المؤتمر العالمي للجراحين

aziznisinالمؤتمر العالمي للجراحين
بقلم الكاتب التركي الساخر عزيز نسين
تعريب عادل حبه
عقد مؤتمر عالمي للجراحين في مدينة لوبليكس. وقد احتضن هذا المؤتمر العالمي العاشر كبار جراحي العالم. وحاز باهتمام محافل العلوم الطبية في العالم، إضافة إلى جذب اهتمام الرأي العام العالمي. شارك في المؤتمر عدد كبير من جراحي العالم من المتميزين بالفرادة والمهارة والنبوغ في مهنتهم، إضافة إلى حضور عدد كبير من المراسلين من شتى بقاع العالم. وراح المراسون يؤدون واجبهم على غرار ما يؤدونه أثناء مسابقات كرة القدم أو في اللقاءات الصحفية مع الشخصيات السياسية ونجوم السينما الذي يسعون إلى إبراز محاسنهم وجمال أزيائهم. وتقرر في المؤتمر أن يلقي جراحون معروفون من ثلاث وعشرين دولة محاضرات حول أحدث ما توصل إليه علم الجراحة. وكان من بين المشاركين جراحين يستطيعون بمنتهى البساطة فصل أعضاء من الجسم ثم ربطها من جديد. ونشرت الصحافة العالمية بضع سطور عن هذا المؤتمر العالمي، إلى جانب آخر الأخبار حول أزياء ألبسة السباحة ونتائج مسابقات كرة القدم.
جرت في حفلة الافتتاح المراسيم التقليدية التي تجري عادة في حفلات الافتتاح، وألقيت كلمات معتادة في اليوم الثاني من أعمال المؤتمر. وبدأت في اليوم الثالث المحاضرات حول آخر منجزات العمليات الجراحية. كان المتحدث الأول الدكتور كليزمان الجراح الأمريكي المعروف، حيث توجه مع مساعده نحو منصة الخطابة وبدأ بإلقاء خطابه.
وضع الحاضرون السماعات الخاصة على آذانهم، واستعد المراسلون على عجل لمتابعة الخطابات وهم يحملون أوراقهم وأقلامهم. وبادر كل مشارك بوضع السماعة الخاصة تبعاً للغة التي يتقنها. وبدأ كليزمان محاضرته على النحو التالي:
أيها الزملاء المحترمون! لي الفخر وبعد 35 سنة من تراكم الخبرة الثمينة في علم الجراحة أن أعرف الزملاء الأعزاء بآخر اكتشافاتي. أنكم على علم بأنه لم يتمكن أي من الجراحين من تغيير بصمات أصابع الإنسان. ولم يحرز الطب والجراحة أي تقدم في هذا الميدان، ولم يكتب العلماء أي سطر حول هذا الموضوع. فعند أية عملية جرت لإزالة حلد الأصابع، سرعان ما ينمو جلد آخر بنفس المواصفات، وتحتفظ الخطوط بالمواصفات السابقة. ولهذا أصبح من السهولة بمكان على البوليس كشف رجال العصابات والسراق وأقطاب الجريمة واعتقالهم. ولكن لي الفخر أن أعلن لكم وبعد سنوات من الجهد والمطالعة والتجارب إنني استطعت تغيير خطوط أصابع الإنسان. إن الشخص الذي يقف إلى جواري هو من الرأسماليين المعروفين في الولايات المتحدة الأمريكية، وصاحب أكبر مصانع عصائر الفواكه فيها. أسم سعادته هو مستر توماس، ولكن الشرطة تعرفه باسم “جاك”، وتُحفظ اضبارته في دوائر الشرطة بهذا الاسم. لقد بذلت الشرطة جهوداً كبيرة ولمدة 10 سنوات لاعتقال هذا الشخص الذي اعتبر من أخطر رجال العصابات. ولكن ولحسن الحظ لم يحالف الشرطة الحظ بالقبض عليه.
الآن تحول توماس إلى ملياردير، ولم تستطع الشرطة أن تثبت أنه كان من أهل السوابق ومن أقطاب الجريمة المنظمة. ينبغي عليكم أيها الزملاء الأعزاء أن تدركوا بأن جراحة تجميل الأصابع لا تعتبر من أشق العمليات الجراحية فحسب، بل من أكثرها ربحية وإيراداً. أستميحكم العذر كي تشاهدوا تفاصيل هذه العملية الجراحية من خلال الفلم الذي سنعرضه عليكم.
بعد مشاهدة الفلم، صدّق الحاضرون كلام زميلهم الأمريكي واعتبروه أحد المكتشفين العظام في ميدان علم الجراحة. ولكن ما أن شرع ممثل الجراحين في انجلترة بالتحدث حتى غيّر الحاضرون رأيهم. وقف الجراح الانجليزي الدكتور ب. لينكس أمام الميكرفون وإلى جانبه أحد الأشخاص وقال:
أيها الزملاء الأعزاء! إنني سأتحدث لكم عن عملية جراحية استثنائية ومحيرة ليس لها نظير في علم الطب، والتي ستقدم خدمة كبرى إلى عالم البشر. أنتم ترون من يقف إلى جانبي، فهو أحد أبطال الحرب العالمية الثانية. لقد قام هذا الشخص لوحده في الاشتباك مع العدو وقام بإبادة 26 من جنوده، ولكن للأسف تعرض إلى انفجار قنبلة يدوية معادية أصابت خلفية رأسه مما أدى إلى انفصال الرأس عن الجسد. وسرعان ما تم نقله إلى المستشفى، وقمت فوراً بعملية جراحية ماهرة مستخدماً مرهم خاص، حيث تم لصق الرأس برقبته من جديد وأصبح أفضل من السابق بحيث لا تهزه حتى قنبلة ذرية. وها أن الآن أشرح لكم سر هذا المرهم….
طغت علائم التعجب على وجوه الحاضرين، واعتقد الجميع أن علم الطب لم يشهد مثل هذا الاكتشاف الكبير في عالم الجراحة، وإن المحاضرة كانت مفيدة جداً ولم يجر الاستماع إلى مثيلة لها من قبل. ولكن ما أن بدأ الجراح الفرنسي يإلقاء محاضرته حتى تغير رأي المشاركين. توجه الجراح الفرنسي نحو منصة الخطابة بمعية سيدة جميلة ارتدت لباس سباحة من قطعتين. وقف الجراح الفرنسي أمام الميكرفون، وتململ المشاركون في مقاعدهم وارتعشت أبدانهم عندما شاهدوا السيدة الشابة المرافقة للجراح. بدأ الجراح الفرنسي خطابه على النحو التالي:
زملاؤنا المحترمون! لقد توصلت إلى انجازات كبيرة جداً في ميدان جراحة التجميل. ولابد أن تعرفوا أن الفتاة الجميلة التي تقف أمامكم هي من صناعتي وصنعتها على ركام سيدة تبلغ من العمر 65 سنة. جرت همهمة في الصالة، وبعد صمت دام عدة لحظات، استمر الجراح الفرنسي في حديثه وقال: لقد أنجزت عملاً غير عادي في جراحة التجميل، حيث حولت أمرأة مسنة إلى فتاة جميلة كما ترون، إن جمالها بلغ حداً بحيث فتن حتى قلبي، ناهيك عن ألآخرين. استقبل خطاب الجراح الفرنسي يالتصفيق الحاد .
بعد ذلك توجه نحو منصة الخطابة جراح ألماني وقال: زملاؤنا الأعزاء، عليكم أن تعرفوا أن الموت لا يعني توقف جميع عمل أعضاء الجسم. فإذا ما توفرت ظروف مناسبة لأعضاء الجسم الأخرى فإنها تستمر بفعاليتها. فعند الإصابة بمرض السل يتوقف عمل الرئتين فقط. لقد برهنت عملياً على أن فشل القلب أو الرئتين لا يؤديان إلى الموت كلياً، فإنه من الممكن الحفاظ على حيوية الخلايا. لقد استطعت بعد سلسلة من البحوث أن أخلق أنساناً حياً من الأعضاء الحية للأموات. في هذه اللحظة، وبعد صمت قليل قام الجراح بلفت أنظار الحاضرين إلى شاب شبيه بـ”أﭘولون” ، قال الجراح: إن ساقي هذا الشخص تعودان إلى رياضي توفي على أثر عملية المصران الأعور، أما بدنه فيعود إلى مصارع توفي بعد تعرضه لضربة في رأسه أثناء ممارسة رياضة المصارعة. أما رأس هذا الشاب وقلبه فيتعلقان بأحد جلادي الغستابو الذي حكم بالإعدام شنقاً حتى الموت.
اعتبر جميه المشاركين في المؤتمر بأن ما قام به الجراح الألماني من إنجاز محير هو أكبر اكتشاف في عالم الجراحة. ولكن بسبب من عدم الاستماع إلى محاضرة الجراح الياباني، فقد أجل المشاركون في إبداء وجهة نظرهم إلى اليوم التالي.
في اليوم التالي استمر المؤتمر في أعماله.
وقف الدكتور الياباني” هيمي شياما” أمام الميكرفون، كما وقف إلى جانبه عجوز ياباني قصير القامة، وقال: هذا الشخص هو ياباني متعصب لم يستطع المشاركة في الحرب العالمية الثانية بسبب قصر قامته وأمّيته. ولم يتحمل هذا الشخص هذا التحقير الهائل وتحمل الصدمة النفسية، وقام بشق بطنه مما أدى إلى تساقط جميع أحشائه على الأرض.
وفي اليوم الأخير من أيام المؤتمر، قام جميع الخطباء بتوضيح أكثر حول منجزاتهم واكتشافاتهم في عالم الجراحة من أجل إحراز المرتبة الأولى.
من بين أعضاء المؤتمر، التزم جراح واحد الصمت ولم ينبس بأي حرف، وكان غارقاً في التفكير. جلب هذا الجراح انتباه رئيس المؤتمر وقال له:
– هل لدى سعادتكم أية قضية تودون عرضها على المؤتمر؟
– لم لا! ولكنني لا أظن أنها ستثير اهتمام الحضور.
تعالى صوت من قاعة المؤتمر:
– نريد أن نستمع إليه.
– يجب على جميع أعضاء المؤتمر التحدث عن اكتشافاتهم.
– نرجو منه أن يتوجه نحو الميكرفون.
اضطر هذا الجراح الذي لم ينبس بأية كلمة خلال كل جلسات المؤتمر، إلى التوجه صوب الميكرفون. وبعد أن رشف جرعة من الماء، أدار وجهه نحو الحضور وقال:
– الآن أرجو من الزملاء أن ينشّطوا آذانهم لسماع محاضرتي، فإنني سوف أعرض عليكم بشكل مختصر عملية جراحة “اللوزتين” التي قمت بها.
تعالت أصوات غريبة وعجيبة في القاعة، مصحوبة بالسخرية والضحك.
– هذا السيد يريد الحديث عن عملية “اللوزتين” بعد كل الاكتشافات الكبرى التي تحدث عنها الزملاء الذين سبقوه.
أثار ذلك ضحك وسخرية الحضور في المؤتمر من المحاضر الجراح الذي قال:
– أيها السادة..باعتباري انساناً متواضعاً، ما كان بودي الحديث عن الأهمية الكبيرة لهذه العملية الجراحية، ولكنني لم أعد أتحمل هذا الضحك والسخرية. فليسن من حقكم أن تسخروا مني بسبب عملية جراحية لـ”اللوزتين”.
اشتد ضحك وسخرية الحضور.
– عمليتك الجراحيةغبية جداً!
– من المخجل أن يشارك في المؤتمر جراح “اللوزتين”.
– إنني لا أقوم بمثل هذه العمليات الجراحية البسيطة.
– جراحة “اللوزتين” من اختصاص الممرضين.
– من المخجل لأي جراح مشهور أن يتحدث مع جراح حول عملية “اللوزتين” في المؤتمر.
زادت كناية الحاضرين في الجلسة من نرفزة المحاضر، بحيث أخذ يرتجف من شدة غضبه وارتعدت فرائصه وصاح بأعلى صوته:
– هل تعرفون الشخص الذي أجريت له عملية “اللوزتين”؟
– بالنسبة لنا ..الشخص الذي أجريت له العملية ليس ذي أهمية حتى ولو كان رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة.
– سيدي..ما علاقة شخصية الانسان بجراحة “اللوزتين”.
صاح المحاضر بأعلى صوته وقد أحمر من شدة الغضب في أجواء صراخ الحضور:
– إن الشخص الذي أجريت له عملية نزع “اللوزتين” كان صحفياً.
تعالى ضحك المشاركين، وأنبرى أحدهم قائلاً:
هل هناك فرق في إزالة اللوزتين عند الصحفي أو التاجر أو الموظف أو الجندي..
ابتسم المحاضر وقال بصوت جهوري:
إنني أدرك بأن جراحة اللوزتين لا تختلف مع اختلاف الأفراد المنحدرين من طبقات مختلفة، فالفقير والغني متساويان تحت مشرط الجراحة. ولكن عليكم أن تدركوا قضية مهمة هي أنه عندما نزيل “اللوزتين” من هذا الصحفي، فإن ذلك يعني سريان قانون لا يحق للصحفيين في ظله فتح أفواههم على الإطلاق. وعلى هذا الأساس كنت مضطراً إلى إخراج “اللوزتين” من مخرج الصحفي!!.
تراجع الضحك والسخرية من على محيا الحاضرين، واستُقبلت محاضرة الجراح بالتصفيق المستمر. واعتبر جميع أعضاء المؤتمر العالمي للجراحين إن عملية جراحة “لوزتي” الصحفي وبإجماع الآراء باعتبارها أهم منجز في تاريخ الطب في العالم. ولهذا قام الجميع بتهنئة الجراح بإحرازه المرتبة الأولى، وغادر الجميع قاعة المؤتمر بطيبة خاطر.

About عادل حبه

عادل محمد حسن عبد الهادي حبه ولد في بغداد في محلة صبابيغ الآل في جانب الرصافة في 12 أيلول عام 1938 ميلادي. في عام 1944 تلقى دراسته الإبتدائية، الصف الأول والثاني، في المدرسة الهاشمية التابعة للمدرسة الجعفرية، والواقعة قرب جامع المصلوب في محلة الصدرية في وسط بغداد. إنتقل الى المدرسة الجعفرية الإبتدائية - الصف الثالث، الواقعة في محلة صبابيغ الآل، وأكمل دراسته في هذه المدرسة حتى حصوله على بكالوريا الصف السادس الإبتدائي إنتقل إلى الدراسة المتوسطة، وأكملها في مدرسة الرصافة المتوسطة في محلة السنك في بغداد نشط ضمن فتيان محلته في منظمة أنصار السلام العراقية السرية، كما ساهم بنشاط في أتحاد الطلبة العراقي العام الذي كان ينشط بصورة سرية في ذلك العهد. أكمل الدراسة المتوسطة وإنتقل إلى الدراسة الثانوية في مدرسة الأعدادية المركزية، التي سرعان ما غادرها ليكمل دراسته الثانوية في الثانوية الشرقية في الكرادة الشرقية جنوب بغداد. في نهاية عام 1955 ترشح إلى عضوية الحزب الشيوعي العراقي وهو لم يبلغ بعد الثامنة عشر من عمره، وهو العمر الذي يحدده النظام الداخلي للحزب كشرط للعضوية فيه إعتقل في موقف السراي في بغداد أثناء مشاركته في الإضراب العام والمظاهرة التي نظمها الحزب الشيوعي العراقي للتضامن مع الشعب الجزائري وقادة جبهة التحرير الجزائرية، الذين أعتقلوا في الأجواء التونسية من قبل السلطات الفرنسية الإستعمارية في صيف عام 1956. دخل كلية الآداب والعلوم الكائنة في الأعظمية آنذاك، وشرع في تلقي دراسته في فرع الجيولوجيا في دورته الثالثة . أصبح مسؤولاً عن التنظيم السري لإتحاد الطلبة العراقي العام في كلية الآداب والعلوم ، إضافة إلى مسؤوليته عن منظمة الحزب الشيوعي العراقي الطلابية في الكلية ذاتها في أواخر عام 1956. كما تدرج في مهمته الحزبية ليصبح لاحقاً مسؤولاً عن تنظيمات الحزب الشيوعي في كليات بغداد آنذاك. شارك بنشاط في المظاهرات العاصفة التي إندلعت في سائر أنحاء العراق للتضامن مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي الإسرائيلي- الفرنسي البريطاني بعد تأميم قناة السويس في عام 1956. بعد انتصار ثورة تموز عام 1958، ساهم بنشاط في إتحاد الطلبة العراقي العام الذي تحول إلى العمل العلني، وإنتخب رئيساً للإتحاد في كلية العلوم- جامعة بغداد، وعضواً في أول مؤتمر لإتحاد الطلبة العراقي العام في العهد الجمهوري، والذي تحول أسمه إلى إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية. وفي نفس الوقت أصبح مسؤول التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي العراقي في بغداد والذي شمل التنظيمات الطلابية في ثانويات بغداد وتنظيمات جامعة بغداد، التي أعلن عن تأسيسها بعد إنتصار الثورة مباشرة. أنهى دراسته الجامعية وحصل على شهادة البكالاريوس في الجيولوجيا في العام الدراسي 1959-1960. وعمل بعد التخرج مباشرة في دائرة التنقيب الجيولوجي التي كانت تابعة لوزارة الإقتصاد . حصل على بعثة دراسية لإكمال الدكتوراه في الجيولوجيا على نفقة وزارة التربية والتعليم العراقية في خريف عام 1960. تخلى عن البعثة نظراً لقرار الحزب بإيفاده إلى موسكو-الإتحاد السوفييتي للدراسة الإقتصادية والسياسية في أكاديمية العلوم الإجتماعية-المدرسة الحزبية العليا. وحصل على دبلوم الدولة العالي بدرجة تفوق بعد ثلاث سنوات من الدراسة هناك. بعد نكبة 8 شباط عام 1963، قرر الحزب إرساله إلى طهران – إيران لإدارة المحطة السرية التي أنشأها الحزب هناك لإدارة شؤون العراقيين الهاربين من جحيم إنقلاب شباط المشؤوم، والسعي لإحياء منظمات الحزب في داخل العراق بعد الضربات التي تلقاها الحزب إثر الإنقلاب. إعتقل في حزيران عام 1964 من قبل أجهزة الأمن الإيرانية مع خمسة من رفاقه بعد أن تعقبت أجهزة الأمن عبور المراسلين بخفية عبر الحدود العراقية الإيرانية. وتعرض الجميع إلى التعذيب في أقبية أجهزة الأمن الإيرانية. وأحيل الجميع إلى المحكمة العسكرية في طهران. وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، إضافة إلى أحكام أخرى طالت رفاقه وتراوحت بين خمس سنوات وإلى سنتين، بتهمة العضوية في منظمة تروج للأفكار الإشتراكية. أنهى محكوميته في أيار عام 1971، وتم تحويله إلى السلطات العراقية عن طريق معبر المنذرية- خانقين في العراق. وإنتقل من سجن خانقين إلى سجن بعقوبة ثم موقف الأمن العامة في بغداد مقابل القصر الأبيض. وصادف تلك الفترة هجمة شرسة على الحزب الشيوعي، مما حدى بالحزب إلى الإبتعاد عن التدخل لإطلاق سراحه. وعمل الأهل على التوسط لدى المغدور محمد محجوب عضو القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك، والذي صفي في عام 1979 من قبل صدام حسين، وتم خروجه من المعتقل. عادت صلته بالحزب وبشكل سري بعد خروجه من المعتقل. وعمل بعدئذ كجيولوجي في مديرية المياه الجوفية ولمدة سنتين. وشارك في بحوث حول الموازنة المائية في حوض بدره وجصان، إضافة إلى عمله في البحث عن مكامن المياه الجوفية والإشراف على حفر الآبار في مناطق متعددة من العراق . عمل مع رفاق آخرين من قيادة الحزب وفي سرية تامة على إعادة الحياة لمنظمة بغداد بعد الضربات الشديدة التي تلقتها المنظمة في عام 1971. وتراوحت مسؤولياته بين منظمات مدينة الثورة والطلبة وريف بغداد. أختير في نفس العام كمرشح لعضوية اللجنة المركزية للحزب إستقال من عمله في دائرة المياه الجوفية في خريف عام 1973، بعد أن كلفه الحزب بتمثيله في مجلة قضايا السلم والإشتراكية، المجلة الناطقة بإسم الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، في العاصمة الجيكوسلوفاكية براغ. وأصبح بعد فترة قليلة وفي المؤتمر الدوري للأحزاب الممثلة في المجلة عضواً في هيئة تحريرها. وخلال أربعة سنوات من العمل في هذا المجال ساهم في نشر عدد من المقالات فيها، والمساهمة في عدد من الندوات العلمية في براغ وعواصم أخرى. عاد إلى بغداد في خريف عام 1977، ليصبح أحد إثنين من ممثلي الحزب في الجبهة التي كانت قائمة مع حزب البعث، إلى جانب المرحوم الدكتور رحيم عجينة. وأختير إلى جانب ذلك لينسب عضواً في سكرتارية اللجنة المركزية ويصبح عضواً في لجنة العلاقات الدولية للحزب. في ظل الهجوم الشرس الذي تعرض له الحزب، تم إعتقاله مرتين، الأول بسبب مشاركته في تحرير مسودة التقرير المثير للجنة المركزية في آذار عام 1978 وتحت ذريعة اللقاء بأحد قادة الحزب الديمقراطي الأفغاني وأحد وزرائها( سلطان علي كشتمند) عند زيارته للعراق. أما الإعتقال الثاني فيتعلق بتهمة الصلة بالأحداث الإيرانية والثورة وبالمعارضين لحكم الشاه، هذه الثورة التي إندلعت ضد حكم الشاه بداية من عام 1978 والتي إنتهت بسقوط الشاه في شتاء عام 1979 والتي أثارت القلق لدي حكام العراق. إضطر إلى مغادرة البلاد في نهاية عام 1978 بقرار من الحزب تفادياً للحملة التي أشتدت ضد أعضاء الحزب وكوادره. وإستقر لفترة قصيرة في كل من دمشق واليمن الجنوبية، إلى أن إنتدبه الحزب لإدارة محطته في العاصمة الإيرانية طهران بعد إنتصار الثورة الشعبية الإيرانية في ربيع عام 1979. وخلال تلك الفترة تم تأمين الكثير من إحتياجات اللاجئين العراقيين في طهران أو في مدن إيرانية أخرى، إلى جانب تقديم العون لفصائل الإنصار الشيوعيين الذين شرعوا بالنشاط ضد الديكتاتورية على الأراضي العراقية وفي إقليم كردستان العراق. بعد قرابة السنة، وبعد تدهور الأوضاع الداخلية في إيران بسبب ممارسات المتطرفين الدينيين، تم إعتقاله لمدة سنة ونصف إلى أن تم إطلاق سراحه بفعل تدخل من قبل المرحوم حافظ الأسد والمرحوم ياسر عرفات، وتم تحويله إلى سوريا خلال الفترة من عام 1981 إلى 1991، تولى مسؤلية منظمة الحزب في سوريا واليمن وآخرها الإشراف على الإعلام المركزي للحزب وبضمنها جريدة طريق الشعب ومجلة الثقافة الجديدة. بعد الإنتفاضة الشعبية ضد الحكم الديكتاتوري في عام 1991، إنتقل إلى إقليم كردستان العراق. وفي بداية عام 1992، تسلل مع عدد من قادة الحزب وكوادره سراً إلى بغداد ضمن مسعى لإعادة الحياة إلى المنظمات الحزبية بعد الضربات المهلكة التي تلقتها خلال السنوات السابقة. وتسلم مسؤولية المنطقة الجنوبية حتى نهاية عام 1992، بعد أن تم إستدعائه وكوادر أخرى من قبل قيادة الحزب بعد أن أصبح الخطر يهدد وجود هذه الكوادر في بغداد والمناطق الأخرى. إضطر إلى مغادرة العراق في نهاية عام 1992، ولجأ إلى المملكة المتحدة بعد إصابته بمرض عضال. تفرغ في السنوات الأخيرة إلى العمل الصحفي. ونشر العديد من المقالات والدراسات في جريدة طريق الشعب العراقية والثقافة الجديدة العراقية والحياة اللبنانية والشرق الأوسط والبيان الإماراتية والنور السورية و"كار" الإيرانية ومجلة قضايا السلم والإشتراكية، وتناولت مختلف الشؤون العراقية والإيرانية وبلدان أوربا الشرقية. كتب عدد من المقالات بإسم حميد محمد لإعتبارات إحترازية أثناء فترات العمل السري. يجيد اللغات العربية والإنجليزية والروسية والفارسية. متزوج وله ولد (سلام) وبنت(ياسمين) وحفيدان(هدى وعلي).
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.