تنتشر منذ بضعة أشهر دعوة لتوحيد القوى الديموقراطية السورية، لاعتبارات بينها أن سقوط النظام سيأخذ سوريا إلى فوضى ستصيب بالتأكيد قسما كبيرا من أغلبيتها الشعبية الصامتة، وتلك القطاعات المناضلة والمدنية، التي نشطت خلال فترة الإعداد للثورة وبعد قيامها. لكن عمليات العنف التي مارسها النظام، وبعض السياسات العربية والإقليمية، والمواقف الداخلية التي اعتمدتها قوى إسلامية طامعة في السلطة، تصارع بقية اطراف المعارضة اكثر مما تصارع النظام القائم، وسياسات التمييز المنظم التي مورست على هذه القطاعات، ادت إلى تحييدها او ردها إلى مؤخرة المسرح أو إضعاف دورها وتغيير مواقف بعض أطرافها. بينما يمكن لفوضى السلاح، إن سادت بعد سقوط النظام، ولافتقار الساحة السياسية إلى تعبير منظم عن هذه القطاعات والكتل الشعبية، أن تنزل بها كارثة حقيقية خلال مرحلة الانتقال من النظام الراهن إلى بديله، بغض النظر عن هويته، فلا مفر إذن من أن نوحد القوى الديموقراطية في المجتمع والسياسة، قبل وقوع التحول الكبير، بعد أن علمتنا تجربتا تونس ومصر أن تشتت الصوت الديموقراطي قد يمكن «الاخوان المسلمين» من وضع يدهم على السلطة عندنا ايضا، وأن سوريا لا يجوز أن تصل إلى لحظة الانتقال وقواها الديموقراطية مبعثرة أو متنافسة أو متناقضة، ليس فقط بسبب ما يمكن ان ينجم عن تبعثرها وتناقضها من تلاش للخيار الديموقراطي، بل كذلك لأن من خيانة الوطن والثورة ترك الشعب الديموقراطي مشتتا ودون تمثيل، بينما تخطط بعض تيارات الإسلام الاخواني منذ عام ونيف لتوحيد صفوفها وخفض تناقضاتها، وتسخر علاقات عربية ودولية مهمة، ورساميل وافرة تحصل عليها من كل مكان، لشراء الذمم وتنظيم القدرات وإفساد المقاومة وتأسيس الميلشيات، مع ان الإسلام السياسي بمجمله ليس موحدا، ويستبعد أن يتحد بعد ظهور جبهات جهادية معادية لنموذجه الاخواني والوسطي، وضعف فرص الحكم الإخواني في سوريا، في حين تتمتع الديموقراطية بوزن شعبي كبير، بما أنها لعبت الدور الأكبر في الإعداد للثورة وقيادتها، قبل أن يحرفها عن رهاناتها الاصلية المال السياسي والسلاح، وتنزوي كتل هائلة من المواطنين في بيوتها، لتفادي عنف النظام وعزوفها عن الرد عليه بالعنف.
نحن بحاجة الى قطب ديموقراطي سوري يمثل الأغلبية الشعبية الكبيرة جدا، التي لا تتمكن اليوم من لعب دور سياسي يليق بحجمها وثقافتها وتاريخها ورغبتها في الحرية. لذلك، وبعد حوار طويل ومتشعب، تم التوصل إلى تصور أولي لمشروع القطب العتيد يقوم على الخطوات التالية:
وضع وثيقة اولية تضم أسسا سياسية لا خلاف عليها بين الذين سيشاركون في إقامة القطب الديمقراطي، يقول نصها: «يعتزم الموقعون على هذا النص تشكيل قطب ديموقراطي سوري، لاعتقادهم أن سوريا تحتاج اليه، وان تطوراتها تلزم قواها الديموقراطية بتشكيل جامعة سياسية تعبر عن مواقف وخيارات جمهورها الواسع، الذي نزل الى الشارع قبل عامين ليطالب في تظاهرات سلمية بالاصلاح، وحين واجهه النظام بالسلاح صعد نضاله وطالب بالحرية واسقاط النظام وببديل ديموقراطي لنظامه، الذي بادر إلى قمع تطلعاته المشروعة بالعنف، واعتمد سياسات حربية تستهدف تحويل معركة السوريين من أجل الحرية، التي حظيت بتأييد اغلبية واسعة منهم، إلى اقتتال طائفي / أهلي، مهدت له حملات عسكرية شاملة قتل خلالها عدد كبير جدا من المواطنات والمواطنين، بينما تكفلت سياسات اطراف معارضة بملاقاة سياسات النظام في منتصف الطريق، وعملت من جانبها، بوعي أو بغير وعي، على حرف ثورة الحرية عن مساراتها الأصلية وطبعتها بطابع مذهبي زاده العنف بروزا، غدا بمرور الوقت وتصاعد الصراع، شديد الخطورة على وجود دولتنا ووحدة شعبنا.
«هذا التطور، يجعل تأسيس قطب ديموقراطي مصيري الأهمية بالنسبة إلى وطننا ومجتمعنا، لذلك قد قرر الموقعون على هذا النص الإعلان عن قيامه في لقاء سيعقد يومي 4 و5 من شهر ايار القادم في القاهرة، وسيضم مختلف ألوان الطيف الديموقراطي، وينتخب هيئات تمثيلية موقتة ومكاتب متخصصة وممثلين في بعض العواصم، ووسائل إعلام تنطق باسمها وتعبر عن مواقفها وسياساتها، وتسهم في تعبئة أغلبية السوريين الصامتة ودعم مقاومة الشعب السلمية والمسلحة، دفاعا عنه وحماية لحقه في الحياة والكرامة، على ان يناضل القطب الديموقراطي من أجل تمثيل متوازن لمختلف التيارات السياسية السورية في المجالس التمثيلية والاجهزة التنفيذية التابعة لاي جسم سياسي موحد، دعما لصمود الشعب ولإعادة إعمار ما دمره النظام من قراه وبلداته ومدنه، وصوغ عقد، او ميثاق سياسي وطني بين شتى تيارات سوريا السياسية وخاصة منها الإسلامي والديموقراطي، بمشاركة «الجيش الحر» ضمانا لوجود إدارة وطنية مشتركة تضم سائر اطياف العمل المعارض والمقاوم، وصولا إلى إنجاز مرحلة انتقال آمنة وسلمية بعد إسقاط النظام الاسدي، تضع اللبنات الضرورية لقيام النظام الديموقراطي البديل، ولحماية وطننا من شرور حرب أهلية ستترتب على سيطرة اي تيار سياسي او مسلح بمفرده على السلطة، وأخيرا، لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة يتولى من يفوز فيها حكم البلاد تحت سقف التوافق، الذي سيترتب على الميثاق السياسي / الوطني العتيد.
يلتزم موقعو هذا النص بالاسس التالية، التي يؤمنون انها ليست محل خلاف بين السوريات والسوريين:
– وحدة المجتمع والدولة ضمن حدود العام 1946، وإحباط أية محاولات تقسيمية واي عمل لإثارة فتن طائفية أو قومية بين السوريين، وحماية أرواح وحقوق المواطنات والمواطنين وممتلكاتهم .
– النظام الديموقراطي القائم على عقد وطني تعتمده مختلف القوى السياسية، ينظم العلاقة بين المواطنين والدولة الجديدة، ركيزته المواطنة، وحاضنته الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان وحكم القانون.
– الأساليب الديموقراطية، السلمية والحوارية، التي يجب أن تنظم التعامل الداخلي على الصعيدين الوطني والسياسي، والتقيد خارجيا بسياسات تمتنع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، وتحترم سيادتها واستقلالها، وترسي علاقات سوريا الخارجية على المصالح والمنافع المتبادلة، وتحجم عن ممارسة أي ابتزاز أو سيطرة على البلدان والدول المجاورة، وعن الإضرار بمصالحها، وتلتزم بالشرعية الدولية وقوانينها وقراراتها.
– احترام أديان ومذاهب ومعتقدات السوريات والسوريين، وضمان مصالحهم وحقوقهم الشخصية والقومية، الفردية والعامة، والاعتراف بهوياتهم الخاصة وتلبية حقوقهم ضمن الحاضنة الوطنية السورية، المتمثلة في الشعب الواحد والدولة السيدة والمستقلة، التي لا تقبل التجزئة.
«في الختام، يعاهد موقعو هذا النص شعبهم على أن يكافحوا بكل ما في قلوبهم من حب لوطنهم في سبيل تطبيق هذا البرنامج، والتقيد بمبادئه، والحفاظ على حياة وكرامة وحقوق جميع مواطنات ومواطني سوريا.»
على أن يوافق الراغبون في إقامته على تأسيسه خلال لقاء تحضيري يعقد بعد نشرها مذيلة باسماء الموقعين في عدد من الصحف العربية والدولية للإعلان عن قيامه يومي 4 و5 أيار القادم، على أن يحضره منتدبون وممثلون عن تنظيمات واحزاب وتنسيقيات وكتائب جيش حر ومجالس عسكرية ولجان مدنية ومحلية، تنتخبهم كي يمثلوها ويقدموا وجهات نظرها ومواقفها خلال اللقاء، إلى جانب من سيحضره أيضا من شخصيات لعبت دورا وازنا في حياة سوريا العامة، ومن رموز وطنية، على أن يقتصر عدد حضوره على قرابة سبعين مناضلة ومناضلا.
سيناقش اللقاء التحضيري برنامج تأسيس القطب الديموقراطي وموضوعاته، دون التزام بالوثيقة وحصر نقاشاته فيها، وسيطرح المتحدثون فيه رؤيتهم الخاصة للحوار، على أن يقرر تأسيس لجان مصغرة تتولى إدارة القطب ومحطة فضائية تروج للخط الديموقراطي ريثما تتم الخطوة التالية، وهي عقد مؤتمر ديموقراطي وطني موسع يحضره عدد كبير منتخب أو منتدب من ممثلي القوى الديموقراطية والمتحالفين معها، يسبق انعقاده حوار مكثف مع القوى التي لم تحضر اللقاء التحضيري أو كانت ضده. ينتخب المؤتمر هيئة عامة تكون بمثابة برلمان له، وهيئة تنفيذية تلعب دور حكومته، ويكون له مكاتب متخصصة ومندوبون في بلدان ذات اهمية خاصة بالنسبة إلى سوريا، ولجان تشرف على أنشطته الميدانية داخل وخارج سوريا، ويقر الوثائق التي اعدتها اللجنة التحضيرية، والبرامج التي وضعتها والسياسات التي اقترحتها، ونمط العلاقات التي ستقوم بينه وبين المكونات والتنظيمات الديموقراطية التي اسهمت في تأسيسه.
ملاحظات: ليس لتشكيل القطب الديموقراطي أية علاقة بتوسيع أو تضييق «الائتلاف الوطني». إنه نشاط استراتيجي الهوية غرضه تمثيل الكتل الشعبية الديموقراطية في بلادنا وإقامة تعبير سياسي موحد عنها، وهذا أكثر أهمية من أي مشروع سياسي آني، أو عمل سياسي ظرفي. ليست الديموقراطية السورية بحاجة الى قطب موحد كي تقرر الدخول في «الائتلاف»، وبين أطرافها من هم اعضاء فيه، لكنهم لم يحضروا أي جلسة من جلساته، لأنهم رفضوا تركيبته المشوهة.
هذا العمل يجب ان تنجز مرحلته الأولى خلال اسابيع ثلاثة، على أن يقرر اللقاء التحضيري، الذي سيكون سيد نفسه بكل معنى الكلمة، الفترة اللازمة لانعقاد المؤتمر العام الموسع والجهات التي سيكلفها بإعداد وثائقه وبرنامجه.
*نقلاً عن “السفير” اللبنانية