إياد أبو شقرا
خلال لقاء مع بعض الزملاء الصحافيين قال زميل وصديق عزيز إن المتابعين يخطئون كثيرا إذا تصوروا أن الأزمة السورية تتجه نحو حسم سريع. وشدد على أن القوات الموالية للرئيس السوري بشار الأسد ستقاتل حتى النهاية.. لفترة طويلة مقبلة.
وكانت تقارير وتحاليل عدة قد خرجت علينا خلال السنة الفائتة بالتشديد على أن «النواة» العسكرية والأمنية الصلبة للنظام ما زالت متماسكة إلى حد ما، ولم يسجل فيها انشقاق يستحق الذكر. كذلك حتى فقدان النظام السيطرة على معظم المدن والأرياف السورية، تدريجيا، لم ينعكس بعد بصورة ملموسة على القدرة التدميرية لهذه «النواة» الصلبة التي يتكون عديدها، حصريا تقريبا، من فئات موثوقة الولاء.. خصها النظام عبر عقود بأقوى الأسلحة وأحدثها.
هنا، لا بد من أن نتذكر أن أرقام القتلى في سوريا تجاوز حتى الآن الـ60 ألفا وفق أرقام منظمة الأمم المتحدة. كما أن وزير الشؤون الاجتماعية اللبنانية قال يوم الأحد الماضي في اجتماع وزراء الخارجية العرب إن عدد النازحين السوريين إلى لبنان وحده يقارب اليوم الـ200 ألف نسمة وتوقع ارتفاع العدد إلى أكثر من ضعفي هذا العدد بحلول يونيو (حزيران) المقبل. ولنا أن نتصور أعداد النازحين في كل من الأردن وتركيا والعراق وأوضاعهم، ناهيك عن حجم النزوح الداخلي، أي داخل الأراضي السورية نفسها، الذي وفق التقارير التي يعتد بها تجاوز المليون نسمة.
على الرغم من كل ما تقدم جاء الخطاب الأخير للرئيس السوري، وقبله تصريحات المسؤولين السوريين، لتأكيد الموقف المعلن للنظام وهو مؤشر لا يعبر فقط عن اعتبار النظام أنه يخوض «حرب وجود»، بل ينم عن أن ثمة أوضاعا إقليمية تساعد على حالة من الانقسام والاستقطاب الفئوي باتت تهدد جديا ليس بتقسيم المنطقة فحسب، بل بتفتيتها في فوضى دموية غير مسبوقة.
هذا «السيناريو» الكارثي يتجاوز حقا الحالة السورية، ويصدق على معظم المشهد في المشرق العربي، في ظل جملة من العوامل، أبرزها:
أولا، الحالة الإسرائيلية التي يتعذر عليها الاستمرار في ظل سلام إقليمي يساعد كيانات المنطقة على السير قدما نحو التنمية ومفهوم «دولة المؤسسات» والتعايش التعددي واحترام الحريات العامة.
ثانيا، الحالة الإيرانية القائمة على فكرة التمدد الإقليمي تحت شعار قيادة العالم الإسلامي في معركة مع غرب يسعى إلى تقزيم المسلمين، ولكن بتعامل مذهبي صارخ وصريح.. يتجاهل عن عمد الاستقرار الداخلي لكيانات عربية إسلامية جارة.
ثالثا، المنطق العشائري – الطائفي الذي ظل متجذرا في المفاهيم الاجتماعية والسياسية في عموم كيانات المنطقة، التي توهمت ذات يوم أنها تعيش في ظل أنظمة ثورية علمانية ليبرالية أو تقدمية. وهو مع مزيد الأسف ما نراه في دول مثل لبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن، وإلى حد ما في مصر.
رابعا، صعود الإسلام السياسي ولعبه دور البديل الوحيد لكل التيارات القومية والليبرالية واليسارية التي سقطت على امتداد المشرق العربي خلال العقود الأربعة الأخيرة. ومن ثم خروج جماعات متشددة داخل الإسلام السياسي لا تقيم وزنا في الأساس لمفهوم «الدولة المدنية»، وبالتالي، لا تكترث بهواجس من تستثنيهم من مشروعها السياسي العابر للحدود.
وبناء على ما تقدم، ما كان ممكنا لنظام أمني مافيوي كالنظام السوري أن يقتل 60 ألف نسمة من شعبه. أصلا، ما كان ممكنا لقادته بلوغ السلطة ناهيك عن الاحتفاظ بها على أشلاء الشعب وركام المدن والقرى. وكان يستحيل على بلد كالعراق، فيه من خيرات الأرض ما فيه، أن ينتهي بحالة تقسيم فعلي، وأن يصبح الدليل الوحيد عند قادته على «سيادة الدولة» إصدار أحكام الإعدام والتعجيل بتنفيذها.. بينما النسيج المجتمعي يتمزق ويتحلل.
في أي ظرف طبيعي كان مستبعدا أن يتسابق مسيحيو لبنان، الذين كانت لهم الريادة في حركة التنوير والتثقيف على امتداد الوطن العربي، أن يحاول احتكار التكلم باسمهم تيار متعصب متخلف زج قائده المسيحيين غير مرة في حروب بعضها بين المسيحيين أنفسهم، وأن تقبل إحدى أكثر طوائفهم انفتاحا وتقدما – هي طائفة الروم الأرثوذكس – أن يحمل اسمها مشروع قانون انتخاب يمزق البقية الباقية من وحدة اللبنانيين.
كذلك، كان كارثيا أن تطفو القبلية والجهوية على السطح في اليمن وليبيا بعد سنوات طويلة من حكم «الرفاق» و«اللجان الثورية» الساعية إلى تثوير العالم. وأما الأسوأ فهو أن يعتبر بعض الإسلام السياسي في مصر ما بين 10 ملايين و15 مليون مسيحي دخلاء على بلادهم.
نحن، إذن أمام معضلة وجودية. فهل ظل لدينا الحد الأدنى من الوعي لمعالجتها؟ ألم يحن الوقت للتوصل إلى تسوية تاريخية، تسوية «منتصف طريق» واقعية، تبنى على الاعتراف بالهواجس واحترام التنوع.. فتسقط كل الذرائع المبررة للتقسيم والتفتيت؟
لقد جربنا منذ عقد الخمسينات من القرن الماضي نموذج الوحدة الاندماجية ففشلنا. وجربنا الوحدة الاعتباطية – الشخصانية فانتهت قبل أن تبدأ. ولكن في المقابل، نجحت النماذج التي لا تلغي أحدا ولا تكذب على أحد.
لقد آن الأوان لإعادة بناء كياناتنا المهددة بالتفتيت عبر وحدة وطنية حقيقية، غايتها التعايش وأداتها على الأرض.. «اللامركزية الإدارية».
ماقل ودل … بين المنطق والحل ؟
١: عندما تقدس أمة ما الجهل ، فلابد من وجود علة ما في العقل ؟
٢: عندما تقدس أمة ما السلب والنهب والغزوات ، فلابد من وجود علة ما في ألإخلاق والنزوات ؟
٣: عندما تقدس أمة ما الحمير والبعير ، فلابد من وجود خلل في العقل والضمير ؟
٤: عندما تقدس أمة ما مجرميها وتحولهم إلى أبطال ، فلابد من وجود خلل ما في نسائها قبل الرجال ؟
٥: عندما يبارك رجال الدين الظلم والباطل والحرام ، فلابد أن يأتي سريعا يوم ألإنتقام ؟
٦: وأخيرا لن يسعف أمة إقرأ حتى إلهها ، مالم تعد إلى رشدها وتعرف أين مكمن خلاصها ؟