الكهنوت الاسلامي يسرق الدين

سيد القمنيmuslmscientist
تعالوا نتذكر ما سبق وأكدنا عليه دوما حول ما حدث لدين المسلمين على يد فقهاء السلاطين ، بعد أن كان مفتوحا على الواقع المتغير وعلى السماء إبان تواجد صاحب الدعوة ، وكيف أن السماء قد تجاوبت مع الأرض وتتبعت أحداثها المتغيرة بمتغيرات مشابهة في النص القرآني ، تلائم الجديد وتتفاعل في نسخ وإبدال وإنساء ومحو وقراءات متعددة بأحرف سبعة أو أكثر. لكن مع موت النبي ونشوء طوارئ جديدة ، كان سببها تشبث أبي بكر بالخلافة في ظل معارضة الذين منعوا الزكاة والآخرين الذين ارتدوا ، فقد ارتبط الإسلام بالخليفة وتم تحويل الإسلام إلى مبرر للسلطان وقرارته ، ومن بعده أصبح الدين ورجاله في خدمة السلاطين على اختلافهم ، واستبعد المسلمون من طرح فهمهم لدينهم في ضوء المتغيرات ، وتم ربط الفهم للدين بمعارضة السلطة أو موافقتها.

وتوافقت السلطات الدينية والدنيوية على احتكار فهم نصوص الدين وتكفير وتبديع ومطاردة وتصفية أي فهم مختلف معارض. حتى كرس الخليفة الثالث عثمان الربط القانوني الشرعي الوحيد للنص بالسلطة وتفسيرها للنص ، وتم قصر فهم كلام الله على فرقة وحيدة هي حليفة الحاكم ، ومن ثم أصبح الفهم ليس شأنا إنسانيا متفاوتا بين الأفراد حسب ثقافاتهم ، وإنما أصبح شأن السلطة والحكومة : لذلك تم التنكيل عبر التاريخ بكافة الفرق التي حاولت إنتاج فهمها الخاص لدينها ، وتم اعتبارها مارقة على الدين والوطن معا لمعارضتها الفهم الوحيد الرسمي ، ومن ثم تحول الإسلام عن فضاء مفتوح مطبوع بطابع بيئته الصحراوية والمفتوحة ، إلى حرز مغلق ملزم للجميع وفق المفهوم المحدد رسميا ، بل وتم وضع شروط لأي مجتهد تجعله في البدء ملتزما بفهم حلف الفقيه (السلطان) للنص ، أو يدور في فلك هذا الفهم وحده في مسائل جزئية محكومة بالأصل ، وهكذا ، ومن فجره تمت سرقة إسلامنا منا ، لينغلق على فهم 1400 عام مضت أقصى عنه الرأي المختلف عما فهمته السلطة الرسمية الصحابية في فجرها ، بتقديس أسلاف بعينهم تم وضعهم في رتبة تجعل من تصرفاتهم ومواقفهم – حتى لو عارضت الإسلام البكر – مقدسات للمسلمين حتى الأبد ، مع تقديس شخوص أصحاب هذه القرارات حتى تتقدس قراراتهم ليصبحوا بعددهم وعدتهم أسيادا للمسلمين كما الرب سيدا ، رغم أن رب الإسلام لم يمنح أحدا حق هذه السيادة المطلقة إلا لنبيه وحده ، وفي بعض الحالات يمكنك أن تكتشف أن النبي نفسه لم يحز هذه السيادة والإطلاقية التي منحها الفهم الرسمي لنفسه ولسلطته ورجاله وسلفه الصالح.

وهكذا دعم رجل الدين المحترف مركزه المرموق والسلطوي العظيم بالدين ، وشكل أبشع شكل انتهازي في التاريخ لدين المسلمين ، لكنه في نقس الوقت تمكن من أن يجلس أمام المسلمين في مقعد نبي المسلمين الخالي بوفاته ، ليعظ ويفتي ويحكم وينفذ أحكامه ، حتى بات مترسبا في أذهان المسلمين بشكل لا واع أن هؤلاء المحترفين هم القادرون وحدهم على التواصل مع دين تباعد عن مفاعيل الزمان المتطور ، وأصبح طلاسم غامضة ، وللغوص فيه مختصون مدربون مهرة لهم باع تخصصي ، من نوع يضفي عليهم القداسة ، وليس مطلوبا من المسلم العادي مثل هذا الغوص الخطر ، وأصبح وجود رجل الدين في الإسلام ضرورة ، وهو الدين الوحيد الذي لم ينص لا معنى ولا مبني على شيء اسمه رجل الدين. وما تباعد الدين عن فهم الناس إلا لأنه مغلق على معنى واحد ، ولأن هذا الفهم قد تمت سياجته بشروط تعجيزية وإضافات وحشو من قواعد فقهيه وحديث وتفاسير وتفاسير للتفاسير ، جعلت من دين المسلمين أكبر دين في العالم من حيث مساحته الثقافية وجداول شروط التعامل معه ، حتى بات الأصعب في التعامل معه بين الأديان رغم أنه في بكارته كان هو الأبسط بين كل الأديان.

منذ برز الغزالي (أبو حامد / حجة الإسلام) و ألجم العوام عن علم الكلام (حسب عنوان كتابه الأشهر) تمت فلسفة استبعاد المسلمين عن التحدث في شئون الدين ، وتم قصر الإفتاء على المؤهلين له ، ليفتوا للملجمين في الأرض في كل حركة أو إشارة أو سكنة ، و جعل المحترفون أنفسهم هم أهل الذكر المقصودين بالأيات “فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” رغم أن المقصود بها في بكارة الوحي هو سؤال أهل الكتاب للتيقن من صدق الوحي الإسلامي. مع ختم الفم بالشمع الأحمر التاريخي بتحبيذ اتباع أوامر الأيات القائلة : “يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم” “101 / المائدة“.

أسس الأكليروس الحصين حلف السلطان لتحبيذ عدم السؤال وعدم المعرفة وتأكيد مستمر على قصور عقولنا ، لأن الله خلق لها سبل معرفة محدودة محددة هي أن نسأل أهل الذكر ونأخذ بإجاباتهم ، كما كان واجبهم قبلنا أن يسألوا سابقيهم ليأخذوا إجاباتهم ، وهكذا كان النقل ، فالنقل حتى نصل إلى القرن السابع عند الحلف السلطاني الأول.

لقد تم من البدء التأكيد على حرمة السؤال خارج المسموح به من لطافات الفتاوي اللذائذية الغرائبية وأغلبها الغرائزية ، وعدا المسموح لا أحد يسأل نفسه ليبحث بنفسه عن جواب ، لأن هذا البحث سيؤدي لاستخدام العقل الذي هو ميزة الإنسان عن الوحوش والبهائم ، واستخدام العقل سيجر إلى التفكير المنطقي ، والتفكير المنطقي سيسقط الخرافة ويتحداها ، وهي إحدى أهم أدوات الرأي السلطاني ، لذلك كان القرار هو تحريم السؤال.

لقد تم من البدء تكفير أي ابتداع جديد ، بل أصبح الابتداع الذي تسعى إليه البشرية في كل مكان ، وصمة عار تلحق بالعبد الصالح إن حاوله ، لأن كل بدعة ضلالة ، بتجريم صارم واضح مباشر لكل إبداع ، و رغم أن المقصود بهذا الحديث إن كان صحيحا هو الابتداع في شئون التعبد وحدها ، فإن سادتنا وسعوا المعنى بقدر اتساع ذممهم ليضربوا لنا الأمثلة من تاريخ الدعوة وكيف ضرب النبي في صدر البدوي الشاك فزال شكه ، وكيف خضع الغزالي لشروط الإيمان بعد الشك فقذف الله في صدره بنور الإيمان : كتابه (المنقذ من الضلال).بل إن النبي نفسه عندما كانت توجه له الأسئلة طلبا للمعرفة ، فإنه ما كان يجيب من نفسه إنما ينتظر إجابة السماء ، في أسئلة حول بسائط المعلومات كالأهلة واليتامى والأنفال وذي القرنين.. إلخ ، ومن ثم تم وضع المسلم في مأزق الحصول على المعرفة و هو ليس بنبي ، ليقيم المحترفون من سدنة الدين أنفسهم مكان نبي المسلمين ، وسطاء بين البشر والسماء يجيبون لهم بأسئلة هي الصواب المطلق الذي لا يأتيه الباطل. رغم علم سادتنا هؤلاء أن ذلك يعني نقصا رئيسيا في الإسلام ، وأنهم جاءوا ليكملوا هذا النقص كلما اتسع ، وهو ما يعني أيضا أن النبي قد قصر في إبلاغ كامل دعوته لأمته ليعطي المجال للسدنة من بعده ليقوموا بوظيفة الإكمال المستمرة عبر التاريخ ، دون أن يتحقق هذا الاكتمال يوما ، بدليل ما يضيفونه كل يوم ، رغم تأكيدهم للآيات “وما فرطنا في الكتاب من شيء” لكنها هي الآيات نفسها التي يستخدمونها لدعم سيادتهم ، لأن الآية تؤكد المصدر السماوي للمعرفة الذي لا يطاله المسلم العادي إلا عبر المتخصص الدعوي.

ولمزيد من تأكيد أن المعرفة ليست خارج الإسلام أبدا يتم تأكيد تفسيرهم للآيات “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” “3 / المائدة“ وأن هذه النعمة التامة تتضمن كل جواب على أي سؤال.أي أن أكتمال الرسالة يعني اكتمال معارف البشرية بتمامها وليس بإمكاننا أي إضافة جديدة أو بذل أي جهد جديد خارج هذه المعرفة المكتملة.

وكي يتمكن حلف الكاهن والسلطان من الحصول على أعظم نصيب ممكن من النعم ، جعلوا المسلم في رؤيته المستقبلية لا يرى مستقبل حياته في أرضه وكيف ليكون أفضل ، بل يقفزون به إلى مستقبل أبعد هو الحياة الأخرى لأن الحياة الدنيا هي متاع الغرور وهي إلى الفناء ، بينما الباقيات الصالحات خير عند ربك وأبقى.

و من ثم تم صرف الناس عن متاع الدنيا الذي هو جزء من التفاعل معها ، وتطويرها لمزيد من الرفاه والسعادة ، إلى متاع الآخرة حيث يسكرون وينزون على الحور العين ويعيشون لذة الخلد الكسول أبدا الدهر ، تاركين الآثام للحلف السيادي يستمتع في قصوره بالشراب والجواري الحسان ، بينما كان أهل الدين يجلدون الناس في الشارع على شرب الخمر ويرجمون الزناة ، ليس فقط لجرهم إلى الجنة بالسلاسل ، ولكن لصرف العامة عن نعم و بلهنية ، تكفي بالكاد حلفاء السلطان في عيشتهم الراضية التي تطلب دوما المزيد؟

وبسبيل تأكيد وتركيز الثروة كان يتم نزح ثروات المواطن والبلاد الإسلامية الخاضعة و الإفراط في الجباية ، وهو مبدأ لازال يسري حتى اليوم منعا لحدوث مساحات تقارب أو مساواة ، لأن المساواة هي العدو الأكبر لحلف السلطان الديكتاتوري ، لأنها تؤدي إلى تسامح المتساوين مع بعضهم البعض ، ومن ثم ينبذ المجتمع التعصب ، لهذا يصر تاريخنا السلطاني على عدم السماح بتسرب السماحة إلى المجتمع ، بوضع نظرية المؤامرة الكونية الكبرى التاريخية ضد الإسلام ، منذ ابن سبأ الذي أشعل الفتنة الكبرى وحتى اليوم. و هي المؤامرة التي لابد أن تفرض على العامة الانصياع للحلف السلطوي ، لأنه حامي حمى الدين والديار من العدوان الخارجي ومن المؤامرة ، ليصبح صحيح الإخلاص للأمة والدين هو إخراس أي صوت يعلو فوق صوت معركة دائمة ، يخوضها المسلمون دفاعا عن أنفسهم ضد المؤامرة العالمية التاريخية الصهيونية الصليبية الإستشراقية العلمانية الشيطانية ، وعلى كل الأغنام أن تقف وراء كلاب الحراسة التاريخية مطيعة منقادة.

ومنعا لحل أي مشاكل يجعلون طوارئ بلادنا الأمنية دائمة مستمرة ، حتى لو سالمتنا الدنيا كلها ، لأن هذا السلام سينهي فكرة المؤامرة ويسقطها مع توابعها تسلسليا حتى الحلف الكبير الذي لابد أن يهتز بدوره وينهار ، من هنا وضع مشايخنا في إسلامنا عقيدة جديدة تؤجج الصراع الدائم بين المسلمين وغير المسلمين في الدنيا كلها ، هي عقيدة الولاء والبراء التي تمسح السماحة مسحا ليستمر الصراع ، الذي يحتاج إلى تأجيج التعصب باستمرار بدلا من السماحة بين المسلمين ، لأن السماحة تنهي الصراع ولا تحتاج لمتعصبين يحمون العقيدة ، تنهي دور هذا الحلف المقيت.يؤججون الصراع والتعصب كل يوم في كل مكان بأشرطة الكراهية التي حولت وسائل المواصلات في بلادنا إلى وسائل دعوة متنقلة ، بإعلامنا بتعليمنا بقيمنا ، فنذبح الوطن لأن مسيحيا حول غرفة في منزله إلى كنيسة ، أو لأن كاتبا او فنانا أو سياسيا أهان نبي الإسلام في بلاد ما وراء بحر الظلمات ، ليظل الإسلام دوما بحاجة لوجود سدنته ، وحتى ينسى الناس أن الدين في حماية صاحبه وأنهم ليسوا أكثر قدرة منه لأنه هو الله ، وأنهم ودينهم هم من في حمايته وليس العكس.

ويا حزن القلب على وطن لا شبيه له في عمقه التاريخي والعلمي تخرج قياداته اليوم من النخبة المتعلمة في نقابات محامين أو مهندسين أو أطباء أو نوادي هيئات تدريس الجامعة لينادوا بضرورة قفزنا إلى المستقبل خلاصا من الذلة والهوان ولكن بالعكس ، قفزا إلى الماضي ، كما لو كانت مصيبة تخلفنا الحالي لم ترض كامل رغبتهم ليأخذونا إلى مزيد من التخلف والأنهيار.

إن السدنة بعد سقوط الخلافة وما تبعها من حركات استعمارية واستقلالية انقسموا إلى فريقين ، فريق قرر استمرار العمل ضمن السلطة الرسمية لينعم إلى جوارها بنعيمها ، وفريق ثان قرر العمل تحت الأرض أي مع الناس ، لأنهم كلهم تحت الأرض ، مستغلا نفوذه التاريخي على أرواحهم من أجل تثويرهم أو دفعهم ولو بالقتل نحو الحكم الثيوقراطي ليحكموا بأنفسهم مباشرة دون حاجة لوجة مدني كان قناعا ليس اكثر ، مع تحالف تحتي بين الفريقين يدعمان بعضهما باستمرار.

أن“اللانضج المعيق للتنوير يعود إلى نقص العزيمة والجسارة في إعمال الفهم من غير معونة آخرين فيما لديه من نصوص“. المشكلة سادتي الفلاسفة عندنا أن “نقص المعرفة وتقييد عمل الفكرة ، وقتل الفهم” ، هو قواعد إيمانية كبيرة ليست شيما تحتاج للجسارة عليها ، فهي بالعكس تماما ، فقد طلب الغزالي حجة الإسلام تلجيمنا عن الكلام باللجام كالحيوانات الملجمة ، ويحدثنا – نور الله قبره- قائلا : “إن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق ، عليه التقديس والتصديق والاعتراف بالعجز عن فهم كنه ما لم يفهم ، والكف عن البحث في باطنه ، مع التسليم بما يقوله أهل العلم (يقصد بالدين) في هذه الأمور“.

وهو ما يعني أن جماهير المسلمين قد حكم عليهم نظامهم الديني بالغباء وعدم القدرة على الفهم والتعلم ، لذلك وجب عليهم التسليم للمشايخ ، فهم أهل الخبرة الفنية في التعامل مع هذا الدين.

إن سادتي الفلاسفة لا يرون أننا في مرحلة سابقة على ما احتسبه كانط مسلمة موضوعية هي “إعمال الفهم“ كملكة هي الأشد عدلا في تقسيمها بين الناس ، كما قال ديكارت ، ومع ذلك فإن هذه الملكة عادلة التقسيم لا وجود لها عندنا أصلاً ، نحن في مرحلة أسبق من مرحلة الفهم !! كانط ينصحنا مأجورا مشكورا على لسان الدكتورة منى بالخروج على حالة اللانضج الاختياري ، بينما الدكتورة لاشك تعلم أن ما لدينا هو حالة لانضح معتقة معنعنة نقلية متوارثة ، حالة استنكار للفهم وإعماله في وجود سادتنا من سدنة التخصص في معرفة الله ، تحولت إلى عدم فهم يورث جينيا بصبه في روح السنوات الأولى لطفولة المسلم.. إن ما لدينا لم يخطر سادتى الفلاسفة لكانط.

وإذا كان الفلاسفة يريدون تنويرنا بالرجوع إلى فلاسفة الغرب بفلسفة نقلية فنحن في غنى عنهم ، لأن مصدر تنويرنا جاءنا عن نبينا عن إرادة إلهية ، جعلت من مجتمع جاهل جائع متخلف بدائي ، حاضنا لرسالتها الخاتمة ، وقيما وحاكما على شعوبها وشعوبنا الموغلة في الحضارة والمدنية.

نحن في بلادنا سادتي الفلاسفة النقليين ، أكثر رفاهية من الاحتياج للعمل ، فكلانا الأغنياء في الخليج والفقراء في غيره ، لم يقدم احدهما شيئا بعد للإنسانية يساهم به في حضارتها ، لأنهم ببساطة عندما يحتاجون شيئا باعتبار الحاجة أم الاختراع ، لا يخترعون ، إنما يلجأون للدعاء وللقنوت ، يطلبون إلى السماء أن تقوم بالمطلوب نيابة عنهم ، يريدون علما سابق التجهيز يسهر عليه رجال الدين ، ويعتمد مصدرا مرجعيا واحدا لا يتغير ولا يزيد هو القرآن والحديث.نحن في بلادنا نحقق ما نشتهي بالدعاء لنظهر لله أننا أخلص إليه ، وأننا الأولى برعايته من إسرائيل وأمريكا.

سادتي الفلاسفة.. إن أجهزة تشكيل الرأي العام الحديثة والهائلة القدرة كالمذياع والتلفاز لم تكن موجودة زمن كانط ، ليرى كيف أمكن استثمارها بالعودة إلى ما قبل بداية استخدام المخ لوظيفته (العقل) ، وساعتها كان سيقول كلاما اخر بالقطع.

إن خيرنا سادتي ليس معكم ، ولا مع كلامكم الكبير الرفيع البعيد عن مستوى فهمنا الملغي أصلا ، إن خيرنا ومصالحنا مع محترفي العمل الديني ، لسنا مع طه حسين بعد أن أعلن فشله بنفسه ونزع عن نفسه الاستنارة ، ولبس ثياب الشيخ ليعلن نهاية مشروعه بنفسه ما بين الشعر الجاهلي والأدب الجاهلي ، ولا مع سيد القمنى بعد ان اعلن تبرؤه مما كتب ، ولا مع نصر ابو زيد بعد ان هرب بجلدة الى هولاندا وارضنا تتشقق عطشا البة.. بينما لم يتراجع لا ابن كثير ولا ابن حنبل ولا ابن عبد الوهاب ولا ابن لادن ولا ابن الزرقاوى ولا ابن قرضاوى.

سادتي الفلاسفة يرون “ضرورة الإصلاح الديني الذي يحقق مشروعية الفحص الحر للنص الديني”. ألا تعلمون سادتي أن هذا الفحص الحر المطلوب قد تم وانتهى العمل منه خلال القرون الآربعة الهجرية الأولى ، وعلى يد أسلاف أعظم منا تم القرار بشأنهم بأنهم “لا يجود التاريخ بمثلهم مرة أخرى” !! وقد بذلوا الطاقة وأفرغوا الجهد والطاعة في فرز الحديث وإسناد الما ئل منه وشرحوا القرآن وفسروا غوامضه وأرسوا قواعد الفقه ، حتى بات من القول المأثور “لم يترك السلف شيئا للخلف “.

إن إعادة الفحص المطلوبة هي عمل مغرض خبيث ضد ما أجمعت عليه مقاصد الأمة ، وهو جزء من المؤامرة العالمية ، وللدين حراس وللأمة أمناء يا فلاسفة.

أما كيف يقوم الإصلاح الديني : يقول لنا الفلاسفة “بمبدأين هما : إجلاء الغموض الكامن في النص الديني ، والثاني إعادة الفحص”!! يا للكلام الجميل حقا ، لكنه يبدو مطلا من نافذة أخرى لا ترانا ، فلا غموض لدينا ، لأنه يصيب من يريد أن يعتقد نفسه فاهما ، يصيب ضعاف الإيمان لعماء بصيرتهم وغضب الله عليهم ، لأن المؤمن الصادق ينير الله له بصيرته ، وإن لم ير ما وراء النص الغامض فسيريه الله إن آجلا أو عاجلا ، بدليل وجود مشايخ لا يجدون أي صعوبة مع أي نص فى اى شئى كان. وفكرنا هو الصالح لكل زمان ومكان لأنه معرفة إلهية تامة ، والإيمان به نهايته حتمية معروفة ليس فيها أي احتمالات.. جنة الخلد بخمرها وحورها وولدانها ، حيث لا مهمة للمؤمن سوى الاكل والسكر والنكاح فى لذة ابدية.

أمتنا الوحيدة في العالم التي اكتشف فيها رجل الدين (الزنداني اليمني( علاجا نهائيا لأمراض البشرية المستعصية الثلاثة “السرطان وفيروس سي والإيدز” ، وربما يسعى الآن إلى اكتشاف دعاء يسقط صورايخ وطائرات الأعداء قياسا على إسقاط المطر بالصلاة.

سادتي الفلاسفة.. إن حتمية قيام التنوير تصبح قائمة عندما نشعر بالحاجة إليه ، بينما نحن نعتقد بحاجة العالم غير المسلم كله إلينا ، لننقله مما هو فيه من ظلمات إلى نورنا.

سادتي الفلاسفة ، إن البداية تكون عندما نقتنع أن ما بأيدينا ليس شيئا ذا بال ، بل هو شيء بالت عليه كل القرون اللواحق

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.