كل ديكتاتور حاول تنفيذ تغيير عرقي ما: إما زرعا أو تطهيرا. أي إما المستوطنات، مثل إسرائيل، أو روسيا السوفياتية، أو
بالتطهير مثل سلوبودان ميلوسيفيتش، أو نيكولاي تشاوشيسكو. أكبر عملية تغيير عرقي في التاريخ خطط لها هتلر. أحد مواقعها البارزة كان شبه جزيرة القرم، التي ضمها فلاديمير بوتين في استفتاء شعبي لم يستغرق أكثر من عشرة أيام، بما فيها يوما العطلة الأسبوعية.
مشاريع هتلر كانت أكثر طموحا بكثير. كان ينوي رفع عدد الشعب الألماني إلى 250 مليونا (هو لم يتزوج ولم ينجب). وإذا لم يكن هناك ما يكفي من الذكور الألمان لتأمين هذا العدد، فقد اقترح مساعده الفرد روزنبرغ «ألمنة» المستوطنين الاسكندنافيين والإنجليز والهولنديين من ذوي الأعراق الصافية القريبة من العرق الألماني المتفوق. في سبيل الزيادة المرجوة، تقرر أن يسمح للجنود حاملي الأوسمة بالإنجاب دون زواج ودون أعباء ومسؤوليات الزواج.
في هذا المخطط، تقرر أن تتحول شبه جزيرة القرم إلى «مصح» ضخم للألمان بعد تطهيرها من سكانها السلافيين واليهود، ويعاد إليها اسمها اليوناني القديم «توريا»، على أن يؤتى إليها بالمستوطنين من ألمان جبال التيرول. وكان في مخطط هتلر أن يوزع الألمان على أوكرانيا ومساحات كبرى من روسيا. وكتب يفصل مخططه بالقول: «يجب أن نجرد هذه المنطقة من طابع البوادي الآسيوية وجعلها أوروبية. إن الفلاح الألماني يجب أن يعيش في مستوطنات فائقة الجمال وفي مبان رائعة، بينما يقطن الحكام قصورا جميلة. وحول كل مدينة يقام حزام من القرى.. ولهذا، نحن ننشئ الآن شبكة الطرقات الواسعة من جنوب القرم حتى جبال القوقاز».
كان مقررا أن تحل بلاد الألمان محل بلاد الجميع في روسيا وفرنسا وإيطاليا. وأن تغير أسماء المدن. وأن يعدم بابا الفاتيكان بكامل لباسه الرسمي في الساحة العامة محاطا بجميع طقوسه. لم يقل، أو لم يحدد هتلر، أين يذهب بالسكان الأصليين وأهل البلاد، لكن ذلك كان واضحا من دون قول. موجات من البشر تتحرك كلما أطل ديكتاتور بأحلامه. هكذا حصل ولا يزال يحصل في العراق. وهكذا يحصل في سوريا. وهكذا يحدث في ليبيا. الحياة البشرية لا تعني شيئا. والصور الفوتوغرافية التي تفوز بالجوائز منذ اختراع التصوير، هي صور قوافل البشر سارحة في الأرض، وليس معها سوى بضع طناجر وأحرمة ترد برد العراء والطرقات.
والمشاهد لا تعكر عشاء الديكتاتور، لقد اعتاد عليها، ويسخر من الذين لا يزالون يأبهون لها. فما هي الأعراض وما هي الكرامات وما هو التشرد والجوع والألم والذل والمرض. إنها مجرد مشاهد مزعجة تهم البسطاء والسذج. والعزة للعرب.
نقلا عن الشرق الاوسط