محمد آل الشيخ
شن القومجية العرب حملاتهم، ونظموا المظاهرات، ومنهم سعوديون للأسف، على الضربة الغربية الموفقة، التي شنتها على نظام بشار الأسد الدول الغربية الثلاث، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، على اعتبار أنه عدوان ثلاثي على بلد عربي. طيب، وماذا عن ما يفعله الروس ومعهم الإيرانيون، وآخرهم الترك الأردغانيون، أليس هو الآخر عدوانا، حصد من السوريين مئات الألوف وهجر مثلهم، وغيّر في التركيبة الديمغرافية من منطلقات طائفية، فلماذا سكتم عن أولئك واعترضتم على هؤلاء؟
هذا التناقض في المواقف يجعلنا فعلا نجزم أن هؤلاء القومجية الذين يحتجون ويتظاهرون هم من بقايا اليسار العربي المهزوم، الذي ظن أن عودة الروس إلى الساحة العربية، هو بعث جديد للاتحاد السوفييتي، الذي لا وجود له اليوم إلا في كتب التاريخ.
روسيا، وإن حاولت أن توهم بعض فلول اليسار العربي أنها ستعود لتنصرهم، وتعيد قوتهم ونفوذهم، هي دولة لا تستطيع أن تقف أمام قوى الغرب المتفوق، لأنها لو فعلت لتحولت موسكو إلى هيروشيما ونكازاكي ثانية. فالبون شاسع، وشاسع جدا، بين ما وصل إليه الغرب عسكريا، وما وصلت إليه روسيا، فضلا عن أن الهدف من هذه الضربة التي لم ترق نقطة دم واحدة، هو تأديب هذا الرئيس السفاح، الذي يرش شعبه بالمواد الكيماوية، وكأنهم حشرات. الأسد وقبله صدام وكذلك القذافي هم من أيديولوجيا واحدة، ولا يتعلمون من أخطاء بعضهم، ومن أجل أن يبقى حاكما، فهو على أتم استعداد لبيع كل شيء، مبتدئا بشعبه الذي قتل منه قرابة المليون، وانتهاء بسيادة واستقلال وطنه؛ فسوريا الآن لا يحكمها الأسد، وإنما الذي يحكمها، ويتصرف في كل قراراتها هم الروس والإيرانيون. وكل المؤشرات تقول إن سوريا اليوم، وبسبب الاحتلال الروسي والاحتلال الإيراني، ستبقى مضطربة، لا تهدأ، ولن تهدأ؛ صحيح أن العالم قضى على داعش، وصحيح أيضا أن جبهة النصرة تحتضر، ولكن القضاء على هاتين الحركتين لن تكون نهاية المطاف.
الروس يهمهم البقاء في ميناءي طرطوس وحميمين على البحر الأبيض المتوسط، أما الفرس الإيرانيون فيهمهم استبدال أهل السنة في سوريا بمجاميع استقدموهم من شيعة أفغانستان وباكستان والعراق، ويريدونهم أن يستوطنوا سوريا، ليكونوا لهم بمثابة الطابور الخامس الذي يحمي ويكرس النفوذ الفارسي في دول الشمال العربي، متخذة من تحرير فلسطين حجة لينصرهم الحمقى والمغفلين من عرب الشمال المغرر بهم.
والسؤال الذي بودي أن يجبني عليه القومجية العرب: ما الفرق بين الغزو الغربي -إذا اعتبرنا الغارة غزوا- وما تفعله روسيا وإيران في بلاد الأمويين، أليس ذلك هو الأخر غزوا استيطانيا، أخطر من الغزو الغربي؟.. أما أولئك الرغبويون المهزومون من اليساريين العرب، فروسيا بوتين أضعف وأجبن من أن تقف في وجه أمريكا، فهاهي الصواريخ الغربية تمر من فوق مضادات الروس الجوية، ولم تطلق عليها ولو صاروخ واحد، رغم أن بوتين كان قد (هدد) الغرب بأنه لن يسمح لهم بقصف حلفائه، لكنه عندما رأى الجد تحول إلى بطة عرجاء، تحوم فوقها طيور جارحة، فآثرت السلامة.
* نقلا عن “الجزيرة”