دعواته للأستئثار بالسلطة السياسية وألتفاف رموز التخلف والهمجية من حوله ويرفع في( أمران لايجتمعان) شعائر الله ” وقل ربي زدني علماً “.
كيف نضمنُ للعراق نجاحه بعقلية “نريد أسلحة وعتاد كي نقاتل ” والطلب الى الدول في الأسراع بتجهيزها التي تجري في عروق كل عراقي ومن حكم العراق، وتسري على عقله في كل إجتماع مخصص يهيئ له الحاكم وأولياءه المطيعين والمؤيدين للنفخ في إنتصارات وهمية وماهي في حقيقتها إلا تهدئة وقتية يعلوها التلفيق والكذب ولا تُغني ولاتُسمن. أنظر في تاريخهم المُسجل بالأنتصارات الكاذبة من الفريق عارف الى المهيب صدام والى الحكومات التي تلته وصولاً الى الحالي حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الذي أكد لدى استقباله وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون في بغداد، أن القوات العراقية تحرز انتصارات كبيرة على تنظيم “الدولة الإسلامية.”
ما هذه الحكومات وكيف انتخبها البعض ؟.الم يكتوا بنار السنوات الماضيه ؟ ماذا قدموا للشعب طيلة السنوات المنصرمه الى جانب الأنتصارات الوهمية ؟
وتقوم الواجهات السياسية الأخرى بنفس المهمة وبهمة كبيرة. رئيس جمهورية العراق السيد فؤاد معصوم له نانبان النجيفي والمالكي، ويستقبل في قصر السلام ببغداد نائبه نوري المالكي على حدة، دون حضور النجيفي نائب الرئيس الأخر “ويتبادل معه الآراء على حدة” بشأن مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، ومايسمى بالانتصارات الأخيرة التي تحققت ضد تنظيم داعش الإرهابي. ثم تنقل وسائل الأعلام الخبر نفسه بأضافة جملة معادة ومكررة تنقض الأنتصارات ونصها ((ويشهد العراق تدهوراً امنياً ملحوظاً منذ إعلان حالة التأهب القصوى في 10 حزيران يونيو 2014 وذلك بعد سيطرة مسلحين من تنظيم داعش على محافظة نينوى بالكامل)). فأين الأنتصارات الأفتراضية ولماذا لم يحضر النجيفي أجتماعات النصر؟
تقاد الأنتصارات ضد داعش بطريقة التخمين والأفتراض والتوقع والأمل وتكديس السلاح وشرائه من مصادره وإنتظار شروق الشمس ومع من يقف الله سبحانه تعالى.
تعطيل الدوله وتجميد عملها ووظائفها موجودة في كل الدول العربية والأسلامية والمشعوذون في كل مِلة وفي كل مكان، وممارسات الكذب وإستعراض القوة وتحويل الدولة الى ساحة صراع داخلي وإقليمي والتركيز عليه وتبريره بحجج خروج بعض المسلحين والأرهابيين والجهاديين عن الطريق القويم هي حجج أشخاص لايمتلكون الفكر المجتمعي السليم ولا يتمتعون بملكة القيادة لتوحيد صفوف الأقليات والأكثرية وخاصة في العراق وما يتطلبه العمل والحاجة لتقليل التشنج المذهبي، وهي الظاهرة الموجودة في كل الدول وتتعامل معها الحكومات الاجنبية بالتربية والخلق والتوجيه المجتمعي المدرسي التعليمي والشفافية الحكومية ونظام المحاسبة، لا بعقيدة عبيد تكديس السلاح وإستعراض العضلات والقوة والدعوة الى الأستمرار بجنون الصراع الأبدي.
بارزاني يستعرض قوة مُرسلة الى كوباني السورية
وحيث عرفنا ومررنا بأصناف من الكذب والشعوذة والواضح منها في سلوكية وتصرفات هؤلاء الأشخاص و حججهم للصراع وتوقيته عندما تتوقف ثقافتهم عند حد الصراع والقتال وتوجيه الجيل لحمل السلاح ونقل العتاد في مهمة حياتية تبدأ منذ مراحل الطفولة. ومن توقفت ثقافتهم عند عقلية البحث عن المعارك والأنتصارات العسكرية (( ولو كانت وهمية )) ليس لديهم خطط ومشاريع إنمائية لأقاليمهم وللدولة لايهمهم مصير مواطنيهم المستقبلي. نظرة واحدة الى خارطة الدول المستقرة ومقارنتها بدول الاحتقان المذهبي المضطربة أثنياً وقومياً تعطيك فكرة عامة عما يجري في بلادنا من نحت الأخبار وكذب رواتها ” إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ( النحل 105 ) وتوجيه الشعب لصراع مراكز ونفوذ ومحافظات أدارية ضد محافظات وقوة عسكرية عراقية ضد قوة عراقية أخرى تلبية لأوامر قياداتها عشائرها ومفاوضاتهم وندائهم المستمر للدول “نريد أسلحة وعتاد كي نقاتل!!!! “.
المصدر ايلاف