الشرق الاوسط
أحببت فكرة الأمم المتحدة وصيغتها لأنها ساحة للحوار وفض الخلافات. سريعا عرفت محدوديتها لكنني بقيت على قناعتي بأنها أفضل ما اخترع السياسيون بعد حربين عالميتين. على منبرها يقف كاسترو والرئيس الأميركي ويقول كل منهما رأيه في سياسات ومواقف الآخر. وعلى هذا المنبر يقف وزير أفريقي باسم بلاده ثم يتلوه خصمه فيقول إنه المتحدث الرسمي الشرعي والوحيد. ثم يعود الاثنان إلى بلدهما ويؤسس كل منهما شركة لتوزيع الموت.
لكن هنا، على هذا المنبر، لا يليق إلا الكلام عن السلام. وعند الضرورة تمكن الاستعانة في مجلس الأمن بشيء من نزار قباني، مما يعقد عمل المترجمين الفوريين الذين طالما سمعوا نزارا يقول إن الشعر لا يترجم. دبروا حالكم. لم تحل الأمم المتحدة الكثير من القضايا، ولا المهم منها، وعجزت عن حماية 800 ألف رواندي قتلوا بالمناجل. لكن على الرغم من هذا العجز ظلت أفضل ما توصلت إليه السياسة الدولية.
ولطالما غطى مجلس الأمن النزاعات والحروب، ووقف عاجزا، أو منقسما، أو متواطئا. ولطالما تهرب أعضاؤه الدائمون والمؤقتون من المسؤولية الأخلاقية. ولطالما شهد المهازل مثل يوم وقفت مادلين أولبرايت وحدها في مواجهة 14 دولة لعزل بطرس غالي، ولكنني لا أذكر المجلس غارقا في اللؤم الأممي الذي يمارسه في سوريا منذ عامين.
دولتان كبريان تتوافقان على التخاصم في نيويورك والتقاتل في سوريا. تسلح خفيف؟ لا. تسلح ثقيل؟ بلاش، خلها تسليحا نوعيا. صواريخ «إس 300» وصلت أم هي في الطريق؟ أوباما اتخذ قراره أم مشغول بالصور التذكارية؟ كيماوي أم عادي؟ 85 ألف قتيل أم 89 ألفا؟ جنيف «1» أم «2»؟ هل يتناول الاتفاق مصير الرئيس السوري؟ نعم ولا. أميركا تكرر التنحي وروسيا تكرر أن مصيره ليس هو المسألة. تقول روسيا إن اتفاق جنيف واضح: انتخابات 2014. وتقول أميركا إنه شديد الوضوح: مرحلة انتقالية تنتهي بذهابه.
منذ بدء الجدل الأميركي – الروسي مات في سوريا أكثر من مائة ألف بشري. وباب مجلس الأمن مغلق على الفيتو الروسي وتابعه الصيني الباسم أبدا حتى في مواكب الموت وحقول القتل. وبين الحين والآخر يعلن وزير خارجية أميركا اكتشافا لا مثيل له منذ اختراع الدولاب (العجل) في الصين. فقد أبلغنا فجأة أن سوريا ليست ليبيا. معقول؟! كيف توصلت إلى ذلك؟!
ثلث الشعب السوري مشرد ومدنه مهدمة وحقوله محترقة وسيادته مرتهنة وجواره متفجر. ومجلس الأمن مغلق، مثل مشاعر هذه «الأسرة الدولية». هكذا سميت.