بدأت الهجرة اليهودية بكثافة إلى فلسطين إبان حكم الدولة العثمانية لها في القرن التاسع عشر وقبل عقود من وعد بلفور، وقد زار حينها أمير البيان شكيب أرسلان وهو الداعية العثماني الشهير، بعض المستوطنات اليهودية الألمانية في فلسطين ورأى أنها بذرة خير وقادرة على أن تكون القاطرة التي ستسحب الأمتين العربية والإسلامية معها إلى الأمام وتخرجها من براثن الجوع والفقر والتخلف والتي تعصف بها وقد شاركه بعض العرب والفلسطينيين هذا الرأي قبل أن يتراجعوا عنه لاحقا لأسباب يطول شرحها.
ورأت بعض القيادات الفلسطينية إبان مؤتمر السلام في فرساي عام 1919 أن تضم فلسطين إلى سورية وتصبح الإقليم الجنوبي منها كوسيلة للحفاظ عليها، كما عرضت قيادات أخرى على مصطفى أتاتورك بعد انتصاراته المذهلة على القوى الأوروبية أن تصبح تركيا الجديدة هي الدولة المنتدبة على فلسطين حتى نهوضها واستقلالها، وقد وافق الغازي أتاتورك على ذلك المقترح بينما طالب آخرون بأن تكون الولايات المتحدة ورئيسها ويلسون الدولة الوصية والمنتدبة على فلسطين.
وفي عام 1929 حدثت ثورة البراق بسبب قيام اليهود بعمل حاجز يفصل بين الرجال والنساء عند حائط المبكى واستمرت لعام 1936 عندما أخطأ المفتي أمين الحسيني برفض قرار لجنة «بيل» بإعطاء الاستقلال لدولتين: فلسطينية على 90% من الأرض ويهودية على 10% منها، ثم أعلن رفضه لكتاب ماكدونالد الأبيض ببقاء فلسطين دولة موحدة، مما مهد لعودة الاحتلال العسكري الإنجليزي المباشر لفلسطين، وهرب إلى العراق حيث حرض في مايو 1941 رشيد عالي الكيلاني على الثورة، مما مهد مرة أخرى لاحتلال عسكري إنجليزي مباشر لأرض الرافدين، وهرب إلى إيران ومنها للقاء والتحالف مع الطاغيين المدمرين هتلر وموسليني اللذين مازالت صوره معهما بجبته وعمته تتصدر الكتب الصهيونية حتى اليوم.
ورغم سقوط برلين عام 1945 ومحاكمة المتعاونين مع هتلر فإنه لم يصب المفتي أمين الحسيني أي ضرر رغم وجوده في دول يحكمها الإنجليز والفرنسيون، وقام المفتي باستكمال دوره المدمر والمخرب إبان حرب 1948 عندما قامت إذاعاته بإرعاب الفلسطينيين من المذابح وهتك الأعراض وقتل الأطفال مما جعلهم يفرون من أرضهم وكانت حجته أنه لا يريدهم ان يتسببوا في عرقلة مسيرة الجيوش العربية الظافرة (الخائبة)، كما ستسهل هجرتهم، حسب قوله، عملية تدريبهم على السلاح في مخيماتهم خارج فلسطين ـ التي لم يسكنها هو شخصيا ـ تمهيدا لتحرير أرضهم.
آخر محطة:
1 – في عام 1959 وبعد الوحدة المصرية ـ السورية قرر عبدالحميد السراج عمل انقلاب عسكري في العراق يقوده العقيد الشواف بعد انكشاف التوجه غير الوحدوي لعبدالكريم قاسم كي يمكن ضم الجيش العراقي للجيشين المصري والسوري في عملية تحرير فلسطين، يذكر نجيب الصائغ سفير العراق حينها في بيروت أن المفتي أمين الحسيني طلب منه إبلاغ قاسم بتفاصيل تلك المؤامرة الهادفة لتحرير فلسطين لقاء مليون ليرة توضع في حسابه الخاص وهو ما تم، وكم من أمين حسيني شهدته وتشهده القضية الفلسطينية حتى يومنا هذا!
*نقلاً عن “الأنباء” الكويتية