المارشال تيتو

د. ميسون البياتي mb2

بعد أن نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في تنصيب نظام ماركسي في روسيا قضت به على التحالف الروسي البريطاني الذي وقع عام 1907 كان من مصلحتها أن يتواجد نظام ماركسي آخر في البلقان خاصرة أوربا الرخوة المطلة على 5 بحار هي : الأسود , إيجه , الأيوني , الأدرياتيك والأبيض المتوسط

أولاً لأن ذلك يسهل عملية الوصول الى أي جزء مطلوب من القاره بسرعة قصوى , وثانياً وهو الأهم للحيلولة دون إحتمال أي تقارب بين شرق القارة الأوربية وغربها يعيق التحرك الأمريكي فيها , وثالثاً أهميه تأسيس التجارب الماركسية التي ستتولى مهمة قيادة العالم في المرحلة التي ستعقب الحربين الكونيتين نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية وخدمة لأهدافها

رحلتنا في هذا الموضوع ستكون مع طريقة توصيل المارشال تيتو الى حكم يوغسلافيا

ولد تيتو عام 1892 في كرواتيا التي كانت تابعه الى الإمبراطورية النمساويه الهنكاريه , أتم دراسته الإبتدائيه عام 1905 وحصل على عمل كصبي ميكانيكي تحت التدريب

عام 1910 انضم الى نقابة عمال المعادن , والحزب الإشتراكي الديمقراطي الكرواتي

وفي العام 1913 عمل لفترات متقطعه في عدة أماكن منها شركة مرسيدس بنز , ودايملر كسائق لتجريب السيارات عند إنتاجها

وفي نفس العام التحق بالجيش النمساوي الهنغاري حيث بعد تدريب قصير في مدرسه لضباط الصف تم تعيينه رقيب في الجيش وكانت وحدته في زغرب

حين وقعت الحرب العالمية الأولى تم اعتقاله عام 1914 لأنه كحزبي اشتراكي ديمقراطي كان معارضاً للحرب , وفي العام 1915 تم إرساله الى جبهة القتال ضد روسيا . جرح وأسره الروس وأخذوه الى مستشفى بقي فيها حوالي سنه الى أن شفي فتم إرساله الى السجن

نظم السجناء عملية هروب فخرج معهم وبقي في روسيا وإنضم الى أحدى الجماعات البلشفيه . حين نجحت ثورة أكتوبر الإشتراكيه البلشفيه إنضم الى الحزب الشيوعي الروسي ثم عاد الى المملكه اليوغسلافيه عام 1920 وإنضم مباشرة الى الحزب الشيوعي اليوغسلافي الذي كان قد تأسس عام 1919

رغم أن الحزب الشيوعي اليوغسلافي كان قوياً ويملك 59 مقعداً في البرلمان إلا أنه أصبح حزباً محظوراً بعد قيام أحد الشيوعيين بإغتيال وزير الداخلية اليوغسلافي . خلال هذه الفتره عمل تيتو كميكانيكي في أماكن مختلفه منها محطة قطار ثم في حوض لبناء السفن

1928 أصبح سكرتيراً للحزب الشيوعي المحظور – فرع زغرب , تم إعتقاله وحوكم على نشاطه السياسي وأرسل الى السجن 5 سنوات

عام 1934 أرسله الحزب الشيوعي اليوغسلافي الى فيينا حيث كانت اللجنه المركزيه للحزب قد فتحت مكتبها هناك . عام 1935 سافر الى الإتحاد السوفييتي ليعمل لمدة عام واحد في قاطع البلقان من الأممية الثالثه ( الكومنترن ) بعدها تمت إعادته من قبل الكومنترن ( لتطهير ) الحزب الشيوعي اليوغسلافي . عام 1937 أمر ستالين بقتل أمين عام الحزب الشيوعي اليوغسلافي المحظور ( ميلان گوركيژ ) في موسكو وتعيين تيتو في محله

6 نيسان 1941 إجتاحت كل من ألمانيا وإيطاليا – المملكه اليوغسلافيه , بعد 4 أيام استغل الكروات المناسبه لإعلان استقلالهم عن المملكة اليوغسلافيه , 17 نيسان هربت الحكومه اليوغسلافية الى الخارج تاركين رئيس أركان الجيش اليوغسلافي ( دراژا ميهالوفيچ ) لتقرير شؤون القتال بمعرفته وهو يرأس وحدات التحرير النظاميه التي تدعى ( چيتنك ) على أن يمدونه الدعم من الخارج

استغل تيتو هذه الفوضى من أجل الدعاية لنفسه وذلك بإعلان الحرب على كرواتيا بسبب إنشقاقها عن المملكة اليوغسلافيه , ثم صدر بياناً تحدث فيه عن اهمية وحدة التراب اليوغسلافي فإنتخبه حزبه قائداً عاماً ل ( أنصار ) التحرير وهم مليشيا غير نظاميه من أعضاء الحزب

كانت القوات الأمريكيه تزود الطرفين الأنصار والچيتنك بمختلف الإمدادات . وإعتماداً على كون تيتو قائداً عاما ً لمليشيا الأنصار وفي ظل غياب وجود حكومه , قام تيتو بتشكيل حكومة مدنيه 21 كانون الأول 1941

كان ثقل الحرب الحقيقي على القوات النظاميه بالطبع , رغم أنها كانت تضطر بسبب حدة القتال الى الإنسحاب الى الغابات أو الجبال في بعض الإحيان . وبعد أن أنهى دراژا ميهالوفيچ وقواته الجزء المهم من القتال كان ينبغي التخلص منهم لموالاتهم للملك , ومن أجل تأسيس يوغسلافيا دولةً شيوعيةً ماركسيه

الملك اليوغسلافي بيتر الثاني , الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت , رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرتشل و الرئيس السوفييتي جوزيف ستالين في ( مؤتمر طهران ) 1 كانون الأول 1943 قرروا الإعتراف بتيتو وأنصاره والتخلي عن دعم ميهالوفيچ والچيتنك

17 حزيران 1944 وقعت ( معاهدة فيز ) لدمج حكومة تيتو بحكومة الملك اللاجيء في لندن . تحت الضغط قام الملك اليوغسلافي بيتر الثاني 12 أيلول 1944 بإذاعة خطاب من راديو لندن طالب فيه الچيتنك بالتحول الى أنصار تحت قيادة تيتو . لكن غالبية الچيتنك لم يذعنوا للنداء واستمروا مع قائدهم ميهالوفيچ لمعرفتهم أن ملكهم كان مجبراً على ذلك النداء

28 ايلول 1944 وقع تيتو مع موسكو اتفاقية سماح مؤقت للجيش الروسي بالدخول الى يوغسلافيا لضرب الجبهة الألمانيه مما أدى الى دحر الجيش الألماني , ثم غادر الجيش الروسي يوغسلافيا

13 مايس 1945 وقعت المعركه بين الأنصار والچيتنك قتل فيها الچيتنك ومن تم أسره أعدم رمياً بالرصاص بعد ذلك . 13 آذار 1946 تم أسر رئيس أركان الجيش اليوغسلافي ( دراژا ميهالوفيچ ) وأحيل الى محكمة شيوعيه حكمت بإعدامه رمياً بالرصاص

نفذ فيه الحكم يوم 17 تموز في مكان مجهول ودفن في مكان مجهول أيضاً , ومن سخرية القدر أن الحكومة الأمريكية كانت وقتها قد كرمته بوسام لتعاونه وإنقاذه حياة طيارين امريكيين سقطوا في خطوط الحجابات مع العدو , سُلِم الوسام الى إبنته بعد 66 سنه على أعدامه وكان ذلك عام 2005

تيتو خلال تلك الفتره يشغل منصب رئيس وزراء البلاد تحت حكم مبهم لا تدري هل هو ملكي أم جمهوري .. ولطرد الملك بيتر الثاني تم إجراء اقتراع حول موضوع شكل الدوله , قاطعه الملكيون وإنتخب فيه الشيوعيون الجمهورية بالإجماع

29 تشرين الثاني 1945 أعلنت الجمعيه التأسيسيه اليوغسلافيه رسمياً خلع الملك بيتر الثاني وإعلان الجمهوريه والإعداد للدستور . عام 1953 أصبح تيتو رئيساً للبلاد خلفاً ل : إيڤان ريبار

حتى من قبل أن تنتهي الحرب العالمية الثانيه كان يجري الإعداد للإنشقاق اليوغسلافي السيوفييتي تحت إدعاءات مثل : إن يوغسلافيا حررت نفسها بنفسها دون اعتماد كبير على قوات الحلفاء , وأن لها دواعيها الخاصه التي تجعلها تطالب بحرية أكبر من بقية دول الكتلة الشرقيه التي لها أسباب أكثر وضغوط أكبر من أجل الخضوع الى السيطرة السوفييتيه

وأنه على الرغم من أن تيتو كان حليفاً رسمياً لموسكو إلا أنها ومنذ العام 1945 كانت قد جندت عليه شبكة جواسيس داخل الحزب الشيوعي اليوغسلافي لمتابعته عن قرب

بعد نهاية الحرب العالمية الثانيه ضُمّت الى يوغسلافيا المقاطعه الإيطاليه ( أستريا ) ومدينتي ( زادار ) و ( ريجيكا ) ورغم هذا طالب تيتو بميناء تريستا مما سبب تصعيداً بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية التي تفرض نفوذها المباشر على ايطاليا خاسرة الحرب , هذا التصعيد أدى الى إمتعاض السلطة السوفييتية في موسكو وتوجيه اللوم لتيتو أنها غير قادرة على المواجهه في هذه الفتره فلماذا يجرها الى ذلك دون استشارتها ؟

كما أبدت موسكو تبرمها من دعم تيتو للجانب الشيوعي اليوناني في الحرب الأهلية اليونانيه واتهمته ب ( تصدير الثوره ) الى اليونان في محاولة لنشر ( التيتويه ) إضافة الى رغبته تأسيس ( إتحاد بلقاني ) مع كل من بلغاريا وألبانيا

عام 1948 أنشأ تيتو خطه اقتصاديه يوغسلافيه مستقله عن موسكو مما أدى الى تصعيد دبلوماسي حاد أدى الى طرد يوغسلافيا من مكتب الإعلام الشيوعي ( الكومنفورم ) ومحاولة اغتيال تيتو عدة مرات

حالما وصل الخلاف بين تيتو وستالين الى هذا الحد .. مدت الولايات المتحدة الأمريكية يدها بالدعم الى تيتو من خلال ( خطة مارشال ) مقابل القيام بدور أكبر في العالم وهو المبادره الى تأسيس آلة الحرب الأمريكيه ( حركة عدم الإنحياز ) التي ستسلم العالم النامي كله دون أن يدري الى عبودية البنك الدولي والولايات المتحدة الأمريكيه تحت شعارات السلم والإنسانية والتعايش

ميسون البياتي – مفكر حر؟

This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.