الكبت الجنسي كمشكلة أمنية
ثقافة الكبت الجنسي وتأثيم الجسد هي البيئة الحاضنة للعنف بكل أبعاده. وإحدى أبعاده القصوى، تفجير الحجر والبشر والشجر، بل تفجير الأوطان والعمران والإنسان.
العرب:: سعيد ناشيد, نُشر في 26/06/2014، العدد: 9601، ص 24
منذ وليام رايخ إلى يومنا هذا، قليلون من واصلوا التفكير في علاقة الكبت الجنسي بالعنف الاجتماعي والسياسي. لربّما لأنّ الكبت الجنسي لم يعد مشكلة غربية منذ سنوات خلت، وهذا صحيح إلى حد بعيد، لكن ليس الأمر كذلك بالنسبة إلى الكثير من المجتمعات الشرق أوسطية والتي تطبق مبدأ الفصل بين الجنسين، في المدرسة والمسبح، في الجامع والجامعة، في قاعات الأفراح وبيوت العزاء، وأحيانا حتى في موائد العشاء العائلي.
والسؤال، هل من علاقة بين الكبت الجنسي والعنف في تجلياته الأكثر وضوحاً بالبلاد العربية: التحرّش والإرهاب؟
جاكارتا، عاصمة الدولة التي تضم أكبر عدد من المسلمين في العالم، تنعدم فيها أشكال التحرش الجنسي في الشارع، يقل العنف الاجتماعي، تكاد تنعدم حوادث الاغتصاب، تمشي المرأة كيفما كان لباسها في معظم الشوارع وحتى بعد منتصف الليل دون أن تتعرض لأي شكل من أشكال التحرش، حتى حوادث السير تنعدم أو تكاد. ما السر؟ هذه المرّة لن أتردد في الإجابة بالعودة إلى وليام رايخ: الإشباع الجنسي يقلص من نزوع الإنسان إلى العنف.
والحال أن ذلك الشعب الآسيوي والاستوائي والأرخبيلي، لا يعاني من عقدة الجنس، ولا تبعث الممارسة الجنسية في وجدانه أدنى شعور بالذنب أو العار.
هناك، يعدّ الجنس ممارسة طبيعية جدا لدرجة أنهم لا يعتبرونه من المفسدات كما نفعل نحن العرب والأمازيغ والأكراد والفرس والأتراك.
يمثل العنف نوعا من التفريغ الجنسي، إنه تفريغ للكبت الجنسي المتراكم على مدى سنوات من الحرمان الليبدي والشح العاطفي وشيطنة الشهوة وتأثيم الاستمناء وتقديس العذرية والتخويف من فقد البكارة وتجريم العلاقات الجنسية. ولأن الضغط يولّد الانفجار، طبيعي أن تنفجر في وجوهنا تلك الأجساد المكبوتة أو المكتوية بلهيب الشعور بالذنب.
ثقافة الكبت الجنسي وتأثيم الجسد هي البيئة الحاضنة للعنف بكل أبعاده. وإحدى أبعاده القصوى، تفجير الحجر والبشر والشجر، بل تفجير الأوطان والعمران والإنسان.