كلٌ يرتب صباحه..أسمع أنين الشبابيك المصفوقة بيد العاملات المنزليات لتنظيفها من الآثار الطينية لمطر دمشق..
الأمهات المبالغات في متابعة دراسة أبنائهن ينتظرن معهم حافلات المدرسة،يتذاكرون معا آخر خلاصة وأصعب جدول حسابي..
نواطير الأبنية تائهون بين واجب ملح بالتنظيف الصباحي لمداخل الأبنية والأرصفة وبين ما استطاعوا إضافته إلى مرتباتهم الضئيلة بجدول طويل ومرهق من أعمال إضافية من توصيل للطلاب او تأمين طلبات خاصة مستعجلة لسيدات الأبنية الوحيدات أو العاجزات عن التحرك.
عمال البناء والإكساء بأكياسهم السوداء التي تحتوي زوادة شحيحة وبعيونهم التي لم تصحو بعد من شدة التعب والنعاس.
اصوات الطائرة تملأ المكان..بعد ثوان معدودة نسمع صوت التفجير..نستسلم لصمت مؤقت إلى أن تتكرر الحكاية…
أصوات بوق إسعاف..لاشيئ يدعو للقلق..حملة تلقيح للأطفال من عمر اليوم وحتى سن الخامسة…
تنشط العصافير حضورا وشدوا وإمعانا في التهام بعض أنواع النباتات كالهوا الناعم..أضحك ثمة من يأكل الهواء أيضا غيرنا!!لكنه هواء بحجم وقابل ليصير لقمة مشبعة..أما نحن فالهواء سراب إضافي..
على شاشات الأخبار هجمات صاروخية جديدة في حلب وحماة…لا تعليق يحدد الفاعل..هجمات متكررة والكل مهتم بعدد الضحايا ليس إلا..وبعد قليل سيتنطح محللون سذج وثقيلي الظل لإثبات نباهتهم وأسبقيتهم الفذة في معرفة كل التفاصيل لدرجة قد يحددون معها لون جوارب القاصف…
كل يرتب صباحه..والصباح فاعل غائب والمدينة تراقب بصمت،تترقب؟ لا أعتقد ، فلاشيئ آتِ سوى المزيد من ألم الأمس وقبله وما قبله بسنين طويلة…
للمدينة الوسنانة والضجرة…للصباحات اللاهية في حساب الوقت ..للغائبين والضائعين في مجاهل التعرف إلى تاريخ اليوم وتوقد الشمس ورائحة الطين المتربع بثقة على تفاصيلنا…صباح النور…صباح الضوء ..وصباح يرتب وقت شاغليه بلهفة وألفة تتسلل من تفاصيل العمر كمطر يهجم خلسة ويغادر خلسة…يترك خرابه ويهرب…