يبدو أن جون كيري وزير الخارجية الأميركي استقر على اتخاذ موقع الدفاع عن أي اتفاق يُبرم مع إيران في الوقت الذي تتقدم فيه المفاوضات بينها وبين القوى العظمى؛ حيث تقضي شروط الاتفاق بفترة سماح إيرانية تبلغ العام قبل تمكنها من صناعة والحصول على القنبلة النووية، مما يتيح للعالم فترة كافية بالتالي لاتخاذ ردود الفعل المناسبة حيال أي انتهاكات تُسجل من الجانب الإيراني. ويبدو أن المقصود من وراء تلك المفاوضات إشاعة شعور بالطمأنينة، خصوصا في ما يتعلق بظهور قدرات التخصيب الحقيقية والتسليم أو الاعتراف بما يعنيه فعلا بند «غروب الشمس» الشهير بالاتفاقية. غير أن التقدير الحذر والسليم للموقف، رغم أي شيء، يفصح عن أن فترة السماح لمدة عام واحد قد لا تكون كافية بحال لاكتشاف ومواجهة الانتهاكات النووية الإيرانية.
بمجرد ما يثور الدليل لدى واشنطن حيال أي انتهاكات إيرانية للاتفاق المبرم، تبدأ على أثرها وعلى الفور عملية بيروقراطية لازمة للتحقق من المعلومات الواردة. وقد تمر شهور قبل نمو شعور بالثقة الكافية لدى مدير وكالة الاستخبارات المركزية حتى يطرح ملف القضية على طاولة البيت الأبيض ليتخذ الرئيس الأميركي قراره حيالها. كما يتطلب الأمر من مختلف وكالات الاستخبارات الأميركية، برفقة وزارة الطاقة هناك مع المختبرات النووية الوطنية، توافر الفرصة الكافية للتحقق من واستعراض البيانات المتاحة حتى درجة الاقتناع التام بوقوع خرق فني حقيقي لبنود الاتفاق. وعقب الانتهاء من تلك المراجعة المنهجية المضنية يمكن لمدير وكالة الاستخبارات حينها زيارة البيت الأبيض وبحوزته مجموعة محددة من النتائج والتوصيات.
وباعتبار أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية سوف تكون المؤسسة المعنية بمهام التفتيش من أجل التحقق من الامتثال لبنود الاتفاقية، فلا بد أن تُحاط الوكالة علما بالمعلومات المتوافرة لدى الولايات المتحدة حول ذلك الشأن. وبطبيعة الحال، سوف تتأثر سرعة ومدى مشاركة الولايات المتحدة بواقع الحاجة إلى حماية مصادر المعلومات البشرية أو الفنية الحساسة للغاية. عند هذه المرحلة فقط يمكن لممثلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية البدء في محادثاتهم مع نظرائهم الإيرانيين إزاء السماح بالدخول إلى المواقع النووية أو الاطلاع على الأنشطة النووية المتنازع عليها. ويخبرنا التاريخ بأن الإيرانيين سوف يخوضون في مفاوضات مطولة، ويلحقون الأدلة التي لديهم بكم هائل من التساؤلات والتشكيك. وفي نهاية الأمر يمكن لإيران السماح بقدر ما من الوصول إلى بعض المواقع أو الأنشطة في حين أنها تُبقي البيانات والشخصيات الرئيسية طي الكتمان. وسوف يكون للوكالة الدولية للطاقة الذرية وبعد مناقشات مرهقة أن تعلن عن عدم رضائها حيال ردود الفعل والاستجابة الإيرانية. وتلك العملية في حد ذاتها قد تستغرق شهورا.
وإذا ما صدرت الإشارة إلى الانتهاكات الإيرانية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فالولايات المتحدة، على غرار ما سبق أن أشرنا إليه، سوف تطلب الفرصة للتحقق من النتائج بنفسها، مما قد يستهلك مزيدا من الوقت بطبيعة الأمر.
في حال توصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى قرار بعدم الامتثال الإيراني، فسوف يتعين عليها رفع الشكاوى إلى مجلس الأمن للفصل فيها. كما سوف يتعين على الولايات المتحدة محاولة إقناع الدول الأعضاء بالمنظمة الدولية والمعنية بالاتفاق المذكور بأنه قد جرى انتهاك الاتفاق المبرم مع إيران ويتحتم إثر ذلك اتخاذ الإجراءات الفعالة. وقد يضيع الوقت في الجدال والنقاش حول مختلف وجهات النظر المتباينة، مع انتظار كثير من النتائج المحتملة. وحينها فقط يمكن للعقوبات الاقتصادية الجديدة أن تُفرض على إيران. وبذلك يُضاف إلى ما سبق مزيد من الشهور.
هل يكون للعقوبات الدولية ذلك التأثير الحقيقي على إيران في أي وقت من الأوقات، إنْ وجدت، في حال استمر سيناريو العام الواحد المزمع؟ إن أي حزمة من العقوبات سوف تستغرق وقتها حتى تسبب الضغط المطلوب على الاقتصاد الإيراني. بطبيعة الحال، لن تنتظر الولايات المتحدة حتى يبرز التأثير الحقيقي للضغوط الاقتصادية على إيران وسوف تجنح إلى استخدام القوة ضدها ومن دون موافقة الأمم المتحدة إذا لزم الأمر. الحقيقة تفيد بأن أي انتهاكات أو غش من الجانب الإيراني يحمل طبيعة تدريجية وليست فجائية أو فظيعة.
في خضم حالة النشاز السياسي الصادر عن واشنطن حول مدى التقدم في المفاوضات، فإن ما نفتقده هنا هو أن أي اتفاق يُبرم بين الولايات المتحدة وإيران هو أهم وأكبر اتفاق للحد من التسلح لفترة ما بعد الحرب الباردة. ومن شأنه تحديد درجة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والتأثير على قواعد عدم الانتشار النووي العالمية. ومع ارتفاع الرهانات، فإننا في حاجة إلى نقاش وطني حول طبيعة ومعاملات أي اتفاق مزمع. والمكان الملائم لعقد مثل ذلك النقاش لن يكون إلا في قاعات الكونغرس الأميركي.. فلن يمكن وصف أي اتفاق بأنه ملائم أو مستدام إلا من واقع ذلك التصديق والاستحسان التشريعي.
* خدمة «واشنطن بوست»
* ترأس مايكل هايدن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بين عامي 2006 و2009. وأولي هينونين زميل بارز لدى «مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية» الملحق بجامعة هارفارد الأميركية. وراي تاكيه زميل بارز لدى مجلس العلاقات الخارجية
نقلا عن الشرق الاوسط