أستهلال :
قرأت الكثير من المقالات والبحوث والدراسات ، المنشورة في العديد من المواقع ، حول موضوع ” القبلة في صلاة المسلمين ” ، ووددت أن أطرح رؤيتي لهذا الأمر المتناول من قبل الفقهاء والمفسرين والكتاب ، وفي هذا
البحث المختصر سأطرح محاورا لبعض المتداول حول ” القبلة .. ” ، من أجل التمهيد للموضوع ، ثم سأختم بقراءأتي الخاصة ، عسى أن أضيف ولو أضاءة للموضوع !! .
الموضوع :
1 : القبلة كتعريف هي ” الجهة ” ، هذا ما تقوله المعاجم ، إنها جهة ” يقبل ” عليها الناس ، “جهة ” يقبل بها الناس .. بين القبول والإقبال ستكون ” القبلة ” مكاناً ينجذب الناس إليه ، يذهبون إليه ، يرجعون إليه . وأن تعرف أنك تريد هذه الجهة بالذات ، هذه القبلة بالذات لتتوجه إليها في حياتك ، يعني أنك يجب أن تعرف بالضبط ماذا تريد من حياتك .. هذا التشديد على ” الجهة ” ، ليس من أجل خطوط الطول والعرض ، ليس من أجل الإتجاه الجغرافي ، ولكن من أجل أن نشدد على أن يكون لدينا هدف ، لدينا مقصد ، لدينا جهة نعرف أننا نريد أن نذهب إليها .. / هذا ما جاء في موقع ملتقى أهل التفسير – نقل بتصرف .
2 : فما هي القبلة ؟ القِبْلَةُ في اللغة هي الجِهة التي يُقابلها الإنسان .قال العلامة الطريحي – نقل بتصرف : ” و إنما تسمى القبلة قبلةً لأن المصلي يقابلها و تقابله ” . أما القبلة في المصطلح الديني ، فهي الجهة التي يقابلها المسلمون حال وقوفهم للصلاة ، و حين ذبح ذبائحهم ، و ما إليها من الأمور التي يشترط فيها التوجه إلى جهة خاصة ، و هي جهة الكعبة المشرفة الواقعة في وسط المسجد الحرام ، والواقع في مكة المكرمة ، ثم إن المراد من استقبال القبلة هو مواجهة القبلة بمقاديم البدن ، و هي الوجه و الصدر و البطن ..
3 : للعلم أن المسلمين أنفسهم أختلفوا في أمر القبلة ، فمنهم من قال أنها أولا كانت الى ” بيت المقدس ” ، ( لما قدم النبي من
مكة إلى المدينة كان يستقبل بيت المقدس ، وبقي على ذلك ستة أو سبعة عشر شهراً ، كما ثبت في الصحيحين من حديث البراء بن عازب ، قال صلى النبي إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً .. ) ، ثم تغير الأمر بوحي رباني / حسب زعم المسلمين ، الى ” البيت الحرام ” ، ( ثم أمره الله تعالى باستقبال الكعبة ” البيت الحرام ” وذلك في قوله ” فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره / سورة البقرة 144 ” ) / نقل بتصرف من الإسلام سؤال وجواب – الشيخ محمد صالح المنجد وموقع الويكيبيديا . 4 : ولكن أخرين قالوا أن القبلة هي ” البيت الحرام ” بدءا وأخرا ، وبين هذا وذاك وقع خلاف وأختلاف بين العلماء والمفسرين .. ، حول أمر القبلة وتغييرها أو ثباتها ، فقد جاء في موقع / نصوص معاصرة ، مقال للدكتور منصور بهلوان ، يبين فيه التالي ( لم يتفق المفسّرون على أن بيت المقدس كان قبلة المسلمين الأولى ، فقد اختلفت آراؤهم ؛ فمنهم من قال : كانت الكعبة قبلةً للرسول’ والمسلمين في مكّة منذ بداية الدعوة ، وقد نقلت في المدينة إلى بيت المقدس لفترة من الزمن ثم أعيدت إلى سابق عهدها ، ومنهم من يعتقد أنّ بيت المقدس كان قبلة المسلمين في مكّة ولكنه’ كان يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس . ومنهم من قال : إن بيت المقدس كان القبلة في مكّة والمدينة إلى أن أمر الله بتغيير القبلة ، والآراء الثلاثة المشار أليها هي حصيلة ما قاله الطبرسي في تفسيره ).
القراءة : أولا – مما ورد في بعض روايات الموروث الأسلامي المشار أليها في أعلاه ، تظهر أنه ليس من أمر تام ومطلق في موضوع أتجاه القبلة بين المسلمين ، والأمر ليس جليا كنصوص واضحة للعيان !! ، وذلك لأن الأمر مختلف عليه ! ثانيا – من جهة أن التاريخ يظهر ، أن أمر الكعبة كان على قدر كبير من الأهمية ، حتى في زمن الجاهلية ، فقد جاء في موقع
makkah.org.sa
، التالي ( إن كفار قريش في الجاهلية كان موقفهم مع بيت الله الحرام والبلد الأمين مما يضرب به المثل في التعظيم والاحترام مع ما كانوا عليه من الضلال المبين ، والانحراف الواضح في عبودية الله عز وجل ، وفي العقيدة والتوحيد ؛ فقد نقلت عنهم كتب السير والتواريخ صورا ومواقف تبين أنهم كانوا على قدر كبير من التعظيم والإجلال تجاههما .. ) ، ويمكن أن نعلل من ذلك أنتقال أهمية مكة عند الرسول في الأسلام ! . ثالثا – من جهة ثانية ، أن مكة ، قبلة المسلمين ، والمقدسة أسلاميا ، نرى أنه في مسارها التأريخي هناك الكثير من الغموض والرمادية في ذكرها ! ، فقد جاء في موقع
arabatheistbroadcasting.com
، التالي ( مع تفحّص المدوّنات القديمة غير الإسلامية ، نفاجأ بأنّ مكّة ليس لها أيّ ذكرٍ واضحٍ أيضًا في التّاريخ ، سواءٌ في الزّمن القديم المقارب لابراهيم والأنبياء ، أو في الزّمن السّابق على الإسلام مباشرة . ) ، حيث يذكر أضا الباحث الدكتور رأفت عماري ، في كتابه المعنون : الإسلام في ضوء التّاريخ
Islam: In Light of History
التالي : ( يرصد في بعض فصوله الحضارات المختلفة في المنطقة منذ القدم ، ويتتبع التراث الأشوري ، والبابلي ، والفارسي ، واليوناني ، والعربي محاولًا البحث عن أي ّذكرٍ لمكّة في نصوص تلك الحضارات ، دون أن يجد لها أثرًا بالمرة . ) ، وهذا الأمر يوضعنا قاب قوسين أو أدنى من متاهة فكرية عقائدية ، ليس حول القبلة فقط ، بل حول كيان وجود مكة أصلا ! . رابعا – أي كعبة ! كان هناك عددا لا يستهان به من ” الكعبات ” في مكة ، فأي كعبة كان يصلي أليها المسلمين ماضيا والأن كقبلة ! ، فقد جاء في موقع
history2955.blogspot.com
حول عدد من الكعبات المعروفة في مكة ، التي كان يحج أليها العرب ، فأي كعبة منها كان المسلمين يتجهون في صلاتهم ! ( لم تكن كعبة مكة هي الكعبة الوحيدة التي يحج إليها العرب .. بل كانت هناك كعبات كثيرة وقد وجدت بيوت عرفت ببيوت الله غير الكعبة يقصدها الناس في مواسم معلومة تشترك فيها القبائل ويتعاهدون على السلم في جوارها ، وكان أشهرها في الجزيرة العربية : بيت الأقيصر ، وبيت ذي الخلصة ، وبيت صنعاء ، وبيت رضاء ، وبيت نجران ، عدا بعض البيوت الصغيرة التي كانت تحج إليها القبائل القريبة منها .. ) ، كما أن بعض الروايات تقول ” أن عبدالله ابن الزبير (1 هـ – 73 هـ ) ، قد قام بهدم الكعبة ( لم يحدد الرواة مكانها ) ، سنة 64 هـ ، و اعاد بنائها بمكة ، بعد أن لحقها الحريق والضرر من آثار قصفها بمنجنيق الحصين بن نمير السكوني ، في أخر خلافة يزيد بن معاوية ! ” ، فعجبا أين أعاد بنائها ، أفي مكانها السابق أم في مكان أخر ! ، كل هذه الروايات والتساؤلات وغيرها تجعلنا أن نشكك ، بموقع كعبة الأمس من كعبة اليوم ، فعلى أي قبلة يصلي المسلمون ، خاصة أنه في ذلك الزمان لا توجد أي مخططات أو سندات أو وثائق تثبت بشكل لا يقبل الشك ، مقارنة بزمان اليوم ، من أن كعبة اليوم هي كعبة الرسول ! هذا مجرد تساؤل مطروح ! . خامسا – المحور المركزي في هذا المقال هو ” تغيير القبلة من القدس الى الكعبة ” ، فقد جاء في موقع / طريق الأسلام ، التالي – أنقله بأختصار (( شرح حديث عبد الله بن عمر قال : ” بينما الناس في قباء (*) في صلاة الصبح إذ الصبح إذ جاءهم آت فقال : إن النبي قد أنزل عليه الليلة قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة ” ( أخرجه البخاري : كتاب القبلة ، باب ما جاء في القبلة ، ومسلم : كتاب المساجد / باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة ) . )) .. للأستزادة يمكن الرجوع مثلا الى نفس المصدر المشار أليه للأطلاع على تفسير الأسباب الخاصة بالتغيير من قبل المفسرين ، ولكن قراءتي للأمر ، هي كما يلي : 1 – ألم يدرك الله وهو العليم العارف الحكيم القادر ، منذ البدأ أن القبلة نحو ” المسجد الحرام ” هي أصح من القبلة نحو ” القدس ” ! . 2 – أم أن الرسول أراد ذلك لتمييزه عن اليهود ، وهم الذين يقدسون القدس / أوروشليم ، من باب الخصوصية ولكل جماعة معتقدهم الخاص بالنسبة للمكان ! . 3 – ويمكن أن ندخل الكثير من الأسباب الأقتصادية المستقبلية ، في غايات هذا التغيير ! ، وذلك من حيث قضايا الأنفاق أثناء الحج والعمرة ! . في حالة لو ثبت الأمر على القدس دون المسجد الحرام / حيث أن السعودية تحصد ألاف المليارات من هذا التغيير ! ، ومن المؤكد ينطبق هذا الحال على الدول قبل بروز السعودية . 4 – ويمكن أيراد بعض الأمور الأخرى ، منها : وجود أقامة الرسول بذاته في نفس الحدود الجغرافية للقبلة الجديدة / مكة ، الذي يعزز من مكانة وسلطة الرسول .
خاتمة : أولا : أن الله موجود في كل مكان ، لا يحكمه أتجاه ، ولا يستلزم ” بوصلة ” للأستدلال عليه ! ، وان القبلة ليست مهمة حتى ولو أنحرفت ، بل المهم هو الأيمان والنية . وقد أورد موقع
www.blog.sami-aldeeb.com
للدكتور سامي الذيب التالي ( .. في مدينة جنيف في سويسرا جامع تابع للمؤسسة الثقافية الإسلامية التي افتتحها عام 1978 الملك خالد بن عبد العزيز . وكان قد بناه مهندس مسلم . وفي يوم من الأيام ، زار الجامع المهندس العراقي يوسف كامو مخترع السجادة مع بوصلة ليعرض على المسؤولين هناك اختراعه ، فأكتشف ان القبلة في ذاك الجامع لم تكن باتجاه الكعبة . مما اضطر المسؤولين تغيير اتجاه القبلة . ) . وتعليقي على الأمر : ” لمن كانت الصلاة الموجهة من قبل المسلمين طيلة هذه السنين ! ، والقبلة خطأ ! ” . ثانيا : القبلة الأن يحكمها شيوخ الوهابية ، أمثال الشيخ عبد الرحمن السديس ، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ، وإمام الحرم المكي الشريف و إمام المسجد الحرام الشيخ الدكتور خالد الغامدي ، واللذان دعواتهم على أحفاد القردة والخنازير / اليهود والنصارى ، بمكبرات الصوت لا تنقطع أثناء خطبهم . وتعليقي على الخطب : أي مكان مقدس هذا وهكذا أهانات تلصق بأناس موحدون مؤمنون ، والمملكة العربية السعودية / بالتحديد ، مستمرة تحت عباءتهم وحمايتهم ! أي المسيحيين واليهود . ثالثا : اورد موقع الويكيبيديا ، حول تغيير القبلة ، التالي ( ظل المسلمون طيلة العهد المكّي يتوجّهون في صلاتهم إلى المسجد الاقصى ؛ امتثالاً لأمر الله ، الذي أمر باستقبالها ، وجعلها قبلةً للصلاة . وفي تلك الأثناء كان الرسول ، يمتثل للحكم الإلهي و ” في فؤاده أمنية كبيرة طالما ظلّت تراوده ، وتتمثّل في التوجّه الى الكعبة بدلاً من المسجد الاقصى ” .. ) . وتعليقي على الأمر : ” هل الله يعمل على تحقيق أمنيات و طلبات وتمنيات الرسول ، أو على تطبيق وتنفيذ أوامره الربانية .. ” ، هذا تساؤل أيضا .
—————————————————————————————————–
(*) حول معنى قباء : ” قباء ” ، مكان معروف عند المدينة فيه المسجد الذي قال الله فيه: { لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ } / سورة التوبة: الآية 108 .