المؤامرة.. النظرية التي لا تموت
في نظر البعض صدام لم يغزُ إيران إبان حكم الخميني إلا بتوريط خارجي له، ولم يغزُ الكويت إلا بإيحاء من سفيرة أميركا في بغداد. وفي نظر البعض أيضا أن ثورة الليبيين ضد القذافي فعل أجنبي، وكذلك إسقاط مبارك مصر مؤامرة، وأن «الإخوان» وصلوا بترتيب أميركي، و«الإخوان» يعتقدون أن السيسي انقلب عليهم بتآمر غربي، والنظام السوري يردد منذ ثلاث سنوات أن الغرب وراء الثورة عليه، والثوار يصرون على أن هناك مؤامرة لمحاصرة ثورتهم من أجل الإبقاء على الأسد.
الصديق الأستاذ إياد أبو شقرا، كتب في هذه الجريدة قبل أيام أنه آن الأوان أن نعترف بوجود مؤامرات تدبر وراء ما يقع في منطقتنا. والزميل إياد ليس الأول الذي يرى متآمرا خلف كل أزمة، بل هذا هو الرأي الشائع منذ عقود في محيط المثقفين وعززته أدبيات شاعت في الستينات والسبعينات، مثل كتاب «لعبة الأمم» لمؤلفه مايلز كوبلاند.
وأنا لا أريد أن أنفي تماما نظرية المؤامرة، لأن جزءا من نشاط الأجهزة الأمنية والسياسية السرية الإقليمية والدولية تغيير الأوضاع لصالح دولها، إنما هناك الكثير من المبالغة في قراءة التاريخ المعاصر وفق هذه النظرية. ويوجد خلط كبير بين استغلال الأحداث للدفع لها أو تغيير اتجاهاتها، وبين طبخ الأحداث نفسها. مثلا سقوط شاه إيران في عام 1979 كان شبه حتمي نتيجة لاضطراب الأوضاع في طهران، الغرب فضل دعم آية الله الخميني وتقديمه على بقية المتسابقين، وإرساله إلى طهران على طائرة إيرفرانس من باريس، عزز حظوظ الخميني عن سواه من اليساريين والوطنيين. لكن الخميني فعلا كان شخصية بارزة وليس من اختراع الغرب. وعندما قرر صدام غزو إيران بعد عام من اعتلاء الخميني السلطة، فهو ليس سوى قرار صدام نفسه، يعكس عقليته، وبساطة فهمه للعالم حوله. ظن أن سقوط عدوه الشاه والفوضى في إيران تمثل فرصة لاسترداد ما كان يعده الأراضي العراقية المحتلة. لا شك أن الولايات المتحدة استغلت حماقة صدام، خاصة أنه شخصية يسهل التنبؤ بتصرفاتها الخرقاء. الجانب التآمري المحتمل، ليس أن الغرب دفع بصدام لعبور الحدود، بل في إعادة العلاقة معه بعد تورطه في الحرب وفتح خزائن السلاح له، وفي المقابل كانت إسرائيل تبيع السلاح لإيران. كان هذا استغلالا للوضع لجعل الخصمين في حالة حرب طويلة، فالخميني وصدام خصمان للغرب. هذه ليست مؤامرة بقدر ما كانت استغلالا لحماقة زعيمين يكرهان بعضهما بعضا ويطمعان في أراضي بلديهما. والأمر تكرر في الكويت. صدام أعطى إشارات كثيرة بنيته احتلال الكويت، الذي يعبر عن جشعه وجهله بمبادئ المصالح العليا للدول الكبرى. كون السفيرة الأميركية لم تنهه عن احتلال الكويت لا يعني شيئا مهما. لقد أشاع الإسلاميون، وبينهم «الإخوان المسلمون»، حينها أن الأميركيين تآمروا على صدام لهذا احتل الكويت، وأنهم يتآمرون لاحتلال السعودية والكويت ويجب دعم صدام، وغيرها التي اتضح أنها مجرد خرافات. ويقال عن ثورة سوريا الشيء نفسه. إنما سبب الثورة أن نظام الأسد فعلا حكم انتهت صلاحيته بوفاة الأب، وتضعضع النظام الطائفي الأمني المهترئ، ومن الحتمي أن يواجه انقلابا أو ثورة، هذه نتيجة طبيعية. أما عجز الثورة عن الحسم فهي نتيجة تدخل إيران وروسيا، يقابلها وجود رئيس أميركي ليس متحمسا لخوض المعارك. وفي النهاية سيسقط النظام لكن بثمن غال جدا، للأسف.
نحن العرب أكثر تمسكا بتفسير نظرية المؤامرة، حيال كل ما نعجز عن حسمه أو فهمه، السبب أن نظرية المؤامرة وسادة مريحة ينام عليها الذين يريدون تبرير عجزهم أو فشلهم. الحقيقة لا توجد قوة تمنعنا متى ما وجدت القناعة والإرادة، وأكثر من استخدم نظرية المؤامرة هم أناس فشلوا في الوفاء بوعودهم الفارغة، مثل إعلام عبد الناصر وصدام والقذافي والأسد.
أنا لا أقول إنه لا تحاك مؤامرات، بل هي في معظمها استغلال لظروف طارئة من صنعنا، وكل فريق يتآمر لكسبها، لكن علينا ألا نلوم إلا أنفسنا. هناك دول نهضت من الرماد وكانت على خصومة كبيرة مع غيرها، ولم يمنعها أحد من النجاح، مثل اليابان وألمانيا وتركيا وغيرها.
alrashed@asharqalawsat.com
نقلا عن الشرق الاوسط