لا غرابة، بأن لا يرى مضر رفعت الأسد أي مشكلة في إبادة 10 ملايين سني، وفقاَ للمكالمة التي أجرتها معه وسام، و نشرتها على موقع يوتيوب، كرر السيد مضر الرقم ثلاث مرات ببرود، أعلن ما يدور في عقل عائلة الأسد دون رتوش وطنية، وكلمات قومجية، و(زعبرة) مقاومة ومُمانعة.
يعرف الرجل، كما يعرف الجميع، أن عملية إبادة السنة أو نصف الشعب السوري، غير ممكنة كما تتمنى وتريد العائلة الحاكمة، ليس لأنها تعني بالمقابل اجتثاث الطائفة العلوية كرد فعل وثأر، بل لأن عمليات تطهير على هذا النطاق، تستدعي تدخلاً إلزامياً للقوى العظمى، لا يجدي في تفاديه رخاوة وتضليل أوباما، ولا إرادة إسرائيل، ولا فيتو مزدوج في مجلس الأمن.
لا يأبه آل الأسد لمقتل السوريين بغض النظر عن طوائفهم، ويدرك العلويون خصوصاً حقيقة استخدامهم كدروع لحماية الكرسي، لكن غالبيتهم للأسف ارتضى لنفسه هذا الدور، ويؤديه بإيمان راسخ كما أي سلفي جهادي أو تكفيري، بدورها (العلوية) أصولية أيضاً، حشدها حافظ الأسد ووريثة إلى درجة الإنتحار في سبيلهما.
مشكلة معظم العلويين، أنهم لا يرغبون في قراءة التاريخ القديم يحيادية ليكتشقوا حجم التزييف والتهويل في مظلوميتهم المدعاة كطائفة، ولا التاريخ القريب ليتيقنوا انهم كُبش فداء على مذبح سلطة الأسد، ولا الوقائع المُستجدة التي تبدد ما تبقى لديهم من أوهام استمرار الوريث، أو قيام دويلة علوية.
لو أكتفى العلويون بقراءة كتاب العماد أول مصطفى طلاس”امريكا تستحث رفعت الأسد للاستيلاء على السلطة”، لربما عرفوا قيمة دمائهم في بورصتها، يروي العماد طلاس في شهادته حول الصراع بين الشقيقين حافظ ورفعت سنة 1984، أن العميد رفعت حاول نقل المواجهة إلى اللاذقية، لأنه يعرف حساسية المنطقة، ولاعتماده أساساً على أبناء الطائفة العلوية، ولتصوره صعوبة أن يأمر حافظ سلاح الطيران بقصف المناطق التي ينشب فيها النزاع.
يستدرك العماد: كان إحساس رفعت خاطئاً، إذ لم يكن الرئيس ليتردد في قصف أي منطقة تتمرد على سلطته، وجاء موقفه حاسماً” لا مهادنة أبداً مع الخارجين على النظام، أضربهم اليوم قبل غد”، ما قاله العماد، لا يحتاج إلى تحليل عميق، كان العلويون حينئذ على وشك التعرض للقصف العشوائي بالطائرات وغيرها، الأصح كانوا مجرد فرق عملة، أنقذتهم صفقة تسوية مالية بين الأخوين، انسحب رفعت على اثرها من المواجهة مغادراً سورية.
يروي العماد طلاس في شهادته حادثة آخرى، مسرحها دمشق، ومُلخصها أن خطة رفعت للسيطرة عليها، تضمنت قصف المدينة عشوائياً لإرهاب السكان، وقطع أنفاس الناس، ثم استباحتها وسلبها لمدة ثلاثة أيام بلياليها، واستُدعيت للمشاركة في غنائم سوق الصاغة ميليشيا علي عيد من لبنان، لكن ألقي القبض على عناصرها قبل دخولهم دمشق بحسب العماد.
كأن دمشق ليست عاصمة، يسكنها جميع أطياف المجتمع السوري الطائفية والمذهبية والأثنية، والقصف العشوائي لا يفرق بين سني وعلوي، ومسيحي ومسلم، وكردي وعربي، ولا بين أكثرية وأقليات، لكنه يُؤمن الحكم، وليذهب الجميع فداءً لرجل كرسيه.
ما أشبه اليوم بالأمس، حيث يذكر وزير الدفاع طلاس في مذاكراته، أن رفعت قصد من محاولة فتح جبهة اللاذقية، والسيطرة على مسقط رأس الرئيس، أن يقول للعالم ( إذا كان أخي لا يستطيع السيطرة على المحافظة التي ولد فيها، هو بالأحرى غير قادر على السيطرة في بقية المحافظات).
اليوم، يفتح الثوار جبهة الساحل، إنما برسائل مختلفة موجهة إلى بشار أولاَ، ومفادها ان قيام دويلة علوية غير متاح، وأن ما يفعله في حمص والقلمون ليس مجدياً، ولا يؤمن الظروف الكافية للانفصال.
الرسالة الثانية إلى العلويين أنفسهم، فحواها أن الأسد عاجز عن حمايتكم في عقر داركم، وأن المعركة طويلة جداً، وقودها دماء أولادكم بالدرجة الأولى، وأن خريطة الخراب يمكن أن تشمل كل شبر في سورية.
تلك الرسائل، يفهمها العلويون منذ فترة طويلة، أوضح تجلياتها تزايد حالات التذمر المُعلنة في صفحات الموالين على مواقع التواصل الإجتماعي، طالت الأسد شخصياً، وانتقدت بشدة عدم اكتراثه لأبناء الطائفة، ورفضه مبادلة أسرى منهم لدى الجيش الحر بمعتقلين لديه، أسوة بالراهبات، واللبنانيين والإيرانيين، إضافة إلى نداءات أطلقها معارضون علويون، تحذر الطائفة من الاستمرار في دعم القاتل، وتفضح حقيقته، أصوات لم تلق أصداءً عند غالبية طائفتها، ولا تكفي لخلق رأي عام.
لا يبدو سبباَ مقنعاً لوقوف العلويين خلف عائلة الأسد سوى الأصولية العلوية المسلحة، والغريب أن الثوار المتهمين بالتشدد والتكفير، ثاروا على السلفية الجهادية، حاربوا داعش، لاستشعارهم خطرها على كل سورية والسوريين، فيما لا يزال العلويون يتمترسون خلف اسوار طائفة، يقودها الاسد الوريث نحو دمار محقق.
دائماً، الحجة أن العلويين يحتاجون لتطمينات، وهي كذبة كبرى، إذا قدمها الثوار منذ اللحظات الأولى عبر تردديهم شعار الشعب السوري واحد، وجمعة الشيخ صالح العلي، وجمعة حماة الديار، وآخرها، إعلان الحرب على (داعش)، فصيل إيران السني، إيران التي صرح أحد اياتها محمود نبويان عضو لجنة الأمن بالمجلس الإسلامي في شهر شباط الماضي ( يقول البعض أنهم يقدمون تضحيات من أجل سورية، الحقيقة أن سورية من يقدم التضحيات من أجلنا).
سورية الأسد، صارت سورية الولي الفقيه، وعلى العلويين الاختيار بين سوريا للجميع، أو سورية الخراب والموت لسنين، سورية لن تعود كما كانت أبداَ.