بطرس آدم*
أن أمتنا وكنيستنا الكلدانية بتاريخهما العريق والمشترك، هما كالتوأم السيامي يصعب فصلهما عن بعضهما البعض لنضالهما المشترك، فالأمة الكلدانية تشرّفت بهبة الأيمان المسيحي منذ القرن الأول للميلاد، فكانت عملية أتحاد بين أمة راقية، وبين نور الأيمان المسيحي، فالكلدان بماضيهم العلمي الرفيع صقلوا هذا التاريخ المجيد بالأيمان الألهي لينتج عنه هذا التمازج بين العلم والأيمان لأرقى شعب خلقه الله والذي أختاره ليتجسّد في بطن عذراء من بناته، هذا النسل الذي لم يكن غريبا عنه معرفة الله حتى قبل مجيء الرب يسوع المسيح، حيث يرد في العهد القديم في سفر دانيال(4: 34- 37).
34 وَعِنْدَ انْتِهَاءِ الأَيَّامِ: أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ رَفَعْتُ عَيْنَيَّ إِلَى السَّمَاءِ فَرَجَعَ إِلَيَّ عَقْلِي وَبَارَكْتُ الْعَلِيَّ وَسَبَّحْتُ وَحَمَدْتُ الْحَيَّ إِلَى الأَبَدِ الَّذِي سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ وَمَلَكُوتُهُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. 35 وَحُسِبَتْ جَمِيعُ سُكَّانِ الأَرْضِ كَلاَ شَيْءَ وَهُوَ يَفْعَلُ كَمَا يَشَاءُ فِي جُنْدِ السَّمَاءِ وَسُكَّانِ الأَرْضِ وَلاَ يُوجَدُ مَنْ يَمْنَعُ يَدَهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟ 36 فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ رَجَعَ إِلَيَّ عَقْلِي وَعَادَ إِلَيَّ جَلاَلُ مَمْلَكَتِي وَمَجْدِي وَبَهَائِي وَطَلَبَنِي مُشِيرِيَّ وَعُظَمَائِي وَتَثَبَّتُّ عَلَى مَمْلَكَتِي وَازْدَادَتْ لِي عَظَمَةٌ كَثِيرَةٌ. 37 فَالآنَ أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ أُسَبِّحُ وَأُعَظِّمُ وَأَحْمَدُ مَلِكَ السَّمَاءِ الَّذِي كُلُّ أَعْمَالِهِ حَقٌّ وَطُرُقِهِ عَدْلٌ وَمَنْ يَسْلُكُ بِالْكِبْرِيَاءِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُذِلَّهُ
وسوف أسير في خطة هذا البحث بالمقدمة وفصلين، الأول سوف أتطرق الى الكلدان في التاريخ القديم في أربعة أقسام، وفي الفصل الثاني سوف أتكلم عن الكلدان بعد الحكم الوطني في العصر الحديث تحت أربعة أقسام نحاول أن نتكلم عن الترابط الوثيق بين الأمة الكلدانية والكنيسة الكلدانية، ومن ثم بعض المقترحات التي تؤدي من وجهة نظرنا الى تعزيز النهضة الكلدانية، وأختتم هذا البحث بالخلاصة عن الموضوع.
1 – المقدمة
أُثيرَ الجدل حول الهوية القومية للمسيحيين العراقيين ما بعد الأحتلال الأمريكي عام 2003، كنتيجة من نتائج هذا الأحتلال، لأنه لم يكن هناك أيّ جدل بين المسيحيين حول هويتهم القومية منذ قيام الحكم الوطني الثاني(1) عام 1921، فقد كانت تعيش جميع القوميات المسيحية تحت ظل الدولة العراقية بتآخ، ولم يكن هناك توجّه لدى المسيحيين في حزب قومي خاص بهم، عدا بعض الأخوة الآثوريين الذين كانوا منتظمين في أحزاب قومية متأثرة بالحلم القديم في تشكيل دولة خاصّة بهم في ما يعتقدونه بأرضهم التاريخية في شمال العراق بدفع من زعمائهم الدينيين. كما لا يجب أن ننسى حزب زوعا (الحركة الديمقراطية الآشورية) الذي نشأ في كنف الأحزاب الكردية في خضمّ التمرّد الكردي أو ما أطلق عليه الثورة الكردية التي بدأها المرحوم الملا مصطفى البارزاني عام 1961، حيث نشأ حزب زوعا عام (1979) وكانت كوادره جنبا الى جنب مع المقاتلين الأكراد ضد الحكومة العراقية
أما الكلدان الذين يمثلون أكثر من 80% من مسيحيي العراق، فلم يؤسسوا حزب خاص بهم، بل القلّة التي كانت ترغب بالحياة الحزبية، أنتمت الى الأحزاب العلمانية الموجودة على الساحة كالحزب الوطني الديمقراطي(كامل الجادرجي)وحزب الأستقلال والحزب الشيوعي العراقي وحزب البعث العربي الأشتراكي، والبعض من الذين يسكنون شمال العراق أنضموا الى الأحزاب الكردية بسبب ظروف وجودهم بين الأكراد.أما معظم أبناء الأمة الكلدانية فكانوا منصرفين الى أعمالهم ودراستهم وأستثماراتهم وشؤونهم التجارية والأقتصادية، فبرزوا وتميّزوا فيها مساهمين في خدمة وطنهم في كافة المجالات العلمية والثقافية والأقتصادية والفنية والعديد منهم تبوأوا مراكز مهمة في الدولة العراقية، ففي العهد الملكي ومنذ تأسيس الدولة العراقية، كان لهم تمثيل نيابي ثابت في الدستور (5%) من عدد أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم آنذاك (100) نائب، كما كان لهم عضو ثابت في مجلس الأعيان، فضلا عن أن العديد منهم تقلدوا مناصب وزارية، ووظائف عالية سواء في القطاع الوظيفي المدني أو العسكري .
وبعد هذه المقدمة الموجزة سنحاول وبأيجاز أيضا الحديث عن التاريخ الكلداني في مختلف تسلسل مراحله قبل أن نتطرق الى الكنيسة ودورها في النهضة الكلدانية وسوف نركّز الضوء قليلا على تاريخ الكلدان في العراق، وغايتنا ليست نزعة قومية شوفينية أو عنصرية متعالية، بل أبراز حقائق التاريخ لأبناء أمتنا اليوم ولأبناء أجيالنا القادمة.
الفصل الأول
1 – الكلدان في التاريخ القديم
تزخر كتب التاريخ القديم الخاصة بالسلالات والحضارات بالتفصيل عن الأقوام التي عاشت في بلاد بِيثْ نَهرَيْن (بلاد النهرَينْ وليس كما يُطلَقْ عليها، بينَ النهرَيْن)، والعديد منها يتكلم بالتفصيل عن هذه الأمم والشعوب، كما وأن العديد منها هي آراء ونظريات قد تكون صحيحة وقد تكون دُوّنت لأغراض خاصة بمؤلفها، لذلك فسوف أعتمد على كتاب تاريخي لا يرقى أليه شك لأنه موحى به من الله، وهو كُتِب بأطول فترة لم يدانيه أي كتاب آخر وهي فترة تقترب من (1600) عام تثبت صحته بمرور الأيام وأن أقصى ما يستطيع من يعترض عليه أن يقول هو، أنه لا ينبغي قرائتِه ككتاب تاريخي، ولكن الحقيقة هي أن ما يتحدث عنه الكتاب، تثبت صحة أحداثه التاريخية بمرور الأيام، وكلما يتم أكتشاف أثر تاريخي جديد للأقوام التي أستوطنت هذه المنطقة، ونستطيع القول، ودون أن نُتّهَم بالتطرف، بأن الكتاب المقدس هو كتاب خاص بتاريخ الكلدان نفسهم، أذا ما آمَنّا بما ورد في البعض من أسفاره الموحى بها من الله، فالكتاب المقدس تأ سّسَ على شرح خطّة الله الخلاصية للجنس البشري بعد سقوطه في حبائل الأبليس وخضوعه لتجربته، وهو بمجمله يتحدث عن خطة الله الخلاصية في تجسّده ليفدي نفسه على الصليب، فيتحدث عن شعب الله المختار(العبرانيين) الذي من نسله يأتي المسيح، وأن هذا الشعب المختار ترجع أصوله الى الكلدان كما يرد بوضوح لا لِبْسَ فيه في سفر يهوديت، الأصحاح الخامس، الأعداد من (6-23).(*) فيتحدث الكتاب المقدس في أصل الشعوب ما بعد الطوفان فيأتي بذكر نوح وأولاده الثلاثة (سام – حام – يافت)، ويركّز على أبن نوح سام، وأولاده (عيلام – اشور – أرفكشاد – لود – آرام) ومن ثم يترك أولاد سام الأربعة ويُرَكّز على الأبن الأوسط (أرفكشاد) ومعناه (حصن الكلدانيين)(2) وهو كما يذكر المفسرون جد القبائل العرب اليقطانية (القحطانية) وجدّ الكلدانيين (كهنة وحكماء بابل) ويقتصر الحديث فقط على نسل أرفكشاد حتى يصل الى أبرام (ابراهيم) فيذكر أسماء (نوح – سام – أرفكشاد – شالح – فالج – رعو – سروج – ناحور – تارح – ابرام – (أبراهيم) (3).
2 – الحكم الكلداني (4)
كانت الأمبراطورية الآشورية قد سبقت الأمبراطورية الكلدانية بتأسيس دولة مركزية قويّة في منطقة شمال بيث نهرين(بلاد النَهْرَيْن – العراق) ولكن ذلك لا يعني أنه لم يكن للكلدان وجود كحكام أو ممالك، بل كانت لديهم ممالك محليّة قوية منذ القرن الحادي عشر (ق.م) على شكل ممالك قبلية عشائرية كان يرأسها رئيس العشائر ويطلق على نفسه (ملكا) وكانت مجموعة الممالك هذه تحتلّ مساحات واسعة في وسط وجنوب العراق والسواحل الغربية والشرقية للخليج (العربي) وجزره المتعددة كالبحرين وقطرايا وفيلكا، وكان يطلق على الأراضي التي كانت هذه الممالك الكلدانية المتفرقة تشغلها أسم (بلاد البحر) وذلك لوقوعها على الخليج(العربي) ولكثرة الأهوار والبحيرات فيها وتعترف بذلك حتى حوليات الملك الآشوري (نيكوتي نينورتا الأول – 1244 – 1208 ق.م) فيذكر فيها (بلاد الكلدان و بحر الكلدان).
كانت الدولة الكلدانية (مجموعة الممالك) تحت أحتلال الآشوريين، وكان الملك (شمش شم أوكين) في بابل (الذي كان قد نُصّبَ ملكا على بابل من قبل أخيه الملك الآشوري آشور بانيبال 668 – 627 ق. م) كان قد تمرّد على أخيه الملك، فقاد آشور بانيبال حملة ضد أخيه وأقام حصارا على بابل مما أدّى الى ألحاق أضرار فادحة بالدولة البابلية، حيث كان سلوك الملوك الآشوريون عدائيا مع الممالك الكلدانية وبابل، وكان تصرّفهم هذا سببا في خلق الشعور بالتذمّر وعدم الرضا لدى بابل والشعب الكلداني الذي أستطاع بقيادة (كندلانو) أن يقوم بانقلاب عسكري ناجح في بابل ضد المحتل الآشوري، ورغم أن محاولته الأولى فشلت، الا أنه عندما توفي (آشور بانيبال عام 627 ق.م) كرر المحاولة هذه المرّة الأمير الكلداني (نبوبلاصر) من جنوب البلاد وقاد الجيوش الى بابل العاصمة عام (627 ق.م) ودخلها منتصرا وأعلن نفسه ملكا على الدولة الكلدانية، وأبتدأ عصر الأمبراطورية الكلدانية (87) عاما (626-539 ق.م) وكان تسلسل ملوكها كما يلي :-
أ – نبوبلاصر (مؤسس الأمبراطورية الكلدانية 626 – 605 ق.م)
ب – نبوخذ نصر الثاني (أعظم ملوكها 605 – 562 ق.م)
ج – أميل مردوخ (562 – 560 ق.م)
د – نركلصر (560 – 556 ق.م)
ه – لاباشي مردوخ (556 ق.م)
و – نايونانيد (556 – 539 ق.م)
وفي عهد الأخير سقطت الأمبراطورية الكلدانية نتيجة لضعف قيادتها وتسليم معظم أمور الأمبراطورية بيد اليهود الذين تآمروا مع (قورش الأخميني) الذي تعهد لليهود بأعادتهم الى بلادهم ومساعدتهم في بناء الهيكل، وبسقوط بابل، سقط آخر حكم وطني في العراق وأبتدأت عهود الآحتلالات الأجنبية
3 – الكلدان في شمال العراق
سؤال يدور في أذهان البعض وهو أذا كانت بلاد الكلدانيين هي كما يذكر المؤرخون وكتب التاريخ ومنها الكتاب المقدس، كانت حدودها الشمالية تبدأ من وسط العراق جنوب نهر العظيم والى البحر الذي كان يطلق عليه بحر الكلدان، فمن أين جاء الكلدان الموجودون سابقا وحاليا في القرى والبلدات المسيحية في شمال العراق وجنوب شرق تركيا، والذي يدعي القوميون الآثوريون بأن كل من يسكن في أرض آثور، هو آثوري؟؟
أ – يتفق معظم المؤرخين أن أطماع الآشوريين في بلاد الكلدان لم يكن لها حدود، فكانوا يعتبرون الأله مردوخ هو الآله الأعظم لكل بلاد بيث نَهرَيْن (بلاد نْهرَيْن – العراق) الذي كان مركز عبادته في بابل وهي في نفس الوقت المركز الحضاري الأول في العالم، لذلك فكانت الحملات الآشورية مستمرة على بلاد الكلدان، فيذكر الملك الآشوري (نيكولتي نينورتا الأول 1255 ق.م) في أحدى حولياته فيقول، لقد أسّرت ملك بابل ووضعت قدمي فوق رقبته، وجلبته أسيرا!! وكانت سياسة الآشوريين، هي ترحيل شعوب الممالك التي تحتلها الى منطقة آشور في أعالي بيت نهرين، فعلى سبيل المثال يذكر (تغلت بيلاسر الثالث) أنه في عام 731 ق.م أحتلّ بلاد بابل وأسّرَ في حملته (000 155) أسير كلداني، ساقهم الى البلاد الآشورية، والملك سنحاريب (705-681 ق.م) يقول، في السنة الأولى من حكمي، ألحقت هزيمة بالدولة الكلدانية وأسرت (000 208) أسير كلداني، جلبتهم الى البلاد الآشورية، وفي مسلّة (بللينو) التي يعود تاريخها الى (700 ق.م) والموجودة في المتحف البريطاني، يرد فيها، أن سنحاريب أسّر الآلاف من الكلدان ورحّلهم الى البلاد الآشورية، وفي حملتين أخريتين أسّر الملك الآشوري سرجون الثاني(960 106) كلداني ونقلهم الى بلاد أشور، أي أن مجموع ما تم أسره ونقله من الكلدان الى بلاد أشور في حقبة زمنية قصيرة حوالي (نصف مليون) كلداني أسكنهم في بلاد آشور، وهم بالتأكيد أضافة الى الموجات اللاحقة الأخرى، أجداد أبناء البلدات والمدن والقرى المسيحية الكلدانية في شمال العراق وجنوب تركيا (4)
ومما لا شك فيه أن الوجود الكلداني قد تركّز وأزداد بعد سقوط الأمبراطورية الآشورية عام 612 ق.م، وأستمر الوجود الكلداني في شمال العراق وجنوب شرق تركيا حتى بعد سقوط الأمبراطورية الكلدانية عام 539 ق.م، وهو ما أكّده المؤرخ اليوناني(زينفون عام 401 ق.م) في كتابه، المجلد الخامس – الفصل الثالث، حيث يورد نصّا ((أثناء أستراحة النهار، رصدنا على الضفة الأخرى من النهر (يقصد نهر الزاب شمال شرق مدينة نمرود) قوّة خيّالة مدججة بالسلاح، ترافقها قوّة من المشاة بكامل الأستعداد، منعتنا من العبوروالأجتياز الى أرمينيا، كانوا أولئك هم الكلدان والأرمن والمارديين، أن الكلدان هم شعب حرّ ومحاربون أشداء مزودون بالتروس والحراب، مما أضطرّنا الى التراجع ولم نتمكن بالنتيجة من عبور النهر في تلك المنطقة)) ومن المستغرب أن هذا القائد اليوناني، مرّ بقلب البلاد الآشورية، ولم يورد أي ذكر للآشوريين، وهو دليل على أن أبادة جماعية حدثت للشعب الآشوري حين سقوط أمبراطوريته عام (612 ق.م).
ب – العامل الآخر الذي سبّبَ هجرة الكلدان الى الشمال هي الأضطهادات التي تعرّضوا لها في مختلف عصور التاريخ ولا سيّما ما بعد أهتدائهم الى المسيحية، وبسبب أيمانهم، وكان الأضطهاد الأربعيني في عهد الملك الفارسي (شابور الثاني 339 – 379) م الذي أستشهد فيه حوالي (000 300) شهيد مسيحي، مما أضطر الآلاف منهم الى الفرار واللجوء الى المناطق الجبلية المنيعة في الشمال، وكذلك في العهد الأسلامي، حيث أضطر الآلاف الى الفرار واللجوء الى المناطق الجبلية عام (700 م) من سيوف جند الحجاج بن يوسف الثقفي، وفي عام 780 م عندما أندلع الحروب بين العرب والروم في عهد الخليفة المهدي، وكذلك في عهد السلطان غازان المغولي (1295-1303 م) الذي صمّم أن تقلع جذور المسيحية في بلاده، فهرب الآلاف وأحتموا بالمناطق الجبلية، وكذلك حذا حذوه الخان المغولي (خربندافان عام 1306 م).
4 – الكلدان بعد المسيحية
دخل الكلدان في الأيمان المسيحي في القرن الأول الميلادي عندما كان العراق تحت الأحتلال الفرثي (153 ق.م – 217 م) على أيدي الرسول توما وتلميذيه مار أدّي ومار ماري في القرن الأول الميلادي (37م) وتأسست أول كنيسة في هذا الشرق في بلاد الكلدان هي (كنيسة كوخي) التي تقع الى الجنوب من بغداد على الضفة اليمنى من نهر دجلة، مقابل سلمان باك الحالية، ولا تزال آثارها باقية لحد الآن، وكانت كنيسة عامرة، وكانت مقرا للبطاركة الكلدان، ومنها سيقَ الشهيد مار شمعون برصباعي ورفاقه الشهداء الآخرين الى منطقة الأهواز، وهناك أستشهد الجاثاليق مار شمعون بر صبّاعي ورفاقه ال(130) من الأساقفة والكهنة والراهبات الشهداء عام (341 م) يوم الجمعة العظيمة (جمعة الآلام) في زمن الأضطهاد الأربعيني الذي نفّذه الملك الفارسي (شابور الثاني 339 – 379 م) وفي نفس الأضطهاد هرب الآلاف من الكلدان المسيحيين الى الشمال، ووصل البعض منهم الى الهند (كيرالا – مليبار) وبعد وفاة شابور الثاني مضطهد المسيحيين، ومجىء (يزدجرد الأول) أنتعشت المسيحية ثانية وبدأ عهد الأزدهار لها ولكن لفترة قصيرة لم تمتد لأكثر من سبعة سنوات.
ورغم الأضطهادات والمذابح والتهجير الذي طال الكلدان في العراق على مرّ العصور فأنهم كانوا يبذلون جهودا جبّارة ليبقوا متمَسّكين بأرضهم ووطنهم وأيمانهم، ويورد المؤرخ (الشابشتي) مؤلف كتاب الديارات وصف لأكثر من (37) ديرا في العراق معظمها في منطقة بلاد الكلدان التاريخية، من بينها دير هند الكبرى وهند الصغرى الذي قامت ببنائه هند بنت المنذر ودير درمالس ودير سمالو في منطقة الصليخ في بغداد ودير الثعلب في الكرخ ودير القديسة شموني وأولادها السبعة، وهناك أسماء أديرة أخرى في كل من تكريت والموصل وبلد وسامراء والديوانية والكوت والأنباروعنه.
(القسم الأول من البحث المُقَدَّم الى مؤتمر سان دييغو بعنوان – الكنيسة الكلدانية ونهضة الكلدان)
*عضو الأتحاد العالمي للكُتّاب والأدباء الكلدان