بعد أن دفن شقيقته فقد محفظته فقال لنفسه: لعلي نسيتها في البيت أو السيارة.. بحث عنها طويلا حتى تذكر أنها سقطت منه في قبر شقيقته.. ذهب دون أن يخبر أحدا وحفر القبر بنفسه فلاحظ أنه يزداد سخونه كلما حفر أكثر، وحين وصل إلى حيث توجد جثة شقيقته وجدها تشتعل نارا فخرج وهو يرتجف من الرعب.. لم يخبر أحدا بما رأى، ولكنه عاد وسأل والدته: كيف كانت أخته في حياتها؟ فقالت: كانت من أفضل أخواتك وأكثرهن صلاحا وبرا ولكنها.. فقط كانت تؤخر الصلاة عن وقتها..
هذه القصة سمعتها قبل ثلاثين عاما (أيام كانت أشرطة الكاسيت في عز مجدها) وسمعتها مؤخرا كمقطع صوتي وصلني عبر الواتساب.
وهي مجرد نموذج لقصص مكذوبة تم اختلاقها بقصد الوعظ وتخويف الناس.. ولكن الحقيقة هي أن عذاب القبر لا يحتاج لقصص مختلقة، وأوقات الصلاة تتسع لمشاغل الناس المختلفة، ورحمة الله وسعت كل شيء ولن تنقطع عند فتاة تبر والديها..
واعتراضي هنا ليس على (العظة) بل على الكذب وأسلوب الوعظ والاستخفاف بعقول السامعين.. على الفبركة والتدليس وتحويل الدين إلى قصص رعب يسهل فضحها وتفنيدها..
تذكر معي عدد القصص المماثلة التي سمعتها بنفسك قبل أن تكتشف كذبها وتفقد الثقة بقائلها.. لن أعيدك إلى زمن “الكاسيت” بل إلى زمن الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي تنقل لنا هذه الأيام قصصا وصورا مفبركة يصعب على العاقل تقبلها – بل وعلى العقل الساذج التمسك بها لزمن طويل..
هل تذكرون مثلا صورة الفتاة العمانية التي تحولت إلى عنزة مشوهه بسبب استهزائها بالقرآن الكريم.. (اتضح أنها مجسم خيالي لفنان فرنسي)..
وقصة نيل أرمسترونغ أول رجل يمشى على سطح القمر وسماعه صوت الأذان حين وصل إلى هناك.. (رواية مفبركة اضطر أرمسترونغ لتكذيبها أكثر من مرة)..
وقصة الشاب الإماراتي الذي صور جنيا يتسلق جدار كهف ثم مات بعد تصويره مباشرة.. (اتضح أنه مجسم بلاستيكي تضيء عيناه بمفتاح كهربائي)..
وادعاء خروج نور من الحرمين الشريفين يصلان إلى السماء في العشر الأواخر من رمضان.. (اتضح أن الصورتين تم تركيبهما باستعمال الفوتوشوب)..
وأخيرا؛ قصة الشاب الذي فتحوا قبره بعد ثلاث ساعات فوجدوه متفحما من أثر العذاب (ثم أعلنت إدارة المرور أنها جثة متفحمة لفتاة احترقت في حادث سيارة)..
.. أيها السادة؛ رغم اعترافنا بعذاب القبر؛ إلا أن نبش القبور (وإعادة دفن الرفات في مكان آخر) أمر يحدث في جميع البلدان.. حتى المقابر القديمة في بقيع المدينة المنورة يتم حفرها مجددا لدفن الجنائز الجديدة (باستثناء قبور الصحابة وأمهات المؤمنين).. لم يحدث أبدا أن تم الإبلاغ في أي منطقة من العالم عن قصة تشبه التي بدأنا أو ختمنا بها المقال!!
.. أرجوكم.. خدمة للدين.. لا تحولوا ديننا لأفلام رعب ولا تعتقدوا أن اختلاق الأكاذيب سيجعل الناس أكثر تقوى، أو يجذب غير المسلمين إليه..
*نقلاً عن صحيفة “الرياض”
معظم دعاة الوعظ يستخدمون الكذب اداه لتمرير أساطير
أقوالهم التي لايصدقها العقل